رسوم البلديات لم تفرض اعتباطا

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٥/فبراير/٢٠١٨ ٠١:١١ ص
رسوم البلديات لم تفرض اعتباطا

علي بن راشد المطاعني

رسوم أجهزة البلديات التي صدرت في الأسابيع الفائتة شهدت اعتراضات وتوضيحات وبيانات صحفية واجتماعات رجال الأعمال ومجلس الشورى إلى غير ذلك، في إطار ضجة لا نراها طبيعية باعتبار أن هذه الرسوم أملتها أسباب إدارية وفنية واقتصادية بحتة، فتطوير العمل يحتاج بالضرورة إلى إمكانيات مادية، إذ لا يعقل أن نبدي الرغبة في تطوير وتجويد وتحسين العمل البلدي وغيره لفائدة الجميع وفي ذات الوقت تبقى هذه الخدمات شبه مجانية.

فقيمة هذه الرسوم سيتم تدويرها وستعود حتما للمواطن على شكل خدمات هو في حاجة ماسة إليها، وهذا هو الهدف الأساس من فرضها، فلو كان ثمة مورد مالي غير فرض الرسوم لتم اللجوء إليه بالتأكيد، فهذه الرسوم لم تفرض سابقا رغم حتميتها للتطوير، بل قيمتها الفعلية، وبعض تأثيراتها البلدية والبيئية كبيرة على المجتمع، ولكن الواقع الاقتصادي الحالي واضحة معالمه للجميع وهذا ما ينبغي وضعه في الاعتبار أبدا.

وبالتالي فإن علينا أن نعي أن المتغيرات الاقتصادية تقتضي أن تحدث هيكلة في الإيرادات والرسوم المقدمة لبعض الخدمات في الدولة ومراجعتها بشكل دوري وفق العديد من المتغيرات منها الأوضاع الاقتصادية الراهنة.
وفي ظل الواقع المعاش علينا التيقن من أن الرسوم والضرائب لا محالة قادمة في المستقبل، منها ضريبة القيمة المضافة وغيرها هذا إذا ما بقي الوضع الاقتصادي الذي يحيط بالمنطقة كما هو عليه، ومع هذا فنحن نعلم أن الله قادر على كل شيء، ولذا يجب أن نتهيأ لمثل هذه المتغيرات بالمزيد من الإيجابية التي تجعلنا نتكيف مع هذا الواقع بتغيير سلوكياتنا أكثر وأجدى من المطالبات التي ولى زمانها كما يبدو.
وبطبيعة الحال فإن الراغب في ممارسة أعمال تجارية أو غيرها ما من شك في أنه قام بدراسة جدوى وقف من خلالها على كل ماله وما عليه قبل الدخول في هذا المعترك تجنبا لأي خسائر محتملة قد تخرجه من السوق بشكل نهائي، وهذا مالا نرغب أن نراه أصلا، فهذه الرسوم ليست إجبارية، فهي للذين يرغبون في ممارسة الأنشطة التجارية، أما غير الراغبين فعليهم الانسحاب بهدوء من السوق، هذا ما يجب أن نعيه، وغير ذلك من إثارة للضوضاء ستكون تحت طائلة القانون.
الجانب الآخر الذي نتمنى أن يغدو واضحا هو أننا إذا ما نظرنا لرسوم البلديات في دول العالم سنجدها مرتفعة مقارنة مع الرسوم المحلية والتي لم ترتفع منذ فرضها في الثمانينيات مما جعلها لا تتناسب والواقع الاقتصادي الراهن وتجويدها الذي يطالب به الكثيرون كحق بدون الالتزام بدفع أي التزام مادي للأسف.
لنا أن نصدق أن الرسوم التي تفرض على المجالات التجارية هي أصلا وبنسبة 90% في مقابل التجارة المستترة والتي لا يستفيد منها المواطن، فنصيبه القشور فقط كما نعلم، فلِمَ هذه الضجة المفتعلة لمبررات ليس كافية بدرجة تقارن مع تكلفة الخدمات نفسها.
ربما فرض الرسوم في هذا التوقيت غير ملائم لذات الأسباب المشار إليها، هنا يمكننا القول إن أجهزة البلديات قد تأخرت ولم تتخير الوقت الملائم، لهذا حدث ما حدث.
البعض يرى أن هذه الرسوم قد تسبب انكماشا في السوق ليضاف إلى ما يشهده من انخفاض في القوة الشرائية وتدفق السيولة، لكن هذه الجوانب ليست بتلك الدرجة التي تؤثر على ممارسة الأعمال وشل حركة السوق، خاصة إذا علمنا أن الأنشطة التجارية على اختلافها زائدة عن الحاجة في بعض الجوانب فتقليصها تصحيح للسوق لا أكثر ليكون أكثر جدوى وأكثر جودة.
لكن رفع هذه الرسوم في المقابل كذلك يفرض على أجهزة البلديات تطوير خدماتها وتجويدها بشكل جذري وتسريع خدماتها وهذا ما نأمل أن يتم بأسرع وقت ممكن ليقضي على حالة الضبابية السائدة حول ماهية زيادة الرسوم وتداعياتها.
بالطبع هناك فئات يمكن أن تستثنى من هذه الرسوم كرواد الأعمال الذين يمارسون أعمالهم بأنفسهم كأحد وسائل الدعم التي يجب أن تسدى لهم في سبيل تضحياتهم باختيارهم طريق العمل الحر.
نأمل أن نكون أكثر إيجابية ووعيا وموقنين أن المتغيرات التي تحيط بنا والظروف التي نعيشها، هي في الواقع ضريبة يجب أن نتحملها إذ لا مهرب منها إلا إليها فهذا قدرنا ولا نملك غير التسليم به، ليكون ذلك في خضم التضحيات التي نقدمها لوطننا الذي مهما دفعنا لن نوفيه حقه ولن نسدد ما يسديه لنا ولا نمتعض من شيء يراد به صالح الوطن الذي نستظل تحت سمائه الصافية ونستنشق هواءه العليل وترقد عيوننا مطمئنة ونأمن في حالك الظروف وننعم برفاه الخدمات رغم كل الظروف، فلا بد أن نستحضر كل هذه المكتسبات عندما نناقش مثل هذه الأمور وغيرها، ويتعقل العقلاء من أعضاء الشورى ورجال الإعمال ولا يركبوا الموجة كغيرهم، فهم من يجب عليه إيضاح ماهية الرسوم وأهميتها وضرورة تجاوزها ولا يكونوا مؤججين ومبالغين في انعكاساتها وتضخيمها.