علي بن راشد المطاعني
في الوقت الذي يتم فيه تنظيم العديد من المهن المتخصصة في البلاد وفق المؤهلات العلمية ومنح التراخيص للمهنيين فقط مثل المهندسين والمحامين وغيرهم من ذوي الدراية في تخصصاتهم، فإن القطاع الطبي يحتاج هو الآخر إلى إضفاء التخصصية في فتح الأنشطة الطبية التجارية على اختلاف أنواعها، وبما يسهم في الارتقاء بهذه المهنة الإنسانية ويعزز من معايير الجودة فيها، فضلا عن تفريخ فرص عمل لأبنائنا الأطباء والصيادلة والمساعدين الصحيين، ويفتح آفاقا واسعة أمامهم للمزيد من العطاء والإقبال على دراسة المجالات الطبية، الأمر الذي يتطلب من وزارة الصحة بالتعاون مع الجهات المختصة تنظيم هذا القطاع واستصدار أطر تقصر فتح العيادات الطبية والصيدليات والمراكز الطبية والمؤسسات الصحية الخاصة على الأطباء والمختصين في المهنة، أسوة بنظرائهم المهندسين والمحامين وغيرهم في المهن المتخصصة وفق قانون مزاولة المهن المعمول به في السلطنة.
لاشك أن تعزيز التخصص في المجالات الطبية في البلاد لا يتأتى إلا من خلال إضفاء التخصص الطبي في الاشتغال بالطب على اختلاف تخصصاته ومجالاته، إلا أنه وللأسف فإن التراخيص والأنشطة الصحية الخاصة تمنح لدينا للجميع بدون تمييز أو ضوابط تتعلق بممارسة المهنة وأخلاقياتها، ما جعل الجميع يستثمر بطرقه الخاصة في المجال بدون أي دارية عن ماهية ما يعمل به وفيه، وبذلك تجد التجارة المستترة موطئ قدم لها ولا أروع.
إن وضع ضوابط واضحة في هذا المجال قد يوفر عشرات الآلاف من فرص العمل سواء للممتهنين أو الباحثين عن عمل من الكوادر الطبية في الشركات والمؤسسات الصحية القائمة أو الصيدليات، أو فتح عيادات أو صيدليات جديدة وفق الضوابط التي تمنح للمهنيين في القطاع فقط، وقد بلغ عدد المؤسسات الصحية الخاصة أكثر من 3500 مؤسسة وفق إحصائيات العام 2016م من مستشفيات وعيادات عامة وخاصة ومراكز طبية ومختبرات وصيدليات وغيرها يمكن أن توفر هذه الفرص لأبنائنا وتعزز من إمكانيات الكوادر الطبية العاملة في هذا المجال.
فالأخلاقيات المهنية في مهنة الطب والصيدلة لا يلتزم بها إلا من أقسم عليها يوم تخرجه ومن ثم تعلم أصولها بعد أن مارسها على أرض الواقع، وحصر التراخيص الطبية على الأطباء والصيادلة ومن في حكمهم في التخصصات الطبية من شأنه أن يعزز هذه الأخلاقيات الطبية، فضلا عن التبعات القانونية لمهنة الطب التي قد تترتب على الأخطاء الطبية التي لا يمكن أن يفقه فيها إلا الدارس لها والممتهن فيها.
كما إن التنظيم من شأنه أن يحفز أبناءنا على دراسة الطب على اختلاف تخصصاتـــه والصيدلة كأحد التخصصات المهمة وذات الجاذبية، ويعد حافزا لدراسة هذه العلوم إذ الحاجة إليها لا تنقطع بطبيعة الحال و تكون مغرية لأبنائنا.
فعلى وزارة الصحة الموقرة أن تدرس هذه الأفكار بعنايـــة وتتدارسها مع الجهات المرخصة للأنشطة التجارية لتنظيمها وفق الاختصاص خاصة بعد أصبح لدينا كوادر يمكن أن تقوم بهذه المهام، ونحن على ثقة من أنها ستفعل إذ هي أحرص منا على استتباب الأمن الصحي في البلاد.
اتخاذ مثل هذه الإجراءات ودخول المستثمرين وذوي الأموال مع الأطباء والمهنيين من التخصصات الطبية في شراكات استثمارية تزاوج بين المهنية الطبية وبين رؤوس الأموال ليجتمع التخصص والخبرات والمهنية مع الاستثمارات في بناء مؤسسات صحية على أطر صحيحة ومسؤولة في تقديم الخدمات الصحية الخاصة بجودة راقية، بدلا من غياب هذه الجوانب المهمة لعدم وجود تنظيم يشرعن ممارسة الطب وأخواته وقصرها على المهنيين فقط أو مشاركتهم.
بالطبع قد يعترض بعض المستفيدين من الوضع الحالي على هذه المقترحات التي من المؤمل أن تعيد لمهنة الطب والصيدلة أهميتها بإعادتها إلى أصحابها الشرعيين الذين سهروا الليالي لسنوات طوال لينالوا عن استحقاق شرف الانتماء لهذه المهنة الإنسانية رفيعة الشأن.
نأمل من وزارة الصحة أن تعكف على دراسة هذا الملف باعتبار أن الهدف في غاية النبل، كما أن ذلك من شأنه أن يرتقي بمهنة الطب والصيدلة في السلطنة كغيرها من المهن في كل دول العالم التي تشترط وجود التخصص لفتح نشاط تحت مسمى المهنة.