التكاليف الصحية للإصلاح الضريبي

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٨/فبراير/٢٠١٨ ٠٤:١٣ ص
التكاليف الصحية للإصلاح الضريبي

ديفيد بلومنثال

قد يكون قانون الضرائب الشامل الذي وقع عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 22 ديسمبر 2017، بمثابة هدية عشية عيد الميلاد. ولكن بالنسبة للملايين من الأمريكيين الذين ستزداد أوضاعهم الصحية سوءا بسبب هذا القانون، فاٍن مثل هذه الهدية تشبه فيلا أبيضا مكلفا.

سيؤثر قانون خفض الضرائب وخلق فرص العمل على نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة في ثلاث جوانب رئيسية. أولا، سيعمل على إلغاء ما يسمى ب «الولاية الفردية»، وهو بند من قانون الرعاية بأسعار معقولة لعام 2010 (أوباماكير) الذي يفرض غرامة ضريبية على الأشخاص الذين ليس لديهم تأمين صحي. ووفقا لمكتب الميزانية في الكونغرس الأمريكي (CBO)، فإن إلغاء هذا البند سيخفض عدد الأمريكيين المؤمن عليهم بمقدار 13 مليون شخص خلال العقد المقبل، ويزيد متوسط أقساط التأمين الصحي بنحو 10 %. وعلاوة على ذلك، من شأن إلغاء الولاية الفردية أن يؤثر سلبا على أسواق التأمين الصحي، لأن الأشخاص الأصغر سنا والأصحاء سيكونون أقل احتمالا لشراء التأمين.

ثانيا، يقدر مكتب الميزانية في الكونجرس أن القانون من شأنه أن يزيد 1.45 تريليون دولار من العجز خلال العقد المقبل، مما قد يؤدي إلى خفض الإنفاق الحكومي على برامج التأمين الصحي للمسنين والفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة، مثل برنامج الرعاية الطبية «ميديكير» وبرنامج المساعدات الطبية «ميديكيد». هذه البرامج هي من أكبر بنود ميزانية الدولة، حيث أنفقت 1 تريليون دولار - أي 26 % من الميزانية الاتحادية - في عام 2016. وستؤدي أي تخفيضات في هذه البرامج، من أجل تخفيض العجز، إلى إلحاق أضرار بليغة بأشد قطاعات السكان ضعفا.
ثالثا، سيؤدي هذا القانون الضريبي إلى خفض الإنفاق الاستهلاكي على الأدوية وسيؤثر سلبا على الحالة الصحية للفقراء، فضلا عن أولئك المعرضين للخطر. وعلى الرغم من أن القانون تم التوقيع عليه باعتباره قانونا «لخفض الضرائب»، فإنه في الواقع سيؤدي إلى انخفاض الدخل «بعد خصم الضرائب» لحوالي 53 % من الأمريكيين، مع زيادة دخل 5 % من أغنى المواطنين في البلاد.
ووفقا للجنة المشتركة للضرائب، وهي هيئة مستقلة تقيم المقترحات الضريبية أمام الكونغرس، فإن الأمريكيين الذين يكسبون أكثر من مليون دولار سنويا سيشهدون انخفاض فاتورة الضرائب السنوية بمتوسط 12.865 دولار أمريكي على مدى العقد المقبل. أما بالنسبة لأفقر الأمريكيين، فإن العبء الضريبي سيرتفع خلال هذه الفترة. كما سيخضع أولئك الذين يكسبون أقل من 10.000 دولار في السنة لمعدل ضريبي سنوي متوسط قدره 152 دولار، وسيحصل أولئك الذين يتقاضون ما بين 10.000 و 20.000 دولار سنوياً على زيادة ضريبية قدرها 2563 دولاراً في السنة.
ويؤثر مستوى الدخل بشكل كبير على الصحة. ووفقا لدراسة نشرت العام 2016 في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية، يعيش الرجال الأمريكيون الذين لديهم دخل في أعلى 1 % لمدة 15 عاما أكثر من أفقر 1 %، وبالنسبة للنساء في هذه المجموعات، فإن الفجوة تقدر بعشر سنوات. وسيؤدي قانون الضرائب المعتمد إلى تفاقم هذا التفاوت، مما يقلل من دخل الأمريكيين ذوي الدخل المنخفض والمتوسط. وكثير منهم يعيشون بالفعل حياة أقصر، ويعزى ذلك جزئيا إلى أزمة الأفيونيات التي دمرت جزءا كبيرا من البلاد. في العام 2016، على سبيل المثال، انخفض متوسط العمر المتوقع في الولايات المتحدة للسنة الثانية على التوالي، بنسبة 0.1 سنة، إلى 78.6.
وبما أن الفقراء والباحثين عن العمل وغير المؤمن عليهم يعانون بشكل كبير من تعاطي الأفيون والإدمان عليه، فإن قانون الضرائب الجديد سيزيد من الخطر المحدق بصحتهم. ويمكن أن يؤدي انخفاض الدخل وارتفاع العجز في الميزانية إلى انخفاض في استقرار سوق التأمين الصحي والحد من برنامج المساعدات الطبية «ميديكيد»، والذي يسدد تكاليف وصفات طبية لدواء نالوكسون، وهو دواء يستخدم لعكس الجرعات الزائدة للمواد الأفيونية.
وتظهر مؤشرات الولايتين الأكثر تضررا من وباء الأفيون صورة واضحة للغاية. وفي العام الفائت، كشف باحثون من جامعة هارفارد أنه في ولاية ماساتشوستس، حيث تم توسيع نطاق التغطية الطبية في السنوات الأخيرة، تم تجنب 868 وفاة متصلة بشبائه الأفيون في العام 2016. وفي الوقت نفسه، في ولاية تينيسي، التي لم توسع البرنامج، تم تجنب 11 حالة وفاة ذات صلة بالمواد الأفيونية فقط. وخلص الباحثون إلى أن «توسيع التغطية الطبية ساعد على زيادة القدرة المالية للموظفين المسؤولين، وبالتالي زيادة استخدام دواء النالوكسون، الذي أنقذ أرواح الكثيرين».
تشكل الجوانب المظلمة من قانون الضرائب الجديد خطرا على الحالة الصحية للأمريكيين: عدد أقل من الأميركيين الذين يتمتعون بالتأمين الصحي، الحد من برامج الدولة، انخفاض دخل الفقراء، مما يحد من فرص الحصول على العلاج من إدمان المخدرات. وكل ذلك سيؤثر سلبا على إنتاجية العمال، مما يقوض النمو العام للاقتصاد. ويرى بعض الخبراء أن التوقعات الأولية لمكتب الميزانية في الكونغرس حول تأثير إلغاء الولاية الفردية كانت غير مطمئنة، وأن العديد من الأمريكيين سيشترون التأمين حتى بعد إلغاء الغرامة. وبطبيعة الحال، لیس هناك ما یضمن أنه سیتم خفض الإنفاق علی برامج ميديكير وميديكيد، نظرا لأن توسیع میدیكید بموجب قانون أوباماكير جعل البرنامج أكثر شعبية بین أولئك الذين یستخدمونه.
ولكن حتى لو ثبت أن هذين الافتراضين لا أساس لهما، فإن النتائج الغير مقصودة لقانون الضرائب الجديد ستظل تهدد رفاه الأمريكيين. وسرعان ما وافق الكونجرس على هذا القانون ووقعه الرئيس دون أي نقاش هادف حول آثاره المحتملة على نظام الرعاية الصحية. لقد بدأت أحكام هذا القانون تدخل حيز التنفيذ، لذلك، فاٍن السياسيين ملزمين بإيلاء اهتمام أكبر بهذا الشأن. وإلا، فإن هذا القانون سيكلف الأميركيين شيئا أكثر قيمة من المال: صحتهم.

المنسق الوطني السابق لتكنولوجيا المعلومات

الصحية وهو رئيس صندوق الكومنولث