حرب الهند على العلوم

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٨/فبراير/٢٠١٨ ٠٤:١٣ ص
حرب الهند على العلوم

شاشي ثارور

أعلن وزير التربيـــة والتعليــم الهندي ساتيابال سينغ مؤخراً أن نظريـــة داروين حول التطور عن طريق الانتقاء الطبيعــي «غير علمية» على أساس أنه «لم يسبق لأحد، بما في ذلك أجدادنا، أن شاهد قرداً يتحول إلى إنسان». وكان ذلك بياناً مذهلاً - ويعتبر آخر هجوم للحكومة الحالية على العلوم.

ووفقاً للدستور الهندي، يعد تطوير «المزاج العلمي، والإنسانية، وروح التحقيق والإصلاح» واجب كل مواطن - وبصورة ضمنية، مسؤولية الدولة. وقال رئيس الوزراء الهندي الأول جواهرلال نهرو، انه خلافا للمعتقد - الذي يميل إلى «التعصب والسذاجة والخرافات والعاطفية واللاعقلانية» و«مزاج شخص اتكالي وغير متحرر» - يعتبر المزاج العلمي «مزاج رجل حر».

وبالنسبة لحزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي الحاكم في الهند، فإن هذه الأفكار لم تعد عصرية. ويود قادة الحزب ومؤيديه تعليم أطفال المدارس أن نظرية التطور هي مجرد فرضية أخرى عن أصل الحياة، مثلها مثل المقترحات الدينية. ويهدفون إلى إبقاء هذه النظرية خارج المناهج الدراسية تماما.
إن نظرية التطور لداروين ليست الهدف الوحيد لهذا الهجوم على العلوم. في وقت سابق من هذا العام، ادعى فاسوديف ديفناني، وزير التعليم بولاية راجاستان، وهو قائد آخر في الحزب الحاكم بهاراتيا جاناتا، أن البقرة هي الحيوان الوحيد الذي يستطيع استنشاق الأكسجين وإطلاقه. يعد تبجيل البقرة من هواجس حزب بهاراتيا جاناتا وأتباعه، الذين اعتدوا على البشر من أجل حماية الحيوانات. ولكن ذلك لم يكن مقبولا حتى بالنسبة للعديد من المتعاطفين مع حزب بهاراتيا جاناتا.
إن سينغ وديفناني رجلان متعلمان: سينغ حاصل على شهادة في الكيمياء، و ديفناني مهندس متمكن. ومع ذلك، لا يبدو أن التعليم أو القيادة كافيان لدحض الجهل.
وينطبق الأمر نفسه على القاضي السابق ماهيش شاندرا شارما من المحكمة العليا في راجاستان - الذي يقال إنه خريج كلية العلوم - حيث قال في مقابلة في العام الفائت إن الطائر الوطني الهندي «الطاووس» «يظل أعزب مدى الحياة» وهو يلقح أنثى الطاووس عن طريق ذرف الدموع. وأشار إلى استخدام اللورد كريشنا لريشة الطاووس كدليل على عزوبيته.
وقد انضم رئيس الوزراء ناريندرا مودي أيضا إلى الفريق المهاجم للعلم. يحب مودي أن يكون بمثابة زعيم ذكي من الناحية التكنولوجية في القرن الحادي والعشرين. وفي افتتاح مستشفى مومباي في أكتوبر 2014، ادعى أن الإله الهندوسي الذي يرأسه الفيل غانيش كان دليلا على معرفة الهند القديمة بالجراحة التجميلية. ثم أكد ما قاله الملحمي القديم ماهابهاراتا بأن «الناس كانوا على علم بالعلم الجيني». على ما يبدو لم يلاحظ مودي أن رأس الفيل الصغير لا يلائم العنق البشري الكبير.
ومن المثير للسخرية أن الهند كانت بالفعل رائدة في الجراحة التجميلية. وقد أنتجت البلاد سوشروتا، وهو أشهر جراح في العالم، وأحد مؤسسي فن وعلم الأيورفيدا القديم، الذي نشأ في الهند قديمًا، حيث وجد علماء الآثار أقدم الأدوات الجراحية في العالم (التي يرجع تاريخها إلى القرن الأول). وهناك أيضا أدلة في النصوص القديمة لعمليات تجميل الأنف. إن دمج هذه الحقائق التاريخية في سرد عن رؤوس الأفيال المزروعة الأسطورية أساء للعلم - وللأشخاص الذين تستحق إنجازاتهم الثناء - إلى حد كبير.
