التفاخر بالملبس .. سلعة العصر

7 أيام الخميس ٠٣/مارس/٢٠١٦ ٢٠:٣٧ م

«لا تجعل ثيابك أغلى شيء فيك حتى لا تجد نفسك يوما ما أرخص مما ترتدي»، عبارة قالها الشاعر جبران خليل جبران ولم يكن التفاخر والتباهي بالملبس والمظهر في تلك الأيام بالقدر الذي عليه الأمر الآن، فماذا لو كان قد عاش ليشهد ما يعانيه حاضرنا! وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
ليس البليّةُ في أيامنا عجباً
بل السلامة فيها أعجب العجب
لَيْسَ الجَمَال بأَثْوابٍ تُزَيِّنُنَا
إن الجمال جمال العلم والأدب
وأشار الشاعر والأديب مصطفى لطفي المنفلوطي قائلا: المرء بفضيلته لا بفصيلته، وبكماله لا بجماله، وبأدبه لا بثيابه. وتسعى العلامات العالمية لأن تحقق أعلى مبيعات لها حول العالم فأصبحت تبحث عن تطلعاتنا العربية وأزيائنا الشرقية لتقوم بوضع علامتها التجارية عليها وبيعها بأغلى الأسعار، فعلى سبيل المثال أعلنت علامة الأزياء التجارية الإيطالية «Dolce Gabbana» مؤخرا عن افتتاحها خط انتاج جديد اسمه «Granquartz» لانتاج «الحجاب والعباءة» وتعتبر هذه المجموعة تطورا مثيرا للمرأة المسلمة التي تهتم بالأزياء الفاخرة على حد قولها. واختار «Stefanي Gabbana» -مصمم ومؤسس العلامة التجارية- اسم «تشكيلة العباءة» على المنتجات الجديدة، حسبما ذكرت مجلة Elle. فيما لم يتم الإعلان عن أسعار الملابس ذات العلامة التجارية الجديدة، ولكن المرجح أنها ستتراوح ما بين 70 إلى 7000 دولار أمريكي للوشاح والثوب الطويل بحسب المجلة. لم تكن العلامة الإيطالية الشهيرة أول علامة عالمية تنتج الأزياء للمحجبات في عالم الموضة، فعلامة «HIV organ» و «DK NY» للحجاب الإسلامي أصدرتا تشكيلات للمحجبات في وقت سابق، إضافة إلى علامة «Taz•hshan» التي تنتج الملابس المستورة والتنانير الطويلة للمرأة المسلمة. هذا وأظهرت إحصاءات أن استهلاك الملابس والأحذية بين النساء المسلمات يتزايد بسرعة حيث من الممكن أن يصل المكسب لعام 2019 إلى ما يقارب نصف مليار دولار أمريكي.

من السُنة جاء النهي عن لباس الشهرة في عدة أحاديث فعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والنسائي. وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد لبس ثوب شهرة إلا أعرض الله عنه حتى ينزعه، وإن كان عنده حبيباً». قال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء: رواه ابن ماجة من حديث أبي ذر بإسناد جيد، دون قوله: «وإن كان عنده حبيباً». وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة، ثم يلهب فيه النار» أخرجه أبو داود، وابن ماجة، وحسنه السيوطي، والألباني. إلى غير ذلك من الأحاديث. ومعنى الشهرة كما قال ابن الأثير: ظهور الشيء، والمراد أن ثوبه يشتهر به بين الناس لمخالفة لونه لألوان ثيابهم فيرفع الناس إليه أبصارهم ويختال عليهم بالعجب والتكبر. وقوله «ثوب مذلة» أي: ثوب يوجب ذلته يوم القيامة. إذن فالأحاديث تدل على تحريم لباس ثوب الشهرة، وليس هذا مختصاً بنفس الثياب بل قد يحصل ذلك كما قال الشوكاني لمن يلبس ثوباً يخالف ملبوس الناس من الفقراء، ليراه الناس فيتعجبون من لباسه. وعلى هذا فالواجب على المسلم أن يبتعد عن اللباس الذي يميزه عن غيره من الناس لأن هذا التميز قد يؤدي به إلى العجب والتكبر والخيلاء، والواجب على المسلم أيضاً أن يبحث عن اللباس الموافق لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث كان الرسول متواضعاً في ملبسه بعيداً عن الخيلاء، وقد قال: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة» أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم.. وصححه السيوطي. مع ذلك لم يمنع ديننا الملبس الحسن والمظهر الحسن ولكنه حرم التباهي والتفاخر أمام الآخرين خاصة من لا يجدون قوت يومهم. لكن للأسف ما نجده الآن مخالف تماما للسنة خاصة من النساء اللاتي يقصدن المصممين العالميين لتفصيل ثوب يصل ثمنه لآلاف الدولارات لحضور مناسبة معينة لا يتعدى وقتها بضع ساعات على ألا يُلبس الثوب في مناسبة أخرى حيث إن الوضع الاجتماعي لهن لا يسمح بتكرار لبس الثوب لمرتين. تقليد يثقل ميزانية الأسرة هناك بعض الفنانات الشهيرات يتفنن في التباهي بالمجوهرات والثياب باهظة الثمن التي تُصنع خصيصا لهن للظهور بها على شاشات التلفاز وفي الحفلات، وكلها أمور أصبحت تنم عن سطحية التفكير والتصرف اللامنطقي في ظل عصر الفقر والمجاعات التي يعيشها العالم، وليس هذا فقط بل تسعى بعض النساء لتقليد الملبس والمظهر في ظل حالتها المادية المتوسطة مما يثقل كاهل الأسرة والمتضرر في ذلك هو الزوج الذي يسعى لتلبية رغباتها التي تسعى بها للتفاخر أمام الأخريات.

إحصائيات أشار أحد المواقع الإلكترونية لإحصائيات أجريت في العام 2012 عن استهلاك السوق الخليجي في بعض المجالات فكانت الأرقام مفزعة: الملابس حجم سوق الملابس الرجاليّة في السعوديّة يتجاوز أربعة بلايين ريال سنويا (1.06 بليون دولار أمريكي) منها بليون ريال (276 مليون دولار) حجم سوق الشماغ والغتر فقط. العطور ومستحضرات التجميل أظهرت دراسة اقتصاديّة أنّ إنفاق المستهلك الخليجيّ على العطور ومستحضرات التجميل يعتبر من أعلى معدّلات الاستهلاك في العالم حيث قدّر حجم واردات دول مجلس التعاون الخليجيّ منها بنحو 817 مليون دولار أمريكي في العام 1995م. وأشارت الدراسة التي أعدّها مصرف الإمارات الصناعيّ إلى أنّ دول الخليج استوردت ألف طنّ من العطور وموادّ التجميل، إلى جانب انتاجها المحليّ البالغ 65 ألف طنّ، قيمة واردات السعوديّة منها 250 مليون دولار، والإمارات 190 مليون دولار. ولاحظت الدراسة تزايد استهلاك العطور ومستحضرات التجميل بصورة مطردة مع ارتفاع مستويات المعيشة، واتّساع القاعدة الاجتماعيّة للفئات ذات الدخل المتوسّط في دول مجلس التعاون الخليجي. أدوات الزينة ذكرت مجلّة اليمامة (العدد 1897 – 11/03/2006) عن إحدى الدراسات التي أجريت أنّ حجم الإنفاق السنويّ لنساء العرب على أدوات الزينة والماكياج وعمليات التجميل يصل إلى أكثر من 8 مليارات ريال سعوديّ سنويّاً، يهدر أكثر من نصفها في أسواق الخليج وحدها، والباقي تستهلكه أسواق الدول العربيّة التي يعاني أكثرها من حالات الفقر والمجاعات الطاحنة! وتعتبر أسواق الخليج من أكبر الأسواق في العالم من حيث حجم الإنفاق الذي يُقدّر بأكثر من بليون دولار أمريكي سنويّاً، وتؤكّد التقارير أنّ سوق مستحضرات التجميل والعناية بالجمال في المنطقة حقّق زيادة كبيرة تصل إلى 300 % خلال الأعوام الفائتة! كما أجريت دراسة ميدانية عن مدى استهلاك أدوات التجميل في مدينة واحدة في إحدى الدول العربيّة، حيث أثبتت أنّ نحو مليون دولار ينفق يومياً على هذه المستحضرات!! الذهب والألماس تُعتبر السعوديّة ثالث أكبر سوق عالميّة للذهب، تقدر قيمتها بـ 3 بلايين دولار سنويا، وقدّر مسؤول في شركة (دي بيرز) أكبر شركة للألماس في العالم حجم سوقه في منطقة الخليج بأكثر من بليون دولار سنويّا، وقال: إنّ الطلب على الألماس في منطقة الخليج يُعتبر من الأعلى في العالم.