موضة الأخبار العاجلة

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٨/فبراير/٢٠١٨ ٠٤:١٢ ص
موضة الأخبار العاجلة

فريد أحمد حسن

حتى وقت قريب كانت شاشات الفضائيات الإخبارية لا تضع الشريط الأحمر العريض الذي يحمل كلمة «عاجل» في أسفل الشاشة إلا لبعض الأخبار، وكان ذلك يحدث مرة كل عدة أيام أو بالكثير مرة في اليوم باستثناء الحالات التي يحصل فيها تطور غير عادي في موضوع معين كاندلاع حرب في مكان ما من العالم أو وقوع زلزال مدمر أو حصول اعتداء غير عادي في مكان غير متوقع كما حصل مثلا في الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة. اليوم تغير الحال وصارت كلمة «عاجل» تحتل شاشات كثير من الفضائيات الإخبارية في كل ساعة عدة مرات بل قد لا يجد بعضها فرصة المكوث على الشاشة إلا لثوان معدودات، فالأحداث صارت منتشرة في كل مكان وتتطور في كل ساعة.

ظهور الشريط الأحمر وكلمة «عاجل» مؤشر يعين الدارسين على تبين العديد من الظواهر أبرزها ظاهرة عدم الاستقرار التي صارت تسود العالم، فتكرار ظهور هذا الشريط وهذه الكلمة وهذا اللون بكثرة يعني باختصار أن العالم الذي نعيشه غير مستقر وأن حالة عدم الاستقرار هذه تهدد استقرارنا وإن كنا بعيدين عن مصادر تلك الأحداث وميادينها، فالعالم اليوم مترابط بشكل خطير، وما يحدث في القريب منا بل حتى في البعيد عنا لابد أنه يؤثر علينا بطريقة أو بأخرى، وليس من سبيل سوى التفاعل معه.

بالنسبة لحكوماتنا في الخليج العربي فإنها تعمل منذ تأسيس مجلس التعاون على تنفيذ توجيهات القادة بعدم السماح لما يحدث من تطورات في الدول الأخرى بالتأثير على دولنا، لهذا ظل ظهور تلك الكلمة على شاشات فضائياتنا محدودا ونستغرب ويستغرب العالم معنا لو أن خبراً يخصنا احتل ذلك الشريط، فنحن دول مستقرة رغم كل ما يجري قريبا من دارنا.
هذا لا يعني أن بلداننا تخلو من الأحداث أو الموضوعات التي يمكن أن تشغل ذلك الشريط، وليس صحيحا أن تلك الأخبار العاجلة لا تتناول بعض ما يحدث في بلداننا وإن كنا الأكثر استقرارا في المنطقة، لكن سبب شمولنا لا يعود إلى وجود أحداث طارئة أو مشكلات كبيرة ولكن لأن الفضائيات صارت تعتبر كل حدث مهما كان بسيطا خبرا عاجلا، وتعتبر كل تصريح يدلي به أي مسئول في بلداننا خبرا عاجلا، وتعتبر كل حركة وسكنة خبرا عاجلا يستحق التمدد على ذلك الشريط الأحمر أسفل الشاشة!
عملياً لا توجد في دول مجلس التعاون أخباراً تستحق تلك الصفة إلا القليل، وهي في الغالب تصريحات مسؤولين تخص أحداثاً يقع أغلبها في دول أخرى أو أخباراً يفترض أنها لا ترقى إلى منحها تلك الصفة، ما يدفع المرء إلى الاعتقاد بأن بعض الفضائيات تنشر كل «ما هب ودب» من الأخبار تحت تلك الصفة بغية الظفر بأكبر عدد من المشاهدين.
المتابع لبعض الفضائيات العربية لا بد أنه يلاحظ أنها تقتطع عبارات من مقابلة أجرتها أو تجريها مع مسؤول ما في أي مكان وتنشرها بصفة عاجل رغم أنها لا ترقى إلى مستوى أن تنشر بهذه الكيفية ولا تستوجب التفات المشاهد لها، ولو تم إحصاء الأخبار التي تمنح هذه الأيام صفة عاجل في الفضائيات العربية لأدهش رقمها العالم، ولازدادت الدهشة عند تبين أن أغلبها ما كان يستحق النشر من الأساس.
هذا الواقع يدفع إلى التساؤل عما إذا كان وارداً وضع تعريف واضح للخبر الذي يستحق النشر بصفة عاجل تلتزم به كل الفضائيات، على الأقل مراعاة لمشاهديها ولوقتهم وتشجيعا لهم على مواصلة اعتبار الفضائية التي يشاهدونها حالياً الفضائية المفضلة لديهم وعدم التحول إلى فضائيات أخرى. وكذلك إلى التساؤل عما إذا كان يحق لجهة ما فرض تعريفات معينة لهذه المفردة وإلزام الفضائيات بعدم الخروج عنها، ذلك أن الاستمرار في الحال التي يلاحظها الجميع اليوم نتيجته المنطقية تحول المشاهدين الحريصين على متابعة كل التطورات في المنطقة وفي العالم إلى عبيد لتلك الفضائيات التي تبث بين كل خبرين يحملان صفة عاجل خبراً يحمل الصفة نفسها.
المقارنة بين الفضائيات العربية والفضائيات الأجنبية تظهر بوضوح أن الأجنبية لا تبث أخباراً بصفة عاجل إلا إن كانت تستحق بالفعل بثها بهذه الصفة وإلا يتم التعامل معها كأي خبر عادي، لهذا فإن الأخبار التي تحمل هذه الصفة في الفضائيات الأجنبية قليلة، فهي لا تمنح هذه الصفة إلا لتلك التي تستحقها بالفعل ولا تستمر في بثها وإعادتها إلا في حالات حصول الأحداث الكبيرة والتي يمكن أن تزيد من عدد مشاهديها.
كم الأخبار التي تبثها الفضائيات العربية في كل ساعة وتحمل صفة عاجل تدفع الكثيرين إلى اتخاذ موقف من تلك الفضائيات بل والتعامل مع تلك الأخبار على أنها عادية، فليس هناك عاقل يقبل التعامل مع خبر عادي على أنه خبر يحمل صفة عاجل، لأن الخبر العاجل يحمل في طياته دعوة إلى ترك كل شيء والانتباه له وإعطائه الأولوية، وهنا تكمن خطورة هذا الأسلوب، فعندما يتبين للمشاهد أن الأخبار التي قدمت له على أنها عاجلة لم تكن كذلك أو لم تكن تستحق هذه الصفة أساسا فالأكيد أن ثقته في الفضائية التي يعتبرها الأولى ويتابعها ستقل وقد لا يطول الوقت حتى يهجرها.
كثرة بث الأخبار بصفة عاجل دون أن تكون كذلك يزرع في النفوس الإحساس بعدم استقرار الأشياء من حولنا.

كاتب بحريني