وبالمثل، أشار مودي لتلامذة المدارس في العام 2014 أن تغير المناخ ليس مشكلة بيئية؛ بل يتعلق بقدرة البشر على التعامل مع الحرارة والبرد، والتي ستتغير مع مرور الوقت. وقال إن ظاهرة الاحتباس الحراري «هي مجرد حالة ذهنية».
ولیس فقط السیاسیون الذین تدعمهم نظرية الهندوتفا (الهندوسية القومية المعادية للمسلمين) لحزب بهاراتيا جاناتا، هم من ینشرون العلوم الزائفة في الهند. إن شركاء مودي - مثل معلم اليوغا ومتعهد الأيورفيدا بابا رامديف، الذين يبيعون الأدوية «لعلاج» المثلية - هم الجناة الحقيقيون.
وقد وفر ذلك المزيد من الدعم لجماعة الزعماء السياسيين الذين حولوا الدين والروحانية الزائفة إلى عمل مربح في الهند. وقد حذر سادجورو جاغي فاسوديف (معلم اليوغا الهندي)، على سبيل المثال، في العام 2015 من تناول الطعام خلال خسوف القمر، حيث يحدث « تغيير واضح في طريقة الطعام المطبوخ قبل وبعد» الخسوف. وقال: «إن الغذاء يتحول إلى سم». وأضاف «إذا كان هناك طعام في جسمك، في غضون ساعتين، سوف تشيخ بما يقرب من 28 يوما».
ويؤكد آخرون، مع بعض التشجيع الرسمي، أن كل اكتشاف علمي أو إنجاز - بما في ذلك الطائرات النفاثة والأسلحة الذرية - قد صنع في الهند خلال العصر الفيدي. ونستنتج من كل ذلك أن الهند القديمة لديها كل الأجوبة، وبالتالي، يجب أن تكون المعتقدات والممارسات التقليدية والأصلية متفوقة أساسا على الأفكار الحديثة المستوردة وأنماط الحياة.
إن حزب بهاراتيا جاناتا والأحزاب التابعة له يميلون إلى حكمة الماضي لأنهم يعتبرونها عنصرا أساسيا في تعزيز الهوية المجتمعية القائمة على العقيدة التي يدعمها مشروع هيندوتفا. بالنسبة لهم، الدين ليس مسألة الاعتقاد الشخصي، وهو شكل من أشكال التجسيد الإلهي، بل هو سمة أساسية من سمات سياسة الهوية التقليدية، ووسيلة للحفاظ على النظام الاجتماعي، وضمان الانضباط والالتزام، ومنع التغيير الجذري.
عندما يتساءل الوزراء عن النظرية الداروينية أو يؤكدون القوى الخارقة للبقر، فإنهم لا يقدمون خيارا بين النظرية العلمية والتفسير القائم على الإيمان فحسب، بل إنهم يذكرون الشعب بأن النظرة إلى العالم التي يحالفها الإيمان هي نظرة شاملة، وأنها تتطلب الالتزام بمشروع سياسي أوسع يصف المعتقدات والسلوكيات التي لا علاقة لها بالدين.
إن العلم والعقلانية يهددان هذه الامتثالية، لأنهما يشجعان التشكيك، والاستفسار الحر، واختبار المنظورات التقليدية التي يحرص حزب بهاراتيا جاناتا على ترسيخها. لهذا السبب، بينما يحاول حزب بهاراتيا جاناتا تحويل الهند العلمانية إلى دولة هندوسية، يجب أن يُضعف دور العلم. ومن الصعب المبالغة في تقدير المأساة التي يمثلها هذا الاتجاه. إن الدولة المغايرة والمتحمسة التي يريد حزب بهاراتيا جاناتا إيجادها لن تبدو مثل تلك التي جعلت الهند القوة العظمى العلمية في العصر القديم. هذا يكفي لجعل المرء يذرف الدموع. لكن المرء يأمل عدم وجود إناث الطاووس.

وزير الدولة الهندي الأسبق للشؤون الخارجية