لغياب دور التوزيع د. البودي: صناعة نشر الكتب في خطر

مزاج الأحد ٢٥/فبراير/٢٠١٨ ٠٣:٢٣ ص
لغياب دور التوزيع


د. البودي: صناعة نشر الكتب في خطر

مسقط - خالد عرابي

أرجعت رئيسة مجلس إدارة «دار العين» للنشر، الناشرة د.فاطمة البودي، أزمة النشر العربي والتحديات التي يواجهها الكتاب العربي إلى عدم وجود الناشر المتخصص وغياب وجود شركات توزيع متخصصة واختلاط الأدوار أو بمعنى أدق قيام الناشر بكل الأدوار، حيث قالت: الحقيقة حتى الآن كصناعة نشر لا يوجد في العالم نموذج مثل الناشرين ومعارض الكتب عندنا، ففي أمريكا والغرب هناك فصل تام بين الناشر وبين شركات التوزيع وكل له مهمته؛ فالناشر في الغرب مهمته الرئيسيّة النشر بمعنى أنه يبحث عن كتاب ذي محتوى متميّز وينشر كتابا قويا، ذَا قيمة، خاليا من الأخطاء، ومن ثم يأتي دور الموزع حيث هناك شركات متخصصة دورها توزيع الكتاب سواء في كل أنحاء أوروبا أو أمريكا أو حتى في العالم. بينما في عالمنا العربي فالناشر يقوم بكل شيء هو الناشر والموزع وهو من يقوم بالدعاية ويقوم بالتسويق ويسافر لمعارض الكتب المتلاحقة لمتابعة التوزيع، وبالتالي فمتى سيجد الوقت ليكون ناشرا متميزا.

وأضافت د.البودي في مقابلة خاصة مع «الشبيبة» على هامش مشاركة دارها للنشر في معرض مسقط الدولي للكتاب قائلة: النقطة الحرجة في صناعة النشر هي التوزيع، فلا بد أن تكون هناك شركة أو شركات متخصصة في التوزيع فقط للعديد من دور النشر وألا يكون مالكها الناشر؛ لأنه في النهاية سينحاز لما ينشره.
وعن دور اتحاد الناشرين العرب تجاه مثل هذه الإشكالية قالت د.فاطمة: الاتحادات مشغولة بقضايا أخرى منها التدخل لتخفيض أسعار معارض الكتب للناشرين وحقوق النشر والتصدي لتزوير الكتب وعدم نسخ الكتب، وغيرها وإنْ كنت أرى أن مشكلة التوزيع واحدة من أهم القضايا التي ينبغي تبنّيها؛ لأنه بدون مبالغة صناعة النشر في الوطن العربي مهددة بالخطر الشديد، خاصة أنه في ظل التراجع الاقتصادي أصبحت كُتب عديمة القيمة لكُتّاب شباب تستطيع أن تقول عنهم إنهم أطفال هي الأكثر مبيعا وانتشارا، شبهها تماما كما طغت وسائل التواصل الاجتماعي طغت تلك الكتب، وأصبح من لديه عدد كبير من المتابعين في وسائل التواصل الاجتماعي يستطيع أن يذهب للناشر ويعرض أي فكرة ويجد كل ترحيب لأنه سيضمن بيع الكتاب حيث سيشتريه هؤلاء المتابعون، وبكل أسف توجّهت بعض دور النشر لذلك مما جاء على حساب الكتاب. ولكنني شخصيا لم أفعلها ولن أفعلها ولن أتنازل عن نشر الكتب المحترمة ذات القيمة الثقافية والعلمية والأدبية التي تبني وتُضيف للقارئ، لا الكتب التافهة الخالية من القيمة والمضمون.
وعن التغيير الذي لاحظته في معرض مسقط الدولي للكتاب على مدى العام الفائت والجاري قالت د.فاطمة: ألاحظ تغييرات واهتماما متتابعا فهناك حسن اهتمام وتنظيم وترتيب مُتناه كما أجد اهتماما مصاحبا بالبرامج الثقافية والأنشطة والفعاليات ليس على مستوى الدولة فحسب بل حتى من مؤسسات القطاع الخاص؛ فمثلا لاحظت هذا العام وجود منصات وفضاءات ثقافية للندوات والمحاضرات، وأضرب مثالا بجناح بيت الزبير الذي كان له مكان أقل العام الفائت وحينما وجد الإقبال الكبير على برنامجه العام الفائت لدرجة أن البعض كان يتابع وقوفا، وجدنا هذا العام أنه زاد مساحته بشكل كبير ولديه برنامج شامل وممتد طوال فترة المعرض. وكذلك جناح جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب وكذلك جناح الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء، وغيرها.
وتمنّت د.فاطمة أن يتم تعاون من القائمين على المعرض مع الدار للاستفادة مثلا من كتّاب الدار حيث إن لدى الدار عددا كبيرا من الأدباء والكتّاب العرب من كل الدول العربية وكثير منهم حاصلون على جوائز عربية ودولية كل في مجاله فمثلا لدى الدار ثمانية كتّاب حاصلون على القائمة القصيرة لجائزة البوكر للرواية خلال الأعوام القليلة الفائتة.
أما عن تعاونها أو دار العين للنشر مع كتّاب عُمانيين فقالت: أسعد وأعتز كثيرا بأنني ومنذ فترات بعيدة على تعاون كبير، ولدى دار العين كتّاب عُمانيون، فمثلا في هذا العام نحن نتعاون وننشر لثلاثة كتّاب من أهم الكتّاب العُمانيين وهم الشاعر الكبير سيف الرحبي، الذي ننشر له كتابه الثالث صالة استقبال الضواري، والكاتب محمود الرحبي الذي ننشر له رواية أوراق الغريب وكتاب للكاتب خالد البسامي.
وعن تتابع وتلاحق معارض الكتب قالت: مشكلة حقيقية، ومرهق لنا كناشرين؛ فمثلا منذ يناير فقط خرجنا من معرض القاهر الدولي للكتاب إلى معرض الدار البيضاء بالمغرب ثم الآن في معرض مسقط الدولي للكتاب ومنه إلى معرض الرياض الدولي للكتاب وبعدها البحرين وهكذا، فتخيّل كناشر حينما يكون نصف العام سفر بالنسبة لك، فمتى يكون لديك وقت للتفكير في النشر والحصول على كتاب ومتابعة غيرها من أمور النشر، وهذا يعود بِنَا إلى أزمة التوزيع وعدم وجود شركات توزيع متخصصة في عالمنا العربي.

الكتب الأكثر مبيعا

أما عن الكتب الأكثر مبيعا الآن وهل بالفعل ما زالت كتب الطبخ والكتب الدينية متصدرة المبيعات؟ قالت د.فاطمة البودي: أعتقد أن خريطة القراءة قد تغيّرت كثيرا؛ ففي الأدب ما زالت الرواية متربعة على عرش المشهد الثقافي ولها جاذبية في البيع، ولكن أيضا هناك كتب في التاريخ وكتب في التصوف أو النزعات الصوفية بدأت تُباع. وأرجعت د.فاطمة ذلك إلى أنه ربما يعود إلى وجود عالم مضطرب يجعل الناس يبحثون في أماكن أخرى علّهم يجدون تأويلا لما يحدث، من قبيل البحث عن واقع آخر أو بحثا في التاريخ عن فترات في الماضي شبيهة بما يحدث الآن. كما أن هناك عودة بقوة للأدب العالمي المترجم وهنا حدّث ولا حرج حيث إنك تجد أن الكتاب الواحد منشور لدى عدد من الناشرين، ولكن بطبعات مختلفة «وأنت وحظك» أي منها جيّد في الترجمة وأي منها ضعيف. بينما كتب الطبخ والأبراج تراجعت وذلك بسبب وجود العديد من قنوات الطبخ التلفزيونية كما أنه بعد الثورات ربما أصبح هناك اتجاه أكثر للواقعية. ولكن الكتب الدينية ما زالت تحافظ على مبيعاتها ومتصدرة المبيعات بحكم طبيعة التدين في بعض البلدان العربية، علاوة على أنه منها المدعوم في كثير من الأحيان كما أن منها الخطير في فكره ومنهجه أيضا.
وعودة إلى كتب الأدب أكّدت أن كتب النقد تراجعت تماما وكذلك الشعر والقصة القصيرة ولكن الشعر ينبغي أن نحرص عليه لأنه تجارب وجدانية ومشاعر وهو النسمة الرقيقة، أما القصة القصيرة فحينما أصبحت هناك مسابقات أكثر لها بدأ البعض يهتم بها، كما أن المسابقات والجوائز الأدبية عامة نشّطت حركة الأدب بكل فروعه لأن دور النشر تسابق لحصول كتاب لها على مثل هذه الجوائز التي تُضاف للكاتب ولكن تحسب أيضا معنويا لدار النشر.
وأشارت د.فاطمة البودي إلى أنه رغم أن مشاركة دار العين للشر في المعرض حديثة أي منذ عامين فقط إلا أن الدار ذات صلة كبيرة بالقارئ والكاتب والمؤلف والمثقف العُماني، حيث إن الدار منذ سنوات وهي تنشر لكتّاب عُمانيين، أما القرّاء العُمانيون فهي ذات علاقة وطيدة بهم منذ سنوات حيث كان القرّاء العُمانيون يترددون على دار العين للنشر في معارض الشارقة وأبوظبي والكويت للكتاب بحكم أنها الأقرب من عُمان، حيث يأتون لمتابعة هذه المعارض وشراء الكتب التي يرغبون فيها، كما أن هناك عُمانيين كُثر لديهم صلة بالدار ويعرفون إصداراتها ويترددون عليها أيضا في معرض القاهرة الدولي للكتاب.
وعن انطباعاتها عن السلطنة من خلال الحضور والمشاركة خلال العام الفائت والجاري قالت: وجدت شعبا مثقفا وبلدا رائعا وبها نهضة وتطوّر وحضارة راقية ومصمّمة بعلم ومعرفة وروية، وأرجعت ذلك إلى وجود قائد حكيم لديه رؤية وثقافة خاصة.
وقالت: ماذا تنتظر من شعب قائدهم وحاكمهم جلالة السلطان قابوس المعظم -حفظه الله- صاحب الفكر والمنهج والرؤية المستنيرة السابقة للجميع، فكما يُعرف عنه هو رجل مثقف متعلم تعليم عالٍ جدا دارس ومطّلع على الثقافة والفنون والفروسية والعلوم العسكرية كما أنه محب للموسيقى والتصوير والفلك والفضاء وغيرها، كما أن أول أوركسترا سيمفونية في الخليج في عُمان وأرقى وأفضل دار أوبرا في الخليج والمنطقة العربية وربما العالم موجودة في عُمان، كما أنه يكفيك أن تعلم أن عُمان الدولة الخليجية الوحيدة التي لديها محطة إذاعية متخصصة في الموسيقى الكلاسيكية، وغيره الكثير جاء بفضل جلالة السلطان حيث دائما ما كنا نسمع ونقرأ بأن كل ذلك باهتمام شخصي وتوجيهات من جلالته شخصيا، ولذا فأنا أعتقد أن الشعب العُماني تأثر كثيرا بقائده وحاكمه وسار على نهجه، وبالتالي وجدنا شعبا راقيا وعريقا أيضا.