تقرير إخباري "الولد الشرير" يفرض شروطه على الدبلوماسية الغربية

الحدث الأربعاء ٢١/فبراير/٢٠١٨ ١٠:٢٤ ص

ميونيخ - رويترز
لا مفر من التعامل مع "الولد الشرير"، هكذا يصف الغربيون روسيا ولذلك وجد المسؤولون الأوروبيون والأمريكيون المنقسمون حول سياسية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخارجية سببا مشتركا في مطلع الأسبوع للتنديد بما وصفوه بالحملة السرية الروسية لتقويض الديمقراطيات الغربية.
إلا أنه رغم الغضب الذي ظهر على جانبي المحيط الأطلسي من روسيا خلال مؤتمر ميونيخ للأمن فقد اعترف مسؤولون ودبلوماسيون غربيون بحقيقة غير مريحة مفادها أن روسيا شديدة الأهمية في حل الكثير من أسوأ الصراعات العالمية.
ويقول المسؤولون إنه لا بد من إشراك روسيا في نهاية الأمر في المساعي الدبلوماسية من شرق أوكرانيا إلى كوريا الشمالية بفضل وضعها كقوة نووية وتدخلها العسكري في سوريا وحق النقض "الفيتو" الذي تمتلكه في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
قال وزير الدفاع النرويجي، فرانك باكه ينسن، لرويترز "لا نستطيع التوصل إلى حل سياسي من دون روسيا. نحتاج للتوصل إلى نقطة يمكننا عندها العمل على إيجاد حل سياسي ولا بد أن تكون طرفا أساسيا في ذلك".
كانت روسيا، في العلن على الأقل، هي "الولد الشرير" في ميونيخ إذ تلقت الانتقادات من كل اتجاه لتدخّلها في انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2016 وذلك بعد توجيه الاتهام إلى 13 روسيا الأسبوع الفائت وكذلك لضمها شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في 2014.
وبالنسبة للغرب فإن وحدة الهدف تلك تمثّل تحوُّلا عمّا كان عليه الوضع وذلك بعد عام ساد فيه حديث ترامب عن "أمريكا أولا" وشهد تصريحاته المتضاربة عن حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وقراره الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ وعدم تصديقه على التزام طهران بالاتفاق النووي الموقع في 2015.
وفي المؤتمر السنوي في ميونيخ، وهو حدث نادر يجتمع فيه مسؤولون أمنيون أوروبيون وأمريكيون ويجتذب أيضا كبار الدبلوماسيين الروس كان من الواضح استياء المسؤولين الأمريكيين من نفي موسكو العلني لاتهامات تدخّلها في الانتخابات.
وقال مدير المخابرات الوطنية الأمريكية، دان كوتس، عن المشاركة الروسية في المؤتمر "أنا مندهش أن... الروس يأتون، ويوفدون شخصا ما كل عام لا لشيء إلا لنقض الحقائق".
غير أن الدبلوماسيين قالوا إن النبرة كانت مختلفة خلف الكواليس حيث التقى مسؤولون كبار بينهم الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرج، بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بفندق بايريشر هوف حيث القاعات ذات الجدران المكسوة بألواح من اللونين الأبيض والذهبي.
وقال السناتور الروسي اليكسي بوشكوف مستشهدا باتصالات لحل الحرب الأهلية السورية تشارك فيها موسكو وأنقرة وواشنطن وتل أبيب "هناك شبكة دبلوماسية تعمل... وهذا شيء يمكن أن يمنع مواجهات أكبر إذا ما استخدم بكفاءة".
واجتمع وزير الخارجية الألماني، زيجمار جابرييل، عدة مرات مع لافروف ولوّح بإمكانية تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو لدورها في شرق أوكرانيا ووصف روسيا بأنها شريك "لا غنى عنه" في الجهود العالمية لمنع انتشار الأسلحة النووية.
وقال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، جون كيري، الذي تفاوض على اتفاق 2015 النووي مع إيران، إن الغرب بحاجة إلى تقسيم المشاكل مع موسكو إلى أجزاء حتى يمكن للدبلوماسية أن تحقق نتائج أكبر.
من أوجه التحدي الذي يواجهه الغرب أن الأزمات الدولية أصبحت متشابكة؛
فروسيا متحالفة في سوريا مع إيران، عدو إسرائيل، في حين أن دعم موسكو للانفصاليين في أوكرانيا يُثير استياء حلف شمال الأطلسي.
غير أن تركيا عضو الحلف تسعى لاستكمال صفقة سلاح تشتري بمقتضاها نظم دفاع جوي من روسيا. كما أنها هاجمت قوات كردية تدعمها الولايات المتحدة في شمال سوريا بمباركة روسية.
وفي آسيا تعتمد المساعي الأمريكية لوقف تطوير أسلحة نووية في كوريا الشمالية في جانب منها على استعداد موسكو للمساعدة في فرض حظر نفطي تطالب به أمريكا وأوروبا على بيونج يانج وهو ما رفضته روسيا حتى الآن.
وقال وزير الدفاع النرويجي: "منذ بضع سنوات كان بإمكانك الحديث عن أزمات منفردة لكنك إذا ما ناقشت اليوم إحداها فستتطرّق إلى الأزمات الأخرى كلها".
وقال دبلوماسيون لرويترز إنه في الوقت الذي هاجم فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إيران في ميونيخ يوم الأحد واجهت مساعي بريطانية وأمريكية وفرنسية في نيويورك لإدانة طهران في الأمم المتحدة مقاومة روسية على الفور.
وفي ميونيخ سلّم المبعوث الأمريكي الخاص في شرق أوكرانيا، كيرت فولكر، بأن كل شيء يتوقف على موسكو في الوقت الذي رأى فيه مسؤولون أمريكيون وأوروبيون زخما لإرسال قوات لحفظ السلام إلى شرق أوكرانيا لحل الصراع الدائر هناك منذ أربع سنوات.
وقال فولكر لمجموعة من المسؤولين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "الأمر في يدي روسيا". وكان من بين الحاضرين وزير الدفاع السويدي الذي عرض مشاركة بلاده في أي قوات لهذا الغرض.
وقبل تسع سنوات في ميونخ وعد جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي حينذاك "بإعادة ضبط" العلاقات مع روسيا غير أنه لم يدرك أحد تقريبا في الغرب عمق استياء روسيا من تفكك الاتحاد السوفييتي وتوسع حلف شمال الأطلسي شرقا.
والآن يقول دبلوماسيون إنه في ظل العقوبات الاقتصادية الغربية السارية على روسيا بسبب ضم القرم العام 2014 ودعمها للمتمرّدين في شرق أوكرانيا هوت العلاقات بين الشرق والغرب إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة ولا توجد فرصة تُذكر لتحسنها.