د. فيصل القاسم
لا يسعك وأنت ترى بعض المعارضات وبعض الشعوب المنكوبة في العالم الثالث وهي تستنجد بالقوى الكبرى لإنقاذها من طواغيتها السفاحين، لا يسعك إلا أن تضحك عليها بملء شدقيك، وأن تسخر من سذاجتها وأميتها السياسية الصارخة. ما أسخف الذين يستصرخون الضمير الأمريكي أو الأوروبي لحمايتهم من الذبح والتهجير والقتل في البلاد المنكوبة بالظلم والطغيان والتخريب والتدمير. كم هم مغفلون أولئك المعارضون مثلاً الذين يتقاطرون على أمريكا وإسرائيل لمساعدتهم في إسقاط هذا النظام أو ذاك أو على الأقل إصلاحه أو قف همجيته ووحشيته بحق شعب أعزل.
ذات يوم زار أحد المعارضين العرب واشنطن والتقى بالعديد من القيادات السياسية والأمنية طالباً منها مساعدة بلاده في تحقيق الديمقراطية وإنهاء نظام البطش والقتل هناك، فسأله أحد المسؤولين الأمريكيين: «وماذا يمكن أن تقدموا لنا إذا ساعدناكم»، فقال المعارض: «نحن ليس لدينا شيء نقدمه لكم، لكننا طامعون بكرمكم كونكم الديمقراطية الأولى في العالم»، فرد المسؤول الأمريكي بسخرية فاقعة: «هل تعلم أن النظام في بلدكم مستعد أن يعطينا أكثر مما نطلب منه أضعافاً مضاعفة، فإذا طلبنا منه مثلاً أن يحقق لنا أربعين بالمائة من طلب ما، فنتفاجأ في اليوم التالي أنه حقق لنا مائة وأربعين بالمائة، فكيف تريد منا أن نساعدكم ببلاش؟»
من السخف الشديد أن تطلب من الكفيل الغربي أن يعاقب الوكيل في العالم الثالث. كيف تطلب من الغرب أن يساعدك على القضاء على وكلائه وأدواته؟ وهل وصل هؤلاء الطغاة الذين ينهبون العالم النامي ويسومون شعوبه سوء العذاب إلى السلطة بأنفسهم، أم إنهم وصلوا بدعم غربي وأمريكي لا يخفى على أحد؟ وهل يمكن لأمريكا أن ترضى عن نظام لا يحقق لهما ما تريدان؟ ألم نر ماذا فعلت أمريكا بأي زعيم لا ينصاع لإملاءاتها؟ ألم تروا ماذا فعلوا بمن حاد عن الخط المرسوم له؟ ألم يكن إعدام البعض درساً لكل الوكلاء بأن لا يفكروا أبداً في التمرد على سيدهم الأمريكي؟ وكما ترون فإن العقاب الغربي لزبائنه العرب ليس واحداً، فإذا كان التمرد قوياً، فلا يكتفي الأمريكي إلا بإعدام المتمرد، وإذا كان التمرد بسيطاً، فيمكن أن لا يعدموا المتمرد، لكنهم يؤدبونه بطريقة بشعة، مع الاحتفاظ به في السلطة طبعاً، لأنه يبقى أداتهم في نهاية النهار، حتى لو لعب بذيله قليلاً.
باختصار شديد دعونا نكون واقعيين، فتغيير الأوضاع في بلادنا والانتقال من عهد إلى عهد ليس بيد الشعوب، حتى لو ثارت وقدمت ملايين الشهداء، وتشردت بالملايين، وخسرت أوطانها، كما هو الحال في البلدان التي ثارت على طغاتها. هل قدم شعب تضحيات كما قدم بعض العرب؟ لا أعتقد، مع ذلك لم يحققوا أهدافهم، لأن الأمريكي لم يسمح لهم بتغيير النظام الذي سلطه الغرب عليهم. وكذلك الأمر في بقية البلدان. بعض الكوارث العربية كانت درساً لكل الشعوب التي تفكر بتغيير أنظمتها رغماً عن الغرب.
كم تشعر برغبة شديدة للضحك عندما ترى بعض المعارضين يتقاطرون على إسرائيل كي يغيضوا النظام في بلدهم. لقد قلناها مرات ومرات ونكررها: على المعارضين الذين يتقربون من إسرائيل نكاية بنظامهم أن يعلموا أن النظام يبقى أقرب إلى قلب إسرائيل ومصالحها منكم بمئات المرات. كم أنتم مغفلون. تقدمون خدمة جليلة للنظام ليتهمكم بالعمالة لتل أبيب، وتجعلونه يبدو وطنياً، بينما هو في الواقع ذخر استراتيجي لإسرائيل. أما أنتم مجرد ألاعيب صغيرة في أيدي الإسرائيليين لا يمكن أن تفضلكم إسرائيل على وكلائها مهما تقربتم منها.
هل يخشى الغرب من التيار الوحشي المتطرف الذي تمثله داعش وأخواتها المارقة فعلاً؟ لو كان يخشاها، ويريد القضاء عليها لسمح لشعوب المنطقة أن تخرج من تحت ربقة الاستبداد والديكتاتورية والطغيان الذي يغذي داعش ومثيلاتها ليل نهار، ولما دعم الطغاة الذين يتسببون في ظهور هذه التنظيمات الإرهابية الوحشية. لكن يبدو أن الغرب يستثمر في الديكتاتورية والتطرف لاستنزاف هذه المنطقة وإبقائها تحت التخلف والخراب؟
إعلامي في قناة الجزيرة