حرب مصر القوية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٥/فبراير/٢٠١٨ ٠٣:٥٤ ص
حرب مصر القوية

أحمد المرشد

مبعث كتابتي اليوم عن العملية المصرية الواسعة المسماة «سيناء 2018» يعود إلى اهتمامي الشخصي بمتابعة تطورات حروب دول المنطقة ضد الإرهاب، ليس الإرهاب الداعشي أو القاعدة وحدهما، ولكن كل ما يشمله هذا الإرهاب من دوافع وأهداف، خاصة في وقت نعاني فيه جميعا من تداعياته، فهو أساس خراب بعض بلداننا العربية. أما عن العملية المصرية التي توصف بأنها «حرب شاملة»، فهي تبعث فينا الأمل بالمواجهة الحقيقية للقضاء على آفة العصر الذي نعيش فيه. فالعملية وإن كانت تحمل اسم أهم منطقة يحتمي فيها الإرهابيون وهي شمال سيناء، فهي تشمل كل أنحاء مصر، وهذا مبعث أخر على أهمية الكتابة عن التدرج المصري في عملية المواجهة.

وحسب قراءتي الشخصية للعملية، فهي تمثل رسالة مصرية مهمة للعالم خاصة وسائل الإعلام الدولية، تؤكد فيها القاهرة قدرتها على التحدي، رغم حكم بعض العواصم الغربية على العمليات المصرية الفائتة بأنها عديمة الجدوى، حتى إن بعض الحكومات والدوائر السياسية التابعة لها تبث في الغالب صورا سلبية بشأن الجهود المصرية في مواجهة كافة التنظيمات الإرهابية، والهدف من بث هذه الصور السلبية هو الإيحاء بعدم فاعلية كل ما تبذله القوات المسلحة والشرطة المصرية من مجهودات ضخمة في تحجيم الإرهاب.

وتعد العملية «سيناء 2018» أولى ملامح التوجه المصري الجديد ليس للرد على سلبية هذه الحكومات والأجهزة السياسية والإعلامية المنخرطة في ركابها، فكان موعد العملية وحجم القوات المشاركة فيها أبلغ رسالة ردا على وسائل الإعلام الغربية التي غالبا ما تبث رسائل محبطة عن النتائج المصرية. كما أدهشت العملية هذه الوسائل والدول التابعة لها بمدى الخسائر التي لحقت بالتنظيمات الإرهابية ومدى المعلومات الفائقة التي جمعتها الأجهزة المصرية المختلفة قبل شن معركة تطهير مصر من الإرهاب.

وانطلاقا من هذا الهدف، جاءت العملية في هذا التوقيت تحديدا للرد أيضا على التشكيك الغربي الرسمي أحيانا والإعلامي دائما حول مسألة التعاون بين المؤسسات الأمنية المصرية، فالغرب في الغالب يشكك في التعاون ويصور الأمر وكأنه صراع بين تلك الأجهزة، ومن هنا جاء المجهود المشترك بين كافة الأجهزة الأمنية والاستخبارية والعسكرية والشرطية، ليس في منطقة شمال سيناء وحدها ولكن في كل أنحاء مصر. ورأينا كيف كانت نتيجة هذا التعاون وليس الصراع المزعوم من الغرب، فكانت النتيجة على أرض الواقع مبهرة للجميع، وتحقق الهدف المرجو من العملية بعد الإعداد الجيد لها معلوماتيا وتطوير سياسات مواجهة كافة العناصر الإرهابية بما يتلاءم مع التحول الذي لحق بمخططات تلك العناصر المتطرفة.

واعتقد أن معظم الدوائر الغربية إن لم يكن كلها تقريبا لم تدرك مغزى الموعد الذي حدده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لشن العملية، وكان قبلها بثلاث أشهر وفي احتفال عام حينما كلف قيادات الجيش بضرورة تطهير مصر من الإرهاب في مدة محددة، وربما تغافل الجميع عن هذا الموعد سوى القوات المسلحة والشرطة والأجهزة الاستخبارية في مصر التي سبقت العملية وجمعت أكبر قدر من المعلومات المهمة عن أماكن تمركز الإرهابيين في مختلف ربوع مصر. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن الرئيس المصري لم يكن ليعلن الموعد وهو القائد العسكري السابق دون تقييم ما لدى أجهزته العسكرية والأمنية والاستخبارية من معلومات دقيقة عن العناصر والخلايا الإرهابية المزمع مواجهتها، مع تحديد الأهداف المرجوة من العملية بدقة متناهية حتى لا تأتي بنتائج عكسية لدى الداخل المصري الذي أعلن تأييده الكامل للعملية، والخارج الذي لا يزال يشكك فيها.
ونعود للوراء قليلاً لنحدد تاريخين مهمين في مسألة المواجهة المصرية مع الإرهاب، التاريخ الأول هو العشرين من أكتوبر الفائت حيث كانت عملية الواحات التي نفذها إرهابيون راح ضحيتها 16 من ضباط وجنود الشرطة، وهي ما منحت الإرهابيين ثقة زائدة نوعاً ما ولكن سرعان ما تبددت هذه الثقة بعد الرد العسكري السريع والقبض على معظم أعضاء الخلية الإرهابية ومن بينهم عرب..والعملية الثانية كانت في الجمعة 24 نوفمبر الفائت، حينما اقتحم بعض الإرهابيين ببنادقهم الآلية مسجد الروضة في شمال سيناء ليقتلوا ويصيبوا نحو 444 ما بين شهيد ومصاب من المصلين في أضخم عملية إرهابية ضد مدنيين، في تطور نوعي للتنظيمات المتطرفة باستهداف مسلمين بل وأثناء صلاة الجمعة في عملية لاقت غضبا مصريا وعربيا بالغا، توعدت على إثرها القيادة السياسية المصرية بالقصاص من الإرهابيين المتوحشين. واعتقد أن هذين التاريخين مثلا نقطة فاصلة في عملية الوقوف بحسم في مواجهة كل خلايا الإرهاب في مصر، خاصة بعدما كشف رئيس إحدى الدول أن عناصر داعش الذين هربوا من العراق وسوريا في طريقهم إلى مصر. كما مثلا هذان الحدثان دافعا قويا للمواجهة أمام الداخل والعالم معا، فاستعدت القوات المصرية داخليا بتأمين الأهداف المدنية والمنشآت الحيوية في مناطق العمليات، أو ما يسمى الأهداف الرخوة. وبالإمكان حساب هذا التأمين الجيد من تفاعل المدنيين مع العملية واستعداد السلطات المحلية للمواجهة حتى لا يئن المدنيين من طول فترة الحرب لو طالت أو يشعرون بأي نقص في حياتهم المعيشية المعتادة.. وهذا الأمر يحسب للقيادة المصرية التي طالما تعرضت للتشكيك من قبل المؤسسات البحثية الغربية بأن مصر لن تستطيع شن عملية شاملة ضد معاقل الإرهاب والإرهابيين بسبب تمركزهم وسط المدنيين.كما يحسب للقيادة المصرية التي أشركت الإعلام معها في كافة خطواتها وهو ما ساعدها على جعل المصريين بكافة أطيافهم شركاء في عملية مواجهة الإرهاب، فأصبح المواطن شريكاً حقيقياً وليس مجرد متابع للأخبار، خاصة وأن المصريين يشعرون بغصة بسبب تمادي الإرهابيين في عملياتهم المتطرفة الأخيرة، وتحديدا مسجد الروضة التي وصفت بالمجزرة الدموية نظرا لضخامة عدد الضحايا، ووحشية الإرهابيين الذين تصرفوا بدم بارد مع الشهداء. ليس هذا فحسب، فالمدنيون المصريون تحولوا من ضحية محتملة للإرهاب إلى شريك وفاعل حقيقي في المواجهة، بما يؤكد نجاح مصر بالتمهيد لتلك العملية بدقة شديدة، لتصدر بذلك صورة فريدة في محاربة الإرهاب يتعلم منها العرب والغرب معا، فالكل في انتظار النتائج الكلية لعملية «سيناء 2018».
ويكتب لمصر في هذه المعركة الشاملة ضد الإرهاب، أنها لم تأبه بالاعتراضات الإسرائيلية على ما سماه الإسرائيليون بتجاوز مصر حدود اتفاقيات كامب ديفيد، فمصر تعتبر أن أمنها القومي يعلو كل شيء مما استوجب مطالبة إسرائيل وأمريكا بالتعديل الفوري لبنود الاتفاقيات حفاظا على أمنها القومي، وما فعلته مصر بعد فوضى 2011 من إجراء أكثر من تعديل بهدف السماح بانتشار الجيش في المنطقة (ج) بكثافة عالية لإغلاق منافذ الإرهاب التى تتدفق منطقة شمال سيناء.. واعتقد أيضا أن المصريين نجحوا في إجراء تعديلات إضافية على بنود الاتفاقيات مؤخرا مما ساعدوا على تحقيق نجاحات كبيرة في العملية.وختاما..نتمنى قرب انتهاء العملية لتحصد مصر الثمار بعد فترة معاناة صعبة امتدت نحو ثماني أعوام عجاف، عانى فيها الشعب الأمرين من سوء حكم أحيانا إلى إرهاب غاشم كل هدفه ابتلاع مصر لتكون دول خلافة إسلامية بعيدة عن الحضارة والتاريخ والمدنية،.ستظل مصر الحارس الأمين للأمة العربية كعهدها دوما، فهي عندما تخوض هذه الحرب المهمة ضد معاقل الإرهاب، فهي تدافع عن العرب أيضا، والأمر يستوجب ضرورة تضافر كافة الجهود العربية والدولية لدعم مصر في هذه الحرب وألا نكتفي بالأقوال، فالمطلوب الأفعال والأيدي المتشابكة.

كاتب ومحلل سياسي بحريني