بناء عمل شامل للجنسين

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٣٠/يناير/٢٠١٨ ٠٤:٠٥ ص
بناء عمل شامل للجنسين

كاثي بلومجاردن

من الواضح أن موجة قضايا التحرش الجنسي التي تورط فيها أشخاص رفيعو المستوى، والتي بدأت بإفشاء أسرار من هوليود، خلفت تأثيراً عميقاً على بيئات عمل أقل بريقاً. وكما اضطرت ستوديوهات الأفلام الكبرى إلى اتخاذ إجراءات ضد ممارسات مسيئة، بدأت ثورة مماثلة تكتسح محال العمل في كل مكان ــ مدعومة بحركة «أنا أيضا» (#MeToo) التي تتألف من نساء يتحدثن علنا. كان من الرهيب أن نعلم بالإساءات التي تحملتها النساء على أيدي رجال أقوياء مثل هارفي وينشتاين، ومات لوير، وآل فرانكن. ولكن من المشجع بدرجة كبيرة أيضا أن نرى عالَم الشركات يتعامل بجدية مع هذه القضية، من خلال محاولة إيجاد «مستقبل مشترك» للعاملات الإناث لديها. وربما تمثل الاستجابة الجماعية لحركة «أنا أيضا» نقطة تحول في الطريقة التي ينظر بها أرباب العمل إلى التحرش الجنسي وغير ذلك من القضايا المرتبطة بالجنس ــ مثل الأجر والسُلطة. بيد أن ثورة محل العمل لم تنته بعد. فالآن هناك احتياج إلى استراتيجيات جديدة لتشجيع التفاعلات الصحية بين الموظفين. فعندما نتعامل معها على النحو اللائق، تعمل المساواة بين الجنسين على تعزيز ناتج الأعمال والإنتاجية، في حين قد يعمل التمييز على أساس الجنس، إذا تجاهلناه، على تدمير ثقافة المكتب ــ وأكثر من ذلك كثيراً.

كانت الشركات تتبع تقليدياً نهج سد الخانات في معالجة المضايقات والتحرش، باستخدام سياسات مكتوبة ودورات تدريبية، في محاولة واهنة لتشجيع الاحترام. ولكن هذا النهج من أعلى إلى أسفل أثبت عدما فعاليته، كما أثبتت الفضائح في أوبر وغيرها من شركات التكنولوجيا. وإذا كان لنا أن ننجح في الحد من الإساءات في محل العمل، فيتعين على قادة الأعمال وكبار المسؤولين التنفيذيين أن يبتكروا نهجاً جديداً. تتمثل الأولوية الأولى في إيجاد التوازن بين الجنسين عند القمة. فالتنوع في القيادة يشجع التعاون من جانب الموظفين ويؤدي إلى منظمات أكثر صحة. وهذه ليست فكرة جديدة؛ فقد وجدت دراسة نشرت في العام 2016 في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو أن الشركات التي تضم عدداً أكبر من كبار المديرين التنفيذيين من الإناث تولد أرباحاً أعلى. كما أظهرت دراسات أخرى أن النساء يؤدين بشكل أفضل تحت الضغوط، ويتخذن قرارات أذكى غالبا. ولكن على الرغم من الفوائد الواضحة التي تجلبها المرأة، فإنها تظل ناقصة التمثيل في المناصب القيادية العليا في الشركات في مختلف أنحاء العالم.
والتغيير مطلوب في محل العمل الرقمي أيضا. فربما يتربص المفترسون حول مبرد المياه، ولكنهم ينشطون أيضا في المجتمعات على الإنترنت، وغرف الدردشة، والمنتديات. والواقع أن المخاوف التي أثارتها حركة «أنا أيضا» انتشرت بسرعة هائلة في وسائط التواصل الاجتماعي في غضون ساعات، وربما يجتاح غضب مماثل أي منظمة في أي وقت. ولذلك، يتعين على الشركات أن تركز بشكل خاص على تشجيع اللياقة والاحتشام على شبكة الإنترنت، وأن تتعامل بجدية مع أي تعليقات أو مخاوف يعرب عنها موظفوها. وتراقب أغلب الشركات بالفعل وسائط التواصل الاجتماعي لدرء مخاطر السمعة وإرضاء العملاء؛ وينبغي لها أن تفعل الشيء نفسه لحماية موظفيها.
أخيرا، يتعين على الشركات أن تستجيب لشواغل أصغر موظفيها سنا، والذين سيرثون مكتب المستقبل. ومع دخول أعداد أكبر من جيل الألفية إلى قوة العمل ومطالبتهم بقدر أعظم من المساواة، يحظى الموظفون الأكثر شباباً بالفعل بصوت أقوى في العمل مقارنة بالأجيال السابقة. وقد وجدت دراسة حديثة أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية أن الموظفين الذكور الشباب يتمتعون غالبا بعقلية أكثر انفتاحاً مقارنة برؤسائهم في التعامل مع قضايا مثل إجازات رعاية الأسرة والتنوع، مما يشير إلى أن القيادة الحقيقية بشأن المساواة بين الجنسين قد تأتي فعليا من أصغر الموظفين في الشركة سنا.
فضلا عن ذلك، أظهر باحثون في جامعة روتجرز أن أكثر من 50% من جيل الألفية ربما يفكرون في راتب أقل إذا كان ذلك يعني العمل لحساب شركة تشاركهم قيمهم، في حين تلاحظ جمعية إدارة الموارد البشرية أن 94% من العاملين الشباب يرغبون في استخدام مهاراتهم لدعم قضية خيرة. وبدلا من مقاومة هذه الاتجاهات، ينبغي للشركات أن تعمل على تسخير قوى الخير التي يتمتع بها أصحاب المواهب الشابة من العاملين لديها.
لبناء محل عمل أكثر شمولاً، يتعين على الإدارة أن تعمل على صياغة سرد يدعم التغييرات التي يطالب بها موظفوها. والأمر الأكثر أهمية أن الموظفين يحتاجون إلى القدوة. والواقع أن استعداد المشاهير من أمثال سلمى حايك، وروز ماكجوان، وريس ويذرسبون، للمشاركة بقصصهم عن التحرش الجنسي ساعد في تمكين النساء من مختلف مناحي الحياة من البوح علنا بقصصهن أيضا. وسوف يتطلب تغيير ثقافة محل العمل قيادة قوية بنفس القدر. الآن، يلوح هذا التحول في الأفق، وقد ألهمني الرجال والنساء الذين يدعون الأجيال المقبلة إلى العمل معاً بقدر أكبر من الإنصاف. ومن السهل أن تربكنا التعقيدات المحيطة بهذه القضايا، ولكن إذا أمكن تحقيق الالتزام من جانب المديرين والموظفين ببناء بيئة عمل شاملة ويدفعها الغرض، فإن التغيير يُصبِح حتمياً.

الرئيسة التنفيذية لشركة رودر فين.