فريد أحمد حسن
المصالحة بين أي طرفين تزداد صعوبة كلما أوغلت المشكلة سبب الخصام في الزمن، ولأن احتمالات إنهاء الخلاف في أوله ضعيفة دائماً والمصالحة غير ممكنة في ذلك الحين واقعاً ومنطقاً بسبب إصرار كل طرف على أنه صاحب الحق وأنه المعتدى عليه وبسبب حالة الغضب التي يكون فيها الطرفان والعصبية التي تتحكم في الموقف لذا من الطبيعي أن تتعقد المشكلة ومن الطبيعي أن يصعب حلها كلما تأخر، فالتفاصيل التي تملأ المساحة بعد الخصام تمنع المصالحة التي تتطلب تقديم تنازلات وغض الطرف عن كثير من الأمور ونسيان بعضها. ولعل المثال الأوضح في هذا الخصوص الخلاف المستمر بين فتح وحماس اللذين كلما اقتربا من لحظة المصالحة انبرى الشيطان الكامن في التفاصيل وتبخر أمل حل القضية الفلسطينية إلى حين.
مرات عديدة التقى فيها المسؤولون عن فتح وحماس استجابة لرغبة الوسطاء، ومرات عديدة بذل الوسطاء جهودهم، وخصوصاً مصر، كي تتم المصالحة، وفي كل مرة يأمل العرب أن تثبت المصالحة ويتوحد الموقف الفلسطيني كونه الطريق الوحيد المفضي إلى توحيد الموقف الفلسطيني ومن ثم حل القضية الفلسطينية، ولكن في كل مرة أيضا يحدث ما يؤثر على المصالحة ويؤجلها، فهناك الكثير من الملفات التي تتطلب التوافق بشأنها بين الطرفين، وهناك العديد من الملفات التي تظل معلقة ويصعب تناولها جهراً خصوصاً إن كانت تلك رغبة راعي المصالحة الذي يخشى تأثر جهده لو أتيح للعامة الحديث في بعض الملفات.
ما يحدث هو أن الطرفين يغرقان في حسابات الربح والخسارة، وما يحدث هو أن أي اتفاق بين فتح وحماس ينبغي أن ترضى به إسرائيل التي تستطيع إفشال كل اتفاق إن تبين لها أنها ستتضرر منه، فإذا أضيف إلى هذا الموقف الضعيف للسلطة الفلسطينية التي تورطت في اتفاقات مع سلطات الاحتلال لم يعلن عن أغلبها، وهذا أمر طبيعي بسبب قوة إسرائيل وقلة حيلة السلطة الفلسطينية، فإن مساحات التفاؤل بالتوصل إلى أي مصالحة فلسطينية فلسطينية تنكمش إلى أقصى حد.
توحيد الصف الفلسطيني يتطلب إلى جانب المصالحة بين فتح وحماس وضع برنامج يكرس الوحدة ولا يكتفي برفع الشعارات، هذا البرنامج لا يمكن وضعه اليوم وبعد كل التعقيد الذي شهدته القضية الفلسطينية، فأي برنامج هذا الذي يمكن أن توافق عليه حماس وهي تعلم أنه يؤثر سلباً وبقوة على المقاومة؟ وأي برنامج هذا الذي يمكن أن توافق عليه فتح وهي تعلم أنه يمكن أن يؤثر سلباً على سلطتها ؟ وأي برنامج هذا الذي يمكن أن توافق عليه إسرائيل وهي تعلم أنه لن يوفر لها الأمن الذي تسعى إليه؟ وأي برنامج هذا الذي توافق عليه مصر – الدولة الوسيط – وهي تعلم أنه لا يعود عليها بأي فائدة ويمكن أن يؤثر على علاقاتها بمختلف الأطراف؟
تعقد المشكلة الفلسطينية أوصل الشعب الفلسطيني إلى مرحلة صار صعباً عليه فيها حتى تخيل معالم طريق الحرية والاستقلال، وصار يتوقع النهاية السالبة لكل مبادرة للمصالحة الفلسطينية الفلسطينية. وهذا بالضبط ما سيحدث بعد حين فيما يخص المشكلة الخليجية، فكل يوم يمر تزداد هذه المشكلة تعقيداً ويزداد أطرافها - التي من الطبيعي أن يبحث كل واحد منها عن مصلحته - إصراراً على موقفه، وكل يوم يمر تزداد التفاصيل التي يمرح فيها الشيطان فيصير حلها صعباً وقد يصير مستحيلاً.
لتأكيد هذه الفكرة لا بد من الإشارة إلى أنه رغم الجهود الكبيرة التي بذلها سمو أمير دولة الكويت إلا أنها لم توصل إلى النهاية السعيدة التي كان يتمناها وتنتظرها شعوب دول التعاون كافة، وكذلك الجهود التي بذلتها في صمت سلطنة عمان، لهذا فإن الأخبار التي انتشرت أخيراً عن عزم الولايات المتحدة التدخل لحل المشكلة والحديث عن اجتماع سيعقد في مايو المقبل في واشنطن بين الأطراف ذات العلاقة لم تجد الصدى المأمول، فالشعوب الخليجية بدأت تفقد الأمل في التوصل إلى حل لهذه المشكلة .
تعقد المشكلة الفلسطينية أدى إلى صعوبة تخيل أنها يمكن أن تحل ذات يوم، وتعقدها أدى إلى صعوبة الاعتقاد بأن مصالحة يمكن أن تتم بين فتح وحماس تؤدي إلى توحيد الموقف الفلسطيني، وتعقد المشكلة الخليجية سيؤدي إلى النتيجة ذاتها، فكل يوم يمر يقرب الخليجيين إلى الاعتقاد باستحالة عودة الأحوال إلى ما كانت عليه وإغلاق ملف هذه القضية.
هناك أمر آخر؛ فالقضية الخليجية لم تعد مقتصرة على أطرافها الخمسة كما أن تأخر حلها أدى إلى دخولها مرحلة التدويل وهذا يعني فقدان الأمل في حلها خليجيا، فاليوم لا يمكن إغفال الولايات المتحدة وإيران وتركيا التي صارت أطرافا فيها وصار لا بد من موافقتها على أي صيغة حل يتم التوصل إليها بين الطرفين الأساس في المشكلة.
هذا هو حال هذه المشكلة اليوم، فكيف سيكون حالها بعد أن تكمل عامها الأول؟ وكيف سيكون حالها بعد عامين أو أكثر؟ دراسة القضية الفلسطينية والحال التي صارت فيها فتح وحماس تعين على توقع نهاية القضية الخليجية إن لم تظهر إلى العلن الآن مبادرة يتأكد منها ابتعاد هذا التحليل عن الواقع.
كاتب بحريني