مسقط- خالد عرابي
يزخر المجتمع العماني بالعديد من الحرف والمهن التقليدية التراثية والعريقة التي ورثها الكثيرون أبا عن جد وحافظوا عليها، فأصبحت رمزا عمانيا خالصا.. ويأتي مهرجان مسقط كل عام ليسلط الضوء على هذه المهن، ويعطي لها دعما وظهورا فتشهد انتعاشة خاصة من قبل زوار المهرجان.. ونحن في جولة بمتنزه النسيم العام لفتت نظرنا واحدة من المهن العريقة إنها صناعة الخشبيات، تلك المهنة المرتبطة بكل بيت عماني حيث كان من المعروف أنه لا يخلو بيت عماني من المندوس وغيره من التراثيات الخشبيات.. "7 أيام" التقت الفاضل خميس بن عبدالله حمد البلوشي الحرفي المتخصص في صناعة الخشبيات، والذي جاء من ولاية السويق بمحافظة شمال الباطنة كمشارك في المهرجان، فحدثنا عن الحرفة والتحديات التي تواجهها.
في البداية أكد البلوشي إن الخشبيات لها أهمية كبيرة بالتراث العُماني، فهي واحدة من المهن القديمة في السلطنة والتي اعتمد عليها الأجداد والآباء في كل شيء في حياتهم خاصة وأنها مهنة قائمة على الخامات المحلية فهي تعتمد على الأخشاب التي تعد منتجا محليا متوافرا بكثرة في السلطنة وذلك لاعتمادها على الأشجار والتي يأتي من أبرزها السدر والسمر والقرم وغيرها، ولو عاد كثير منا بالذاكرة سيجد آثارها في كل شيء حوله حيث لا يكاد يخلو بيت عماني من منتجاتها مثل المناديس والأبواب و"الدرايش" النوافذ، والمرافع والزياجر "جمع زيجرة وهي آلة خشبية عمانية قديمة كانت تستخدم في سحب المياه من الآبار"، ولعل أبرز وأكبر الأمثلة على ذلك هو صناعة السفن العمانية التقليدية التي اشتهرت بهما ولايات ومدن عمانية كثيرة منها صور وصحار، وقد جابت السفن العمانية أماكن مختلفة من العالم بدءا من شرق آسيا والصين والهند حتى وصلت إلى أواسط أفريقيا في ممباسا وزنجبار.
وأشار البلوشي قائلا: لكن رغم أهمية المهنة تراثيا وأنها جزء من تراثنا العماني الأصيل إلا أننا كحرفيين نعاني، فمع زحف التطور والتحضر -كما يدرك كثير منا- أصبحت هذه المهنة تتراجع، فالمبيعات قلت ولم يعد هناك إقبال على منتجاتنا، فمثلا قل شراء المناديس وغيرها، وهذا في حد ذاته تحد بل مشكلة لأمثالنا من الحرفيين المتفرغين للمهنة، وطبعا نحن لدينا أسر ولنا متطلبات حياتية للإنفاق على أسرنا وليس لدينا وظيفة أو دخل آخر وبالتالي فإذا لم يكن هناك استرتيجية وخطط لتنشيط هذه المهن للحفاظ عليها لن يستطيع أمثالنا الصمود كثيرا وبالتالي قد يؤثر ذلك ليس على تراجع المهنة فقط بل ربما -لا قدر الله- يصل الأمر إلى اندثارها.
وحول مدى الدعم الذي يتلقونه في هذا الجانب قال: "بصرحة لاشيء، فإذا تحدثت عن نفسي مثلا فأنا كحرفي منذ أن تفرغت للمهنة وسجلت كحرفي في الهيئة العامة للصناعات الحرفية لم أحصل سوى على 300 ريال عماني كدعم من الهيئة العامة للصناعات الحرفية عند التسجيل "كتر خيرهم وجزاهم الله خيرا" -على حد وصفه- وبالتأكيد هذا ليس بكاف".
وأضاف قائلا: "أرى أن الدعم في هذا الجانب يجب ألا يكون التفكير فيه على أنه مادي فقط، لأنه من الصعب أن يكون الدعم المادي من قبل الجهات المسؤولة مستمرا، ولكن نحن كحرفيين نتمنى دعمنا عن طريق أشياء أخرى من أهمها مساعدتنا في الدعم التسويقي، فهو الحل لكثير من مشكلاتنا، فمثلا نتمنى أن يكون هناك منافذ منتشرة وموزعة في جميع الولايات -خاصة في الأماكن السياحية- حتى يحدث رواج لمنتجاتنا ونتمكن من بيعها لنستمر. كما نتمنى من الجهات المسؤولة أن تفكر في الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت أكثر تأثيرا في الترويج لمنتجاتنا، علما أننا كحرفيين نعمل على هذا الجانب كل بشكل فردي، ولكن لا أعرف كيف يمكن أن يستفاد من جهودنا جميعا في هذا الجانب".
وبسؤاله عما قاموا به كرفيين من تطوير للمهنة، لأنه ربما السبب أنهم مازالوا يصنعون المنتجات بنفس أشكالها وطرقها وتفاصيلها القديمة مما جعلها تصبح التجارة التي يمكن أن تبور.. قال البلوشي: "بالطبع لم يغب عنا ذلك ولم ننسه، فكما قلت منذ البداية "مع التطور والتحضر"، فنحن علينا كحرفيين أن نفكر في ذلك، وبالطبع نحن نقوم بذلك فقد طورنا في شكل وألوان المنتجات وأضفنا عليها الكثير من اللمسات، فمثلا أصبحنا نغير في الأشكال كما قمنا بصناعة قطع ومنتجات أخرى مستحدثة مثل أغطية لعلب المناديل مثلا وغيرها.
وقال إن هذه المهنة -رغم وراثة الآباء عن الأجداد لها- إلا أنها -بالنسبة لي- بدأت كهواية منذ الصغر وتطورت مع الوقت حتى أصبحت مهنتي الوحيدة التي امتهنها ومتفرغ لها، ومن ثم بدأت أطور من ذاتي فيها حتى أصبحت محترفا لها. وبالنسبة للمبيعات يرى أنها دائما في تراجع وأنها معتمدة على مواسم فقط وعلى الطلبيات كالمهرجانات مثل مهرجاني مسقط وصلالة، لذلك تمنى أن يكون هناك طلب للمبيعات من المؤسسات سواء الحكومية أو شركات القطاع الخاص خاصة إذا كان من الممكن عمل أشياء وأشكال تراثية.. ولفت البلوشي النظر إلى أن هناك تحديا آخر يواجه المهنة وهو دخول الوافدين على المهنة، حيث إن بعض المواطنين يفتتحون شركات صغيرة ومتوسطة أو مؤسسات ويعينون وافدين كموظفين معهم وهذا يسيء للمهنة فنيا، والحرفي شخص ويعمل بذاته ومع هذا لا يجد الدعم الكافي.