من المسؤول عن تزويج هذه الفئات!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٥/فبراير/٢٠١٨ ٠٣:٣٩ ص
من المسؤول عن تزويج هذه الفئات!

علي بن راشد المطاعني

وردت إلينا رسالة من مواطن كريم يمكننا وصفها بالمهمة للغاية لجهة أنها تناولت قضية اجتماعية في غاية الحساسية، وهي من القضايا المسكوت عنها اجتماعيا، رغم أن آثارها قد تغدو مدمرة تماما لأطفال قد يجدون أنفسهم في متاهات الضياع، عندها فإن المجتمع سيجد نفسه في مواجهة مع ذاته إزاء أطفال لن يجدوا من يقدم لهم الرعاية والتربية والاهتمام، عندها فإن الثمن الذي سيدفعه المجتمع سيكون باهظا، إليكم أدناه نصها.

«أنا باحث اجتماعي وأعمل في إحدى محاكم السلطنة، أرسل لكم هذا الموضوع المتعلق بتزويج المتخلفين عقلياً وأصحاب الأمراض النفسية والعقلية.

هذا الموضوع حساس للغاية وله تبعات سلبيـــة عديدة، وتتفرع إلى صحية واجتماعية ونفسية واقتصادية للأسر الذين يرزقون بأطفال سواء كانوا سليمي العقل والجسم أو مرضى.
هناك جهات مختصة تتحمل تبعات هذه الأخطاء التي ستنشأ بعد تزويج المرضى وتعود المسؤولية الأولى لمشكلة تزويج المتخلفين عقليا وأصحاب الأمراض النفسية المزمنة للأسرة في المقام الأول، ويليها عاقد الزواج (المليك) والكاتب بالعدل والمحكمة (القاضي).
حيث وجدنا أنه لا يوجد قانون واضح وصريح للحد من هذه المشكلة نهائيا في الوقت الحاضر، وما وجدناه هو فقط أن القاضي له السلطة في تزويج هذه الفئة دون اتخاذ الإجراءات الأولية التي تتمحور حول صلاحيتهم للزواج وتحمل تبعاته المعروفة، وهنا تكمن المشكلة.
ففي حالة رغبة الأسرة في تزويج المتخلف عقليا أو أصحاب الأمراض العقلية يجب مراعاة شروط أساسية وملزمة ورادعة في نفس الوقت، وهي تثقيف أفراد المجتمع بخطورة الأمر، وبعدها إبلاغ عاقد القران (المليك) أن لا يعقد الزواج لشخص معوق إلا بعد صدور شهادة معتمدة تثبت الحالة الصحية والعقلية للمريض من وزارة الصحة بعد إجراء الفحوصات الطبية الشاملة للمريض وبإشـراف وزارة التنمية الاجتماعية وإعداد تقرير نهائي عن الحالة وبعدها يحال التقرير للمحكمة ليتخذ القاضي قراره بناء عليه».

تعقيب

ما من شك أن المشاكل الاجتماعية كثيرة ولا يستهان بها. وهذه إحدى تلك المشاكل المسكوت عنها، وقد آن الأوان لإماطة اللثام عنها وعن ما يليها من معضلات اجتماعية قد تؤثر سلبا على التماسك والترابط الاجتماعي والأسري، وهي تتوزع ما بين المجال القضائي والجزئية الخاصة بوزارة التنمية الاجتماعية التي لم تقصر في هذا الجانب وهي مابرحت تبحث عن الحلول المناسبة للحد من هذه الظواهر، المشكلة التي يواجهها الجميع في هذا الصدد أنه لا توجد آلية محددة ومختصة في هذا المجال، فعلى سبيل المثال لا الحصر أن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان تهتم بجانب واحد وهو ما يتعلق بتزويج القاصرين سناً أي أقل من الثامنة عشرة من الجنسين، وهذا لا يكفي نهائيا، فزواج المتخلفين عقليا وأصحاب الأمراض النفسية نجدهم أشد خطراً على أنفسهم وعلى أولادهم والمجتمع وبغير إدراك منهم بطبيعة الحال.
فالزواج حاجة إنسانية فطرية، والأصل فيها أن يحقق الزواج المقاصد الشرعية المرجوة منه، وهو في الأصل مسؤولية متبادلة بين الرجل والمرأة، وكلاهما يكمل الآخر، وكلاهما له أدوار محددة ومعروفة في إطار معنى أن تكون هناك أسرة، وفي حالة إصابة أحد الطرفين بالتخلف العقلي فإن ذلك سوف يخل بمنظومة المسؤوليات الدقيقة بينهما، وبناء عليه فإن الزواج والإنجاب بالنسبة لكليمها يغدو موضوعا محفوفا بالكثير من المخاطر.
إن مفهوم التخلف العقلي من الناحية الاجتماعية والنفسية يتلخص في أن التخلف العقلي هو الانخفاض الواضح والشديد فـــي القدرات العقلية مما ينتج عنـــه سوء توافق وسوء تكيف مع النفس ومع الآخرين.
فإذا رزق الأبوان المريضان بأطفال، فهم يحتاجون إلى رعاية وتنشئة وبذل جهد كبير في تربيتهم، وبالتالي لن يستطيع الأبوان تقديم الرعاية الشاملة أو المناسبة لأطفالهما بسبب الإعاقة العقلية، مما ينعكس سلباً عليهما وعلى الأطفال في تدني المستوى الدراسي والإهمال في الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية، وإذا تطرقنا لهذه الحالة يجب علينا النظر للأبعاد المترتبة على ذلك، وما يكتنف حاضر ومستقبل الأبناء من غموض، هذا إن لم يكن الأطفال أنفسهم قد ورثوا الشيء نفسه، وبالتالي فإن المعضلة تكون قد تفاقمت وبنحو كبير.
وأن لم يكونوا كذلك فلابد من وجود عامل مساند أو مساعد لهما في تربية الأبناء وتنشئتهم التنشئة الصحية، وهي عملية شاقة حتى بالنسبة للأصحاء فما بالنا بالذين يقومون بهذه المهمة بالوكالة، فالحاضن هنا يجب أن يتمتع بقدرات تربوية عالية المستوى فضلا عن القدرة المادية التي تكفل تلبية الحاجات المتزايدة للأطفال.
نحن هنا لا نريد أن نمنع فطرة الله في الإنسان، ولكن ما نرغب فيه هو إيجاد الحلول للحد مما نراه في مجتمعنا من إهمال لأطفال هذه الحالات وعدم رعايتهم لأنهم حقاً لا يجدون من يمد إليهم يد العون والمساندة سواء من الناحية الدينية أو الصحية أو التعليمية، وبالتالي فإن المخرجات المضافة للمجتمع ستكون وخيمة العواقب دون شك، والذنب سيعود على المجتمع بأسره، إذا لم يقم بواجبه الإنساني والأخلاقي تجاه هؤلاء الأبرياء.