افصلوا بين الدولة والحكومة أيها العرب!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٤/مارس/٢٠١٨ ٠٣:١٤ ص
افصلوا بين الدولة والحكومة أيها العرب!

د. فيصل القاسم

قلما نجد فرقاً بين الدولة والسلطة أو الحكومة في البلدان العربية، فالدولة تحولت إلى سلطة، فخسرت دورها الأعلى، واغتصبت دور الحكومة، فأصبحت محط ازدراء الشعوب. لماذا تريد الدولة العربية أن تدير كل شيء، حتى مصلحة الصرف الصحي؟ لماذا لا تنأى بنفسها بعيداً عن الجانب الخدمي من حياة البلاد والعباد؟ ماذا تربح عندما تدس أنفها في كل صغيرة وكبيرة؟

لماذا لا تكتفي بالتركيز على القضايا الكبرى والوزارات السيادية، وتمارس دور المراقبة من بعيد على أداء الحكومة، فتشعر الأخيرة أن هناك جهة تراقبها فعلاً، وتستطيع أن تصوّب مسارها، وتعاقبها فيما لو أخطأت؟ لماذا لا تمارس الدولة العربية على السلطة التنفيذية دور السلطة الرابعة على أقل تقدير، خاصة وأن السلطة الرابعة المتمثلة بوسائل الإعلام في بلادنا العربية لا محل لها من الإعراب، إلا ربما في محل مجرور؟

قد يقول قائل إن الكثير من الدول العربية يضع خطاً فاصلاً بين الدولة والحكومة، بدليل أن الرئيس أو الملك هو الذي يعين رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة، وهو الذي يقيلها، وحتى يعاقبها. وهذا صحيح من حيث الشكل. أما من حيث المضمون فقلما نجد فرقاً أو فاصلاً بين الحاكم ورئيس الوزراء، فالأخير محسوب على الحكام بطريقة أو بأخرى، ناهيك عن أن الوزراء في الحكومة مرتبطون في كثير من الدول بالدولة وأجهزتها والمتنفذين فيها، فتضيع «الطاسة»، ويصبح التمييز بين الدولة والحكومة صعباً للغاية من وجهة نظر الشعوب.
فلو نظرنا إلى العديد من الدول لوجدنا مثلاً أن رئيس الوزراء هو ابن الدولة، لا بل جزء لا يتجزأ منها، فكيف في هذه الحالة أن تقوم الدولة بمراقبة نفسها، أو معاقبتها؟ إن الخط الفاصل بين الاثنين هنا معدوم. فحتى في الجمهوريات العربية التي تزعم أنها لا تقوم على الحكم الوراثي، يكون رئيس الوزراء مقرباً من الدولة إما نسباً أو حسباً. وحتى إذا لم يكن من عظام رقبة الدولة، فهو من أزلامها، أو عتلاتها، وبالتالي يصعب هنا مراقبته ومعاقبته لأنه «منها وفيها»، كما يقول المثل الشعبي.
فلو كان هناك فصل حقيقي بين الدولة والحكومة في العالم العربي، لبادر رأس الدولة إلى إطلاق العنان لوسائل الإعلام الرسمية في هذا الحالة التابعة للدولة كي تمارس دورها الطبيعي في المراقبة، وكي تلعب دور السلطة الرابعة فعلاً. لكنه لا يفعل، فكثيراً ما نرى أن الدولة العربية تعتبر أي هجوم إعلامي على الحكومة هجوماً عليها شخصياً. لماذا؟ لأن الفصل ليس قائماً بين الاثنتين. أي أن هناك تواطؤاً مفضوحاً بين الدولة والحكومة، إن لم نقل دمجاً مُقرفاً.
لماذا مثلاً لا يستطيع صحفي أن يهاجم رئيس بلدية، ناهيك عن وزير في بعض الحكومات العربية؟ لأن حتى رئيس البلدية يكون مرتبطاً بأجهزة الدولة،. وكثيراً ما نرى أن بعض الوزراء والمحافظين في العالم العربي يتمتعون بسلطات هائلة، لا لشيء إلا لأنهم مقربون من الدولة، وهم بذلك لم يعودوا مجرد أفراد من أفراد الحكومة المخولة بخدمة الشعب، بل جزء لا يتجزأ من الدولة. وهو شيء غريب عجيب فعلاً، وقد لا يكون موجوداً في بلد غير البلاد العربية التي تلعب فيها المحسوبية دوراً عز نظيره في أي أمة أخرى.
لا نطالب أبداً بالفصل بين السلطات المعمول بها في الدول الديموقراطية الحقيقية المحترمة، حيث تعرف كل سلطة حدودها، ولا تعتدي على السلطات الأخرى، بل نريد من الدولة العربية التي ظلت صامدة وممسكة بزمام الأمور رغم كل التحولات العالمية والكوارث والمآسي المحلية، نريد منها أن تترفع عن النزول إلى ملعب الحكومات، فهي، بالمفهوم الدستوري، أعلى وأسمى من أن تنحط بنفسها إلى الدرك الأسفل من شؤون الحكم.

لا يضير الدولة العربية بشيء لو رسمت حداً فاصلاً بينها وبين السلطة التنفيذية. وأعتقد أن أول خطوة يجب أن تخطوها الدول العربية هو إطلاق العنان لوسائل الإعلام كي تمارس دورها الرقابي بحرية على الحكومة تحديداً. وليعلم الصحفيون أن الدولة خط أحمر، ولا نريد من أحد أن يقترب منها ومن رأسها، بشرط أن يكون ذلك الرأس سنداً للسلطة الرابعة يحميها من السلطة التنفيذية. ولا يتم ذلك إلا عندما تعزل الدولة نفسها تماماً عن الحكومة، وتتوقف عن التستر أو حماية هذا المحافظ، أو ذاك الوزير، أو ذاك الموظف، أو ذاك المدير.

لقد آن الأوان لأن تحترم الدولة العربية نفسها، وأن تطلق يد البرلمانات والصحافة لأن تكون حسيباً ورقيباً للحكومة. وهذا بالمناسبة يقوّي الدولة، ولا يضعفها، لا بل يجعلها أقرب إلى، إن لم نقل محبوبة ومحترمة من قبل الشعوب. فلتحتفظ الدول العربية ورؤوسها بكل امتيازاتها، ونحن نبارك لها بذلك، بشرط أن تحمينا من الحكومات، وتمارس دورها كـ»أنا» عليا.

إعلامي في قناة الجزيرة