القاهرة - خالد البحيري
«شق التعبان» .. منطقة حيوية تقع جنوب شرق القاهرة (40 كيلو من وسط المدينة) تخلو شوارعها من التخطيط العمراني، وممراتها متعرجة، وفي طرقاتها أحجار متعددة الألوان تعرقل السير، وأصوات صاخبة من كل مكان تثير دهشة المارة، وغلاف جوي محاط بالأتربة البيضاء يختلف عن باقي مدن القاهرة.
ففي بداية شوارع المنطقة تجد موقف "ميكروباصات"، وأكشاك بائعي المشروبات الساخنة لتلبية ما يحتاجه الآلاف من العمال الذين شدوا الرحال من مختلف محافظات مصر للعمل والبحث عن "لقمة العيش" كما يرددون، فضلاً عن وجود عربات نصف نقل، وتوكتوك كأحد وسائل المواصلات الملائمة للتحرك في الطرق غير الممهدة لنقل العمال إلى المصانع والمعارض والورش الصغيرة في منطقة تحوي ما يزيد عن الـ500 مصنع للرخام والجرانيت.
تُعرف «شق التعبان» بأنها قلعة صناعة الرخام والجرانيت ليس في فقط في مصر بل في الشرق الأوسط، فهي الرابعة عالمياً في التصدير فضلاً عن أنها ليست مكاناً لاستخراج الرخام كما هو شائع، ولكنها منطقة تُنقل إليها الكتل الكبيرة من الرخام والجرانيت التي يتم جلبها من محاجر عدة.
مؤخرا بدأ «التنين الأصفر» في الدخول للمنطقة وقدم الصينيون يحملون معهم رؤوس أموال ومعدات ضخمة وأبرموا شراكات مع المصريين، بمقتضاها يؤخر المستثمر الصيني المصنع ويحصل المصري على إيجار شهري فقط دون المشاركة في الأعمال أو الربح.
ويحظى الرخام المصري بطلب متزايد من قبل الكثير من الدول العربية ويأتي في مقدمتها سلطنة عمان والسعودية وليبيا، وتبدأ الأسعار من 1500 جنيهاً (80 دولار تقريبا) وقد تصل إلى 20 ألف جنيهاً وفقاً لخاماته وألوانه ومقاساته.
وليد رجب أحد المستثمرين بهذه الصناعة منذ حوالي 9 سنوات قال لـ«الشبيبة»: شق التعبان مكان حيوي ومن أكبر مناطق الاستثمار في مصر فهو يدر أكثر من 3 مليارات جنيه سنوياً، ويوفر الكثير من العملة الصعبة لخزينة البنك المركزي، والتفريط فيها لصالح الصينيين يفقدنا الكثير من القيمة المضافة لهذه الصناعة الواعدة.
وفي المقابل نجد هناك من يفضل وجود المستثمر الصيني بالمنطقة وهذا ما أكده محمد الصعيدي صاحب ورشة لصناعة الرخام والسيراميك معللا ذلك بأن الحالة الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المصريون جعلتهم يتغاضون عن استعمال وشراء هذا المنتج، وبالتالي يقوم الصينيون بالشراء والتصدير للخارج بسعر عالي، مما يضمن استمرار الصناعة والحفاظ عليها من الانهيار.
وأوضح أن «حجر الجلالة» هو حجر شديد النقاء يتم تصديره للصين ويدخل بعض الأفران ليتم استخراج الأملاح منه وإعادة تشكيله وهو حجر نادر لا يوجد إلا في مصر فقط، وبالتالي الاقبال عليه شديد ومصر زاخرة بالجرانيت والرخام منذ قديم الأزل وتقريبا 95% من مساحتها غنية بالأحجار والأملاح.
ويوضح محمود عبد التواب محاسب بأحد المصانع المنتجة للسيراميك أن قيمة إيجار المصنع في المنطقة للمستثمرين الصينيين 100 ألف جنيه شهريا، وهو ثمن يراه بعض العاملين في شق التعبان مغريا، بينما يراه آخرون بخسا لا يكافئ المميزات التي يحظى بها الصينيون من الاستثمار في المادة الخام المصرية، وتوفير فرص عمالة للصينيين، حيث لا تعتمد المصانع المؤجرة من قبل الصينيين على عمالة مصرية.
يقول: أصحاب المصانع يريحون أنفسهم ويوقعون عقودا مدتها 5 سنوات، والصينيون يصدرون الرخام والجرانيت لشركاتهم في الصين، بالإضافة إلى أنهم يبيعون بأسعار رخيصة للتجار المصريين، وبالتالي سيطروا على السوق داخل مصر وخارجها.