اليمن .. تمدد (القاعدة) وفشل الحسم !!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٣/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٤٥ ص
اليمن .. تمدد (القاعدة) وفشل الحسم !!

علي ناجي الرعوي

بعد ما يقارب من العام على (عاصفة الحزم) العسكرية في اليمن بات في مقدورنا ان نقول ان هذه الحرب التي تشنها قوات التحالف العربي منذ فجر يوم الخميس 26 مارس 2015م بسبب ما قيل عنه حينذاك حدوث اختلال شديد في توازن القوى الاقليمي وبالذات على محور (طهران _ الرياض) لم تفض وحتى هذه اللحظة الى فرض معادلة توازن جديدة او بديلة عن تلك المعادلة التي دفعت التحالف العربي لخوض هذه الحرب وتحمل تبعاتها والخسائر الناجمة عنها وهو ما اضطرت معه مجلة (فورين بوليسي) الامريكية الى التساؤل : عن اية معادلة توازن يراد لهذا الحرب ان تفرزها طالما وان واشنطن ومعها لندن وباريس عالقة بين حليفين اقليمين ؟ والمقصود بالطبع ايران الشيعية والسعودية السنية وطالما ان القوى الدولية الاخرى المتنافسة على الشرق الاوسط لا تريد هي الاخرى للمعادلة القائمة ان تتغير من خلال هذه الحرب ولا ترغب ايضا في سقوط اليمن في ايدي اي من القوتين الاقليميتين لاعتبارات كثيرة اهمها ان ذلك سيشكل ايذانا للقبول بواقع جديد في المنطقة قبل الانتهاء من الترتيبات في اغلاق ملف الازمة السورية التي جرى التوافق بشأنها بين واشنطن وموسكو والقوى الدولية الفاعلة على قاعدة تقاسم النفوذ والمصالح.
هذه التساؤلات المحورية لا تشغل تفكير اليمنيين فقط وإنما ايضا الاطراف الاقليمية والدولية التي تخشى من تحول اليمن الى ما يشبه الحالة العراقية التي اضحت مثار نزاع وساحة استنزاف ومصدر تجاذب لاختبارات القوة ومع ذلك يبدو من الواضح من مؤشرات الاحداث والتطورات الجارية في اليمن ان الجميع قد اخطأ في تقديراته لنتائج الحرب القائمة فقد جاءت النتائج كلها لتصب في مصلحة التنظيمات المتطرفة والإرهابية التي امكن لها التمدد والانتشار وفرض سيطرتها على العديد من المناطق والمحافظات اليمنية ولعل ملامح هذا المتغير هو من برز في تعاطي الاعلام الاجنبي بعد ان ظل هذا الاعلام بعيدا او غائبا عن المشهد اليمني خلال الاشهر الماضية اما لأبعاد سياسية غير معروفة او لقصور مهني غير مقصود اذ انه وبمجرد ان نجح تنظيم القاعدة في السيطرة على اجزاء واسعة من محافظات الجنوب وإعلان فصيل اخر يدعي ارتباطه الفكري والعقدي بتنظيم (داعش) عن نفسه اخذ ذلك الاعلام نفسا عميقا قبل ان يجنح الى التذكير بـ(الحرب المنسية) في اليمن وكأن ذلك الاعلام قد امسك للتو بتفاصيل الاوضاع العالقة بين التصعيد وعدم الاستقرار في هذا البلد وأدرك فجأة ان الارهاب وكما لو انه قد انتصر في اليمن وان هذه البلاد التي تتنازعها سلطتان وعاصمتان وجيشان وعدة فصائل من المليشيات مقبلة على فوضى عارمة تتجاوز ما عرف من صراعات على السلطة او صراعات قبلية او حروب بالوكالة الى ما يشي بما هو اكبر واخطر من الصوملة والأفغنة والسورنة.
قبل عدة اسابيع كتبت في هذه الصحيفة مقالا تحدثت فيه عن ان الاقليم ومعه الدول الكبرى في العالم لا يمتلكون رؤية واقعية حول الازمة المتصاعدة في اليمن وأنهم لا يحتفظون في اجندتهم بمحددات واضحة لترويض الواقع القسري في هذا البلد الذي يتدافع بجهاته الرئيسية الشمالية والجنوبية والغربية والشرقية وبتنوعاته الديموغرافية والجهوية والمذهبية والقبلية نحو التفكك والتشرذم والتشظي وان ذلك كفيل بتمكين (القاعدة) و (داعش) وغيرها من التنظيمات الارهابية الى فرض وجودها كبديل للقوى المتنازعة وان هذه التنظيمات المتطرفة هي من ستغطي الفراغات الناجمة عن الانكشاف السياسي والانكشاف الامني وغياب الدولة وقلت حينها ان الطريقة الرشيدة في مواجهة الارهاب هي تلك التي تمثل نقيضا لما يهدف اليه وان ايقاف الحرب هو وحده من سيساهم في منع هذا الارهاب من التغول والاندفاع الى الطريق الذي يقود في نهايته الى تهديد منطقة الشرق الاوسط والعالم بأسره إلا ان مثل هذا المنطق هو من لم يلتفت له احد على الرغم من التحذيرات الاخيرة التي اطلقها الاعلام الامريكي والأوروبي الى درجة ان هناك في الغرب من يتساءل اليوم : عن العوامل والأسباب التي تجعل من واشنطن والدول الاوروبية تغض الطرف عن تمدد التنظيمات الارهابية في اليمن التي امتلكت زمام المبادرة في الاسابيع الاخيرة وصارت تتحرك بكل اريحية بين المناطق تحت سمع وبصر قوات التحالف العربي والتحالف الدولي الذي يدعي انه من يشن حربا واسعة على داعش والقاعدة وبقية الجماعات الموصوفة بالإرهابية.
رغم هذه الصورة القاتمة التي يظهر فيها المشهد اليمني فان الملايين من الذين يكتوون يوميا بماسي الاحداث مازالوا يعولون على الجهود التي يبذلها المبعوث الدولي الخاص باليمن والذي سيعود نهاية الاسبوع الجاري الى المنطقة وسط توقعات بانعقاد دورة جديدة من مباحثات السلام مستمدين امالهم من تطورات الملف السوري ووصول الاطراف المتنازعة الى قناعة بعدم امكانية أي طرف لحسم المعركة لصالحه وان الامم المتحدة التي تظهر على السطح كراعية للسلام وخيارات التسوية السياسية اضحت لديها تصور واقعي لكيفية الخروج من الازمة اليمنية بعيدا عن تلك الوجبات السريعة التي عادة ما تصطدم بمصالح خارجية او فيتو داخلي ناهيك عن ان القوى المتنازعة صارت متفقة على الالتزام بجدول الاعمال الذي اقترحته الامم المتحدة للجولة الجديدة من مباحثات السلام ومتفقة على مرجعية قرار مجلس الامن الدولي مما يجعل الخلافات محصورة في ايقاف اطلاق النار قبل المباحثات او بعدها وهو ما يمكن تجاوزه عبر التوفيق بين شروط الجانبين للعودة الى طاولة الحوار بإبرام اتفاق لهدنة طويلة استجابة لمطالب جماعة الحوثيين والرئيس السابق والإفراج عن المعتقلين وهو الشرط الذي تطالب به الحكومة المدعومة من التحالف العربي.
من الضروري للجميع وبعد كل ذلك الدمار الذي حصل في اليمن ان يراجعوا ما يحملوه من قيم دينية واجتماعية وإنسانية حتى يستشعروا ان الحروب لا تخلف سوى الاحقاد والثأر المتعطش للدم وان احتراق القيم في اتون اللهفة على تحقيق الانتصار وإلحاق الهزيمة بالآخر هو امر تجاوزه الزمن وان الرهان على هذا الخيار هو دعوة صريحة لتمكين الارهاب من اليمن ومنح عناصره فرص التحرك لضرب الاستقرار في المنطقة والعالم.

كاتب يمني