متى يتطهر العالم من الإرهاب؟

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٤/فبراير/٢٠١٨ ٠٤:١٦ ص
متى يتطهر العالم من الإرهاب؟

أحمد المرشد

أعود بعد فترة غياب إلى المقال السياسي، وكان ابتعادي خارج عن إرادتي خاصة عندما كتبت عن «أطلال» أم كلثوم، فاكتشفت أن كثيرين يريدون متابعة مدى اعتماد هذه المطربة العظيمة على فكرة «الذكريات» في القصائد والأغاني التي غنتها، فاستغرق الموضوع عدة مقالات، وها أنا أعود اليوم إلى عالمنا الذي لا نستطيع التخلي عنه، وهو عالم مليء بالمشاحنات والتجاذبات والقضايا الساخنة، وأقصد به عالم السياسة، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، وقد أرى اليوم وفقاً لمعطيات الواقع الذي نعيشه أنه ربما تمتد هذه الهجمة الإرهابية التي يتعرض لها العالم - دولاً وشعوباً - للعام الجاري رغم أمنياتنا، وهو ما يستدعي بسرعة القضاء على هذه الآفة المدمرة، ولكن نحمد الله أن أواخر العام الفائت شهد نجاحات جزئية في القضاء على بعض مواقع تنظيم «داعش» في سوريا والعراق، ولكن الخوف أن يمتد تأثير ونشاط هذا التنظيم المخرب إلى مناطق أخرى حيث يعتبرها «بطن رخو».

وطبيعي أن يكون البطن الرخو في أي بلد أو إقليم في هذا الجزء البعيد عن أعين الأمن أو ابتعد عنه الأمن لظروف طارئة، أو ابتعاد سلطة الدولة المركزية عنه مثلما حدث في مناطق كثيرة في العراق وسوريا واليمن وليبيا وبعض المواقع في قارة إفريقيا، ومن الخطأ ربط هذا التشبيه – البطن الرخو - بوجود بعض التنظيمات الإرهابية والداعشية في منطقة شمال سيناء المصرية، لأن السيادة المصرية على هذه البقعة من الأرض قوية وراسخة اللهم سوى أن بعض التنظيمات استطاعت التسلل إلى شمال سيناء والتمركز في المناطق الجبلية ووسط السكان بسبب أحداث الفوضى التي أعقبت تطورات 25 يناير 2011، بيد أن القوات المسلحة والشرطة المصرية تمكنتا من إعادة السيطرة على معظم الإقليم رغم أن فلول داعش يسعون للهرب إلى المناطق المصرية بعد نجاح القوات السورية والعراقية في السيطرة على معظم أراضي الدولة الإسلامية المزعومة.والمثير في مسألة داعش، أن الولايات المتحدة ومعها دول التحالف الخاصة بمواجهة هذا التنظيم في العراق أولاً ثم سوريا، تأخرت كثيراً في التعامل مع مخاطر داعش، وتلكأت في دعم القوات المحلية المسؤولة عن مقاومة نشاط التنظيم الذي امتد إلى مناطق كثيرة من العراق وسوريا منذ العام 2013 وحتى أواسط 2017، ولكن مع وطأة العمليات الإرهابية التي عانى منها الغرب والولايات المتحدة على مدى السنوات الفائتة، اضطر التحالف الدولي إلى التنسيق مع الجهات المحلية (العراق تحديداً) لتكثيف الحرب ضد داعش والقضاء عليه كلية. غير أن المشكلة التي لا تزال باقية هي أفراد هذا التنظيم، فأين يذهبون؟ وهل ستقبلهم مجتمعاتهم ثانية عقب عودتهم منكسرين منهزمين؟ وما هي المناطق المحتمل اللجوء إليها؟ كلها تساؤلات تبحث عن إجابات، خاصة أن الدول الأوروبية سنت قوانين مشددة للتعامل مع العائدين، فمصيرهم المحاكمة والسجن مباشرة، في حين أن بعض الدول العربية تشهد سجالاً وتبايناً حتى يومنا الراهن حول الرغبة في استقبال العائدين وقبول توبتهم. ففي الوقت الذي تسعى بعض الحكومات إلى قبول هؤلاء اتقاء لشرورهم، إلا أن الشعوب نفسها ترفض عودتهم بعد أن تلوثت أيديهم بالدماء، ويعتبر الرافضون أن الأوطان لا تتحمل عودة إرهابي واحد إليها، فما هي الضمانات التي ستضعها الحكومة لتأمين الشعوب من شرور وإرهاب هؤلاء، خاصة بعد أن أصبحوا متعطشين للدماء، والحياة مع الإرهابيين ومجالستهم ومعايشة كل خرافات ما يسمى بـ»دولة الخلافة الإسلامية»..ثم ما هي وسيلة حماية المجتمعات من هؤلاء إذا كانوا ذئابا منفردة تنتظر تعليمات وتوجيهات القيادات حتى ولو بعد حين. ويقيني أن الشعوب على صواب في رفضها قبول عودة الداعشيين من سوريا والعراق ومناطق الصراع، فالإرهابي مكانه السجن وليس سواه.

ورغم ما ذكرناه سلفا بأن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة استطاع بالتعاون مع السلطات المحلية في العراق تحديدا السيطرة على معظم مناطق نفوذ داعش، إلا أن كل المعطيات الراهنة لا تقودنا إلى القضاء كلية على الإرهاب الدولي، فهو يتخذ أشكالاً متعددة، ويتمدد في فضاءات مفتوحة ومغلقة..وأبسط توصيف لهذا الإرهاب أنه يعمل كالفيروس، ومن الصعب القضاء عليه بسرعة، فهو يحتاج لبعض الوقت.. هذا الكلام ليس مبالغة في الوصف في الحالة، وأمامنا كل دول العالم التي اتخذت إجراءات وتدابير مشددة للقضاء عليه ولكنها لم تستطع حتى يومنا الراهن.
إلى هنا أجد نفسي مضطراً إلى طرح تساؤل جديد: «هل أصبح الإرهاب متلازماً مع واقعنا الحالي؟..بمعنى أنه ربما يطول لبعض الوقت رغم كل الإمكانات المسخرة للقضاء عليه تماماً. الإجابة ليست متشائمة مثل السؤال، حتى لا يتهمني البعض بعدم التفاؤل، فالمسألة بعيدة عن المشاعر والأحاسيس لارتباطها بواقع مؤلم نعيشه كل يوم في كل دول العالم. ومبعث عدم تشاؤمي هو الإرهاب، فلا ننكر أنه كان سببا مباشرة في تعطيل مسيرة بعض الأوطان اقتصادياً وسياسياً وحتى اجتماعياً – وهذه تحديدا تحتاج شرحاً – ولكن الإرهابيين من الصعب أن يتبوؤا مكان الدولة وسلطتها، ومثالنا هنا واضح تماما وصريح وأقصد جماعة الإخوان المسلمين التي تولت الحكم لعام فقط في مصر وفشلت في إدارة البلاد فكان مصير قياداتها السجن والهرب. وكذلك الحال في الجزائر في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، فالحرب استمرت لسنوات عديدة بين الدولة وبين جماعة «الإنقاذ» ورغم خسائر الجزائريين الضخمة الاقتصادية والبشرية والاجتماعية، إلا أن الأمر استقام لسلطة الدولة رغم التجربة المريرة مع الإرهابيين السفاحين هناك وممارساتهم التي بلغت عنفاً يصل إلى ذبح سكان قرى ومدن بأكملها وعدم التورع عن حرق الجثث، حتى اكتشف الجزائريون بعد انتهاء تلك الحرب الشرسة مدى عنف أنصار الإٍسلام السياسي.
وإذا كانت جماعة الإخوان قد تمكنت من التوغل في نفوس المصريين وخداعهم لتفوز بانتخابات برلمانية ورئاسية وتتولى إدارة الدولة في ظروف ما، إلا أن الدولة الجزائرية رفضت الخضوع للإسلام السياسي وتسليم البلاد لحكم الإسلاميين والحفاظ على الهوية المجتمعية للشعب الجزائري الذي يتذكر حتى يومنا هذا أهوال هؤلاء الإرهابيين.العنصر الآخر في تفاؤلي وعدم تشاؤمي مثل السؤال الذي طرحته، أن الإرهاب ليس سوى «حالة مرضية» سيذهب إلى حال سبيله سواء اليوم أو غدا مهما تعددت تنظيماته ووسائله لإرهاب الشعوب والدول، فهو زائل مثل أي احتلال، والتجربة ماثلة أمامنا، هل بقي احتلال حتى يومنا هذا سوى الاحتلال الصهيوني لفلسطين لظروف خارجة عن إرادة العرب في الوقت الراهن وغياب المعايير الدولية في التعامل مع تلك القضية الفلسطينية، وحتى الاحتلال الصهيوني سينتهي يوما ما، وإسرائيل ومن يقف وراؤها ويحميها يعلمان هذا جيدا.
ومثلما الاحتلال الى زوال، فإن الإرهاب بشكله الحالي إلى زوال أيضا، لأنه ضد طبيعة البشر وطبيعة المسلمين، وحتى لو استغل الإرهابيون عباءة الدين، فتوصيفهم هو أنهم إرهابيون ومتطرفون..ولذلك فالإرهاب محكوم عليه بالزوال لأن التنظيمات الإرهابية مهما توفرت لها الإمكانات البشرية واللوجستية والتسليحية ووسائل اتصال ضخمة، لن تستطيع مجابهة قوى الشرطة والجيش في أي دولة من دول العالم، وقد رأينا أن تكثيف العمليات العسكرية للتحالف الدولي قد أتت بثمارها في تقليل الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش الذي ادعى يوما ما أن كاد يبتلع العراق وسوريا معا.
ونصل إلى حقيقة مؤكدة في هذا المضمار، إن الإرهاب فشل في جميع مراحله في زعزعة ثقة الشعوب في قياداتها المركزية، كما فشل في نشر ثقافة التطرف والعنف والكراهية بين المواطنين، حتى لو دفعت بعض المجتمعات ثمناً غالياً من اقتصادها وأمنها فترة ما، فكل الدول التي عانت من الإرهاب لديها القدرة على مقاومة هؤلاء الظلامين.

كاتب ومحلل سياسي بحريني