الديمقراطية الليبرالية في إفريقيا يمكن أن تنتظر

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢١/يناير/٢٠١٨ ٠٤:٢٧ ص

سيمبليس أسونجو

يدرك صناع السياسات في أفريقيا أن القيادة الاقتصادية والسياسية القوية تشكل ضرورة أساسية لتحقيق النمو والاستقرار. ولسنوات كان أداء الاقتصادات الأفريقية أفضل من المتوقع، بسبب التزامها بتحسين الحكم. والسؤال الآن هو كيف يمكن الحفاظ على هذا الزخم.

لا تزودنا الاستراتيجيات الحالية بإجابة وافية. فعلى الرغم من التزام القادة في مؤتمر اقتصادي أفريقي عُقِد مؤخرا في أديس أبابا عاصمة أثيوبيا بالإبقاء على إصلاحات الحكم والإدارة على رأس الأجندة الأفريقية، فإنهم لم يقدموا لنا أي مخطط أو برنامج عمل. ومن منظوري، يتيح هذا الفراغ الفرصة للنظر في نماذج حكم جديدة، بما في ذلك تلك التي تستعير من نموذجين اقتصاديين تتناولهما المناقشات عادة: «إجماع واشنطن» و»نموذج بكين». دأب العاملون في مجال التنمية على مناقشة أي النماذج يوفر أفضل إطار للإصلاح. بعبارة بسيطة، يشير مصطلح «الحكم» إلى إطار ديناميكي يتألف من قواعد وهياكل وعمليات تساعد الحكومة في إدارة شؤونها الاقتصادية والسياسية والإدارية.

لكن المبادئ التي تركز عليها أي حكومة تختلف باختلاف النهج. فالنموذج الذي يرعاه الغرب يؤكد على حقوق الإنسان والديمقراطية، في حين يهتم النموذج الذي تناصره الصين بشكل أكبر بالاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي.منذ انتخاب الرئيس دونالد ترامب، كان تركيز الولايات المتحدة، التي تظل واحدة من كبار المانحين لأفريقيا، على المبادئ التي تفضلها الصين ــ مثل الاستقرار السياسي، والتجارة، ومكافحة الإرهاب ــ أكبر من تركيزها على حقوق الإنسان. والأساس المنطقي هنا هو أن نموذج بكين أفضل لأفريقيا في الأمدين القريب والمتوسط. ورغم أن الاعتراف بهذه الحقيقة قد لا يحظى بشعبية كبيرة، فإن ترامب محق في هذا.
الأمر ببساطة أن الغذاء والمأوى والصحة والصرف الصحي الجيد أكثر أهمية في نظر أغلب الأفارقة من حق التصويت. وعلاوة على ذلك، لا يستطيع سوى شعب ثري باعتدال، يضم طبقة متوسطة سليمة الصحة، أن يطالب على النحو الوافي بالحقوق التي توفرها الديمقراطية. ومن عجيب المفارقات أن أسرع طريقة لبناء طبقة متوسطة قوية في أفريقيا تتمثل في التحرك باتجاه تسلسل هرمي من المبادئ التي يروج لها نموذج الصين.
ولكي تتمكن أفريقيا من إعادة توجيه نهجها في التعامل مع الحكم، وتبني إجماع ما بعد واشنطن، فيتعين على قادتها أن يلتزموا بتحسين الفعالية المؤسسية والإدارة الاقتصادية.تشمل المجموعة الأولى من الإصلاحات وضع خطوط واضحة للسيادة مع الشركاء الدوليين. على سبيل المثال، كانت العلاقة بين أفريقيا والجهات المانحة الغربية تركز تاريخياً على الحقوق الفردية قبل الحقوق الوطنية. ولكن في اعتقادي أن الحقوق الفردية لا ينبغي لها أن تنسخ الحقوق السيادية. ومعاقبة دول بالكامل بسبب قوانين تؤثر على أقلية ممارسة هَدّامة.
وقع مثال على هذا العقاب الجماعي في أوغندا في العام 2014، عندما قرر البنك الدولي تجميد نحو 90 مليون دولار في هيئة قروض في أعقاب إقرار الحكومة لتشريع يجