على ضوء مخرجات دافوس 2018.. يجب تغيير مفهوم النمو

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٨/فبراير/٢٠١٨ ١٢:٢٠ م
على ضوء مخرجات دافوس 2018.. يجب تغيير مفهوم النمو

محمد محفوظ العارضي
اشتملت المحاور التي تناولها منتدى دافوس 2018 لهذه السنة على عدة قضايا اقتصادية سياسية اجتماعية مصيرية، كان أهمها إصلاح النظام الرأسمالي القائم على مبدأ السوق، ومفهوم النمو الاقتصادي وعلاقته بالمجتمعات في كافة دول العالم، ومفهوم بناء العلاقات بين الدول على أساس الميزان التجاري والحماية الاقتصادية.
ولأن العالم وصل إلى مرحلة لم يعد مسموحاً فيها تجاوز هذه المفاهيم، سأسعى معكم من خلال هذه المقالة إلى إعادة توصيف النمو كأساس للحل على كافة المحاور الواردة في أجندة دافوس مثل الفقر والبطالة والتفاوت الاجتماعي وإدارة المصالح المشتركة بين الدول.
قبل البدء بفعالياته، أصدر المنتدى تقرير المخاطر العالمية 2018 تحت عنوان: "أغيثونا، المخاطر تحاصر الأفراد والدول والمؤسسات في كل مكان". وذكر التقرير عدة مخاطر محتملة تهدد مستقبل البشرية وهي: المناخ والكوارث الطبيعية، والهجمات الإلكترونية وسرقة البيانات والإخفاق في التصدي للتغير المناخي. وعبّر التقرير أيضاً عن السخط على النظم السياسية والاقتصادية القائمة.
نحن مع اللقاءات الدولية الضخمة التي تجمع رواد القطاعين العام والخاص والمنظمات الدولية والحكومات على منصة واحدة، فحل المعضلات يحتاج إلى التقاء كافة عناصرها. لكن، ولكي نكون موضوعيين في مناقشة دافوس ومخرجاته ومحتواه، علينا أن نسأل أولاً عن مصدر الاستغاثة التي بدأ بها التقرير.
من المستغيث هنا؟ المؤسسات المالية؟ أم الشركات؟ أم نخبة الأغنياء؟ أم أنصار تحرير السوق من القوانين والأنظمة؟ أم الشعوب التي يجب أن يكون هذا المنتدى تمثيلاً واسعاً لمصالحها؟
محاور الاستغاثة لم تتضمن أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل ومن لا يحصلون على أدنى حقوقهم من خدمات الصحة والتعليم والبنى التحتية كالمياه النظيفة والكهرباء والمواصلات وغيرها، والأصوات التي تناولت هذه القضايا كانت متواضعة في قدرتها على التأثير. كما لم تتضمن الاستغاثة هيمنة الدول القوية على الفقيرة واستلاب إرادتها الاقتصادية، أو ابتلاع الاحتكارات الاقتصادية الضخمة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والعائلية، مع العلم أن دافوس 2017 ناقش قضية التفاوت الاجتماعي والتفاوت بين الدول في مجال التقنيات والعلوم، وتطرق لقضايا الفقر والبطالة، لكن بدون مخرجات ملزمة للمشاركين.
وحتى لا يُفهم كلامي وكأنه خروج عن سياق المشاركين في دافوس وكنت أنا نفسي واحداً منهم، يجب التذكير أن المنتدى ضم أصواتاً كثيرة تعبر عن مصالح الغالبية العظمى من منتجي الثروات الحقيقية، والذين يحصلون على النصيب الأقل من ثمرة إنتاجهم.
من هذه الأصوات النادرة، شارانبورو، الأمينة العامة للاتحاد النقابي الدولي، التي قالت خلال مشاركتها في دافوس: "إن العالم بحاجة إلى إعادة التفاوض على عقد اجتماعي جديد، وإعادة صياغة القواعد. لقد بنينا هذا العالم المكسور، والآن نحن بحاجة إلى تعلم بعض الدروس وإعادة البناء".
أن يصل الأمر بممثلة النقابات العمالية إلى القول بضرورة إعادة التفاوض على بناء العالم وضرورة إعادة التفاوض على عقد دولي جديد، فهذا يعني أن المعضلات التي تواجه النظام السياسي والاقتصادي الدولي هي معضلات بنيوية وليست شكلية، وأن الحل يجب أن يكون في جوهر هذه النظم وثقافتها وليس في ممارساتها فقط.
الأصوات المعارضة من خارج دافوس لسياساته وطريقة مناقشته قضايا العالم قوية ويجب أخذها بالاعتبار، ففي العام 2001 تجمعت المنظمات والهيئات غير الحكومية التي تمثل المجتمعات حول العالم في مدينة بورتو إليجري البرازيلية وأسسوا ما يسمى "بالمنتدى الاجتماعي العالمي" كقطب منافس لدافوس الذي يعتبرونه منتدى اقتصادياً لإدارة المصالح وتقسيمها على الحاضرين. لكن هذا المنتدى لم ينجح في منافسته لأنه ببساطة يفتقر إلى التمويل وللدعم السياسي.
نحن نتفق مع غالبية الانتقادات الموجهة لدافوس، فآلية قياس النمو الاقتصادي التي يتبناها المنتدى ليست مؤشراً اجتماعياً ولا تأخذ في الاعتبار سوى المصالح النخبوية. لقد ذكرت تقارير دافوس أن النمو المتوقع للاقتصاد العالمي سيبلغ نحو 3 و 5%، وهنا نسأل كيف يقيس دافوس نمو الاقتصاد العالمي؟ هل هو نمو في جودة المجتمعات وانخفاض في عدد الفقراء وضحايا الصراعات؟ أم نمو رؤوس الأموال والاستثمارات وأرباح الشركات العابرة للقارات؟ وهل يقاس النمو في كل دولة بالناتج المحلي أم بالناتج الوطني؟
من الواضح أن مؤشر قياس النمو العالمي لا يزال مقتصراً على حجم الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة، وهو مؤشر يتجاهل الأثر الاجتماعي للنمو ولا يتناول مقدار تأثير هذا النمو على قطاعات التعليم والصحة والخدمات ونصيب الفرد من هذا الناتج، لأنه ببساطة مجرد قياس لما حققته النخبة الاقتصادية وليس للدخل الوطني للدول والذي من خلاله تستطيع زيادة الإنفاق الاجتماعي على هذه الخدمات.
علينا البدء بتغيير مفهومنا عن النمو، وأن نطرح بقوة قضية التمييز بين الناتج المحلي الإجمالي والناتج الوطني، فالأول مجرد مراكمة على رساميل الشركات ومعظمها أجنبية خاصةً في البلدان الفقيرة التي لا تمتلك القدرة على استثمار عمالتها وثرواتها فتستدعي الاستثمار الأجنبي للقيام بهذه المهمة. وأنا لست ضد الاستثمار الأجنبي بل أعتبر هذا الاستثمار غاية في الأهمية لتطوير قطاعات الدول النامية اقتصادياً ومساعدتها على النهوض بمقدراتها. ولكي يؤدي هذا الاستثمار وظيفته يجب أن يكون شريكاً مع القطاع العام وشريكاً للمجتمع المحلي على وجه التحديد وأن تؤدي ممارساته إلى الارتقاء بجودة حياة الناس ومواهبهم حتى يتمكنوا من استكمال مسيرتهم التنموية وبناء تجربتهم الاقتصادية الخاصة في بلدهم.
وحتى لا يكون حديثنا عن هذه النقطة مجرد طروحات عامة. علينا أن نضيف لمؤشرات النمو فئات جديدة، مثل: قياس نسبة التطور الاجتماعي في كل بلد مقارنةً بالناتج المحلي والأرباح التي تحققها الشركات العاملة فيه، وقياس عدد الوظائف المحلية التي ينتجها نشاط هذه الشركات بشرط أن يكون التوظيف شاملاً لمختلف المهارات، من الخريجين الجدد وأصحاب التخصصات إلى من لم يسعفهم الحظ في استكمال تعليمهم. وهنا على مؤشرات النمو أن ترعى مصالح الفئات الضعيفة، أي رصد حجم التفاوت في الأجور الذي لا يجب أن يكون واسعاً. ويجب أن تشمل معايير النمو قياساً متفقاً عليه لممارسات المسؤولية الاجتماعية للشركات. ونقترح هنا أن ينتقل العالم من التعامل مع هذه القضية على أساس كونها قرار اختياري، إلى قانون إلزامي يضاف إلى قوانين الترخيص والتسجيل للشركات المحلية والأجنبية، بحيث كلما زادت أرباح الشركات يجب أن نلاحظ في المقابل ارتفاعاً في مستوى الخدمات وزيادة في الأجور التي يتلقاها المجتمع المحلي، وإلا سنبقى نراكم أسباب الأزمات الاقتصادية التي ستنعكس سلباً حتى على الشركات التي حققت أرباحاً في مرحلة معينة. والحقيقة أن تغيير مفهوم النمو يجب أن يتم عند قياس الناتج في كل دولة وفي الاقتصاد العالمي بشكل عام.
إن نقد مجريات وآليات دافوس ليس رفضاً لاجتماع العالم على مواجهة التحديات الشاملة التي تفرضها المرحلة، بل سعياً لأن يكون هذا الاجتماع فاعلاً ومفيداً لجميع الفئات الاجتماعية بدون استثناء. إذا لم تقتنع المجتمعات بدافوس فسيزداد هذا المنتدى عزلةً كل عام، وهذا يتطلب في مرحلة مقبلة أن يتم تغيير موازين التمثيل بحيث تمنح المنظمات الاجتماعية ليس المساحة الكافية فحسب بل وصلاحيات التقرير في مخرجاته أيضاً.

رئيس مجلس الإدارة التنفيذي في إنفستكورب، ورئيس مجلس إدارة بنك صحار.