«الباتريكات»

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٧/فبراير/٢٠١٨ ٠٢:٥٩ ص
«الباتريكات»

لميس ضيف

لفتني مقال للكاتب الساخر أسامة غريب بعنوان «الإسكافي مدرساً» تحدث فيه عن صدمته عندما اكتشف أن «باتريك» مصلح الأحذية الإنجليزي بشارع «موزلي» قد استقدم للعمل مدرساً في الكويت بإحدى المدارس الخاصة.

يقول الكاتب: «لم ينكر باتريك ماضيه عندما التقيته، وأكد أن المسؤولين بالمدرسة هم من أقنعوه بالعمل مدرساً بالكويت عندما التقوه في لندن رغم أنه شرح لهم أنه لم ينل قسطاً كافياً من التعليم، لكنهم أخبروه بأنه لا يحتاج إلا لأن تكون الإنجليزية هي لغته الأم.
واعترف باتريك بشكل صريح بأن كثيراً من المدارس تمتلئ بزملائه الإسكافيين وسائقي التاكسي والبوابين الذين اكتشفوا أن مدارس علية القوم تفضل البشرة البيضاء فتنادوا لجلب رهطهم لملء تلك الوظائف المجزية».
أعاد هذا المقال لذاكرتي صور عشرات «الباتريكات» الذين قابلتهم على مدّ الخليج، الذين شغلوا مناصب استشارية مرموقة أهلتهم لها عيونهم الزرقاء وبشرتهم الضاربة للوردية.
أذكر أحدهم على وجه التحديد لأنه شغل منصباً كبيراً في شركة طيران وكان راتبه الشهري يتعدى العشرين ألف دولار «عدا الحوافز والبدلات»، كان صاحبنا «الباتريك الكبير» يتجنب المؤتمرات الصحفية، وكانت إجابته في اللقاءات المعدودة مهلهلة فارغة من النكهة المتخصصة. لم أستغرب بعدها عندما سمعت أنهم اكتشفوا، بعد أربع سنوات من العمل وإدارة آلاف الموظفين وإنفاق أكثر من مليون دولار عليه وحده، أن شهادته مضروبة وخبرته مزيفة. لم تتخذ الشركة أي خطوة تأديبية أو انتقامية منه لتستر على نفسها -في المقام الأول- وتتقي الفضيحة والشماتة بل طالبته بالاستقالة «بهدوء» والعودة لبلده بعد أن واجهته بزيفه واحتياله.
ولأن صاحبنا الأشقر، الذي خبر خلال السنوات هشاشة جماعتنا طالبهم بتعويض ومكافأة نهاية خدمة بكل صفاقة وقـــوة عيـــن، وكان محقاً في تنمره عليهم، فقد دفعـــوا لـه صاغرين مطأطئي الرأس، فمن وظفوه ومكنوه لم يجرؤوا على اللجوء للقضاء لأنهم مذنبون مثله وأكثر منه.
وإن تلفتّ حولك أيها القارئ ستجد نفسك مطوقاً بعشرات «الخبراء» الذين لا يملكون خبرة، و»المستشارين» الذين لا يصلحون لإدارة بقالة. وأصحاب الشهادات المضروبة، وخريجي الجامعات المتخشبة، وقياديي الصدف. وكثير ممن دفعت بهم جنسياتهم للصف الأول واستقدموا وقدموا على غيرهم لمجرد أنهم من بلدان متطورة ومتحضرة نقتتل نحن لنتشبه بهم أو لنحصل على مصادقتهم.
لا تثريب عليهم إن احتالوا علينا بل اللوم على من انتقلوا من قرن لآخر وهم ما زالوا أسرى لعقدة الرجل الأبيض والوافد المتفوق!