علي ناجي الرعوي
المتابع للتطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة على اكثر من صعيد ومستوى لا يمكن له تجاهل ما يجري في اليمن من احداث واحتقانات سياسية وجهوية ومذهبية وحرب داخلية وخارجية تعكس بشكل او بأخر طبيعة المأزق الذي يواجه هذا البلد المثقل بإرث من الازمات الممتدة التي جعلته اخيرا في قلب العاصفة.
في نهاية شهر مارس اذار 2015م قادت السعودية تحالفا عسكريا لإعادة الرئيس عبدربه منصور هادي الى السلطة والتصدي لما اعتبرته انقلابا على الشرعية الدستورية وكذا نفوذا ايرانيا متناميا في اليمن عبر بوابة الحوثيين لتدخل اليمن حربا جديدة تضاف الى سائر الحروب والصراعات المشتعلة في المنطقة منذ سنوات إلا انه وبعد مرور اكثر من تسعة اشهر على هذه الحرب وما خلفته من ضحايا وخراب ودمار تبين ان احدا لم يربح في هذه المنازلة فقد استنفذت الاطراف المتنازعة داخليا الكثير من امكانياتها وطاقاتها واستهلكت الاطراف الخارجية المنضوية في اطار التحالف العربي جزءا كبيرا من مقدراتها في هذه الحرب حتى اصيب الجميع بالإعياء واللاجدوى لذا فلم يعد احد يتذكر الغايات والمقاصد التي يريد تحقيقها من وراء هذا النزاع الدموي الذي ترك بصمته على (اليمن العروبي) المتصل بمحيطه جغرافيا والمنفصل عنه سياسيا.
من المفارقات التي تتصف بها (الحرب المنسية) في اليمن هي دخولها حالة المراوحة والرتابة فلا الحكومة المعترف بها دوليا ومن خلفها التحالف العربي تبدو قادرة على حسم المعركة في الميدان ولا هي ايضا متحمسة للوصول الى تسوية معقولة تنهي ذلك الجنون من القتل والقتل المضاد سيما وهي من اخفقت كليا في تأمين المناطق التي تقع تحت سيطرتها من خطر تمدد تنظيم القاعدة الذي احكم على رموزها الخناق في عدن وحضرموت وغيرها من المناطق التي تراجع عنها الحوثيين مما وضع هذه الحكومة في موقف لا تحسد عليه وفي الجانب الاخر ليس هناك أي مؤشر على ان الحوثيين ومن يتحالف معهم على استعداد للرضوخ لاشتراطات التحالف فهم من رتبوا اوضاعهم على حرب استنزاف طويلة مما يجعل من هذه المفارقة اقرب الى حالة سريالية مستعصية على الفهم والتحليل تدفع باليمن الى حافة الفراغ في انتظار تسوية خارجية حوله او التسوية الكبرى على مستوى الاقليم.
تقول الامم المتحدة ان حوالي ستة آلاف يمني على الاقل نصفهم تقريبا من المدنيين قتلوا منذ بدأ التحالف شن غارات جوية على اليمن فيما تقدر مراكز وطنية عدد من قتلوا خلال هذه الفترة بأكثر من ثلاثين الفا وتجزم المنظمة الدولية ان 21 مليون شخص أي نحو 80% من السكان يعيشون ازمة انسانية هي الاسوأ في العالم ويؤكد الامين العام للمنظمة ومبعوثه الخاص الى اليمن اسماعيل ولد الشيخ في كل تصريحاتهما الاعلامية من ان الخيار العسكري لم ولن يكن مفتاح الحل في هذا البلد وان الحوار هو الوسيلة الوحيدة لبلوغ ذلك الهدف الا ان الامر المؤسف ان هذه الاقوال والتصريحات لا تعبر عنها تحركاتهما ولا افعالهما اذ لم نر حتى الان منهما اية محاولة جادة من اجل ايقاف نزيف الدم في اليمن والانكى من ذلك ان دور الامم المتحدة قد انصرف كلية الى الانشغال بتوصيف الازمة الانسانية عوضا عن لجم الحرب مما فاقم من معاناة المجتمع اليمني وحمى المواجهات وأوصد الابواب تماما امام الحلول السلمية وإذا ما عدنا الى سجل المواقف الدولية فسنكتشف انها لم تذهب بعيدا عن المنظمة المعنية بحماية السلام في العالم اكان ذلك بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية او الدول الاوروبية او حتى مجلس الامن الدولي مما يصح معه القول ان المجتمع الدولي يقع على كاهله قسط وافر من مسئولية تعقيد الازمة اليمنية التي اصبحت تهدد بتفكك هذا البلد الى دويلات تعمها الفوضى والعنف وفكر التطرف والإرهاب.
الثابت ان الصراع في اليمن بدأ محليا بامتياز لكنه تحول الى حرب بالوكالة وصراع جهوي ومذهبي افضى الى فجوة عميقة بين اطرافه وفي ذات الوقت فلا ريب انه وكلما تراجعت الحلول السلمية لهذا الصراع كلما زاد خطر تقسيم البلاد وتفتيتها في ظل تصاعد الدعوات الانفصالية والنزعات الجهوية والمناطقية واتساع الرقعة التي يتمدد فيها تنظيم القاعدة بجزيرة العرب وكذا تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) الذي اعلن عن نفسه من خلال عدة تفجيرات استهدفت العديد من المسئولين المدنيين والأمنيين ابرزهم محافظ عدن الذي جرى اغتياله منذ اكثر من شهر بعملية تبناها هذا التنظيم ومثل هذه الاشكاليات ما كان لها ان تصبح بهذا المستوى من التعقيد الا في ظل التداخل العميق بين الازمة اليمنية والأزمة الاقليمية وانعكاسات ما يجري في المنطقة من الحرائق على الاوضاع في اليمن لذلك فان المشهد اليمني بكل اطرافه سيبقى خاضعا لتأثيرات الازمات الملتهبة في المنطقة بعد ان اصبح اليمن اشبه ما يكون بساحة مكشوفة يتم الصراع عليها من قبل اللاعبين الاساسين في هذه المنطقة والذين برهنت الوقائع الاخيرة على انهم لا يتجهون نحو التقارب وانما يجنحون اكثر نحو التصادم مما ينذر باستمرار الحروب القائمة والتصدع في الاقليم الى زمن غير معلوم.
لا يملك اليمنيون ترف الرهان على الجهات الدولية وبالصدارة منها الامم المتحدة لإخراجهم من نفق الازمات والمآزق والحرب التي يكتوون بعذاباتها وعليهم ان يدركوا ان القوى والأطراف الخارجية لا تأبه بمعاناتهم وصراعاتهم وحروبهم حتى لو استمرت عشرات السنين وبالتالي فلابد لهم ان يستشعروا من ان عودة الامن والاستقرار الى اليمن سيبقى مسئولية وطنية تقع على عاتق جميع اليمنيين وقد حان الوقت لكي يدركوا ان اليمن يتسع للجميع وانه ومهما كانت خلافاتهم وتبايناتهم فلازال بوسعهم القفز على كل الجراحات والعودة الى جادة الصواب وبناء مشروع وطني توافقي للمصالحة الوطنية بحيث تقتنع جميع الاطراف انها ليست مستبعدة عن المشاركة السياسية او مستهدفه بنزعات الانتصارات الكاسحة فما كان لأبناء اليمن ان يجدون انفسهم مجبرون على السير في هذه التضاريس المتعرجة إلا لكونهم من فقدوا البوصلة وصارت لهم رؤوسا لا تمارس عناء التفكير فأضاعوا انفسهم وأضاعوا بلادهم.
كاتب يمني