مزالق الكتابة.. في السياسة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٣/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٤٥ ص
مزالق الكتابة.. في السياسة

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com
msrahbyalrahby@gmail.com

في عالمنا العربي يصبح أسهل شيء أن تكتب في السياسة.. وأصعب شيء أن تكتب بحيادية، والمستحيل أن ترضي جميع الأطراف، حيث الانشقاق بادٍ لدرجة أنه من امتدح الآخر فقد «ذمّنا» مع أنه (أشاد) بطرف يقف على الضفة الأخرى، ولم يذكر كلمة سوء عن الجالس على هذه الضفة.

لم تعد وسائل الإعلام الرسمية، والمستأجرة، وحدها الأبواق لصالح هذا الطرف أو ذاك، بل أصبحت الأبواق حالة اجتماعية شديدة التأثير حيث الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي تصل إلى ما تعجز عنه قناة التلفزيون الرسمي، وبقية أدوات الحكومة، ما يعمّق حالة الانقسام الطائفي والسياسي، مع أنني أدّعي أن التجزئات الحاصلة في وطننا العربي أسبابها سياسية في المقام الأول.. وربما حتى آخر مقام، فالله سبحانه وتعالى لم يطلب من أي كائن بشري قتل إنسان، بل السياسيون هم الذين يطلبون ذلك، ولا يعدمون وسيلة لجرّ حشدهم العسكري (وما يلزمه) لقتل الآخرين، باعتبارهم كفارا، اختلفوا في المذهب أو الديانة أو العرق، وعلى مر التاريخ ارتكبت مجازر باسم الديانات، والطوائف، والأعراق.

أقول إن من السهل الكتابة في السياسة لأن هناك عشرات القضايا التي يمكن الكتابة عنها، وكلما كتبت عن الصومال كان أسهل، وإن كتبت عن الربيع العربي فهذا مجال واسع سكبت بحار من الحبر على مصائبه منذ أن شبّت حرائقه في جسد البوعزيزي، ولم تزل تأكل بلدانا وراءها، لأن الأرضيات جاهزة، حيث الهشيم الذي ألقاه الطواغيب لشعوبهم كي يناموا عليه بينما يؤسسون لأنفسهم مجمعات قصور ولزبانيتهم مجتمعات بذخ.

إنما الصعب أن تكتب عن الحرب السورية، فإما أن تكون ضمن النظام (الممانع والرافضة للمؤامرة الأمريكية الغربية، ومن بعض الدول العربية) أو مع المعارضة/‏ الإرهابيين الذين يريدون بحاضرة بني أمية أن تكون ألعوبة في يد الغزاة الجدد، ويذهب دورها العظيم، وفي كل الأحوال أنت متهم بأنك ضد، ولست مع سوريا، النبض العربي الأصيل ليخرج من كوابيس الثورة التي أرادت التغيير فوجدت القتلة ارتدوا ملابس شتى حتى أن هناك مائة فصيل وافقوا على الهدنة، فكم عدد الذين لم يوافقوا أو لم يسجلوا في قوائم فصائل المعارضة أو القتلة؟!

جرّب أن تكتب عن الحرب في اليمن دون أن تتهم، فإن أيدت السلام ووقف الحرب فأنت ضد قوات التحالف التي تؤيد الشرعية، كما عليك أن تؤيد «إزالة» الشرعية في سوريا، وإلا لأصبحت «حوثيا» تؤيد إيران.. أما إذا أيدت قوات التحالف فإنك ستجد اتهامات لا حصر لها..

بمعنى ما.. أنت عندما تكتب في السياسة تصبح «متحزبا» لفئة ضد أخرى، وعليك أن تصمت على ما يجري من قتل مجاني وتدمير شامل لحياة إنسان عربي يسكن في دمشق وبغداد وصنعاء وغيرها من العواصم، وغيرها من المدن.. كي لا يقال عنك إنك قلم مأجور، ولا تفهم، ولا تدرك..

يسحبوننا إلى الهاوية.. ولا يريدون إلا التصفيق، فكيف يمكننا أن نصفق لهم جميعا في نفس اللحظة؟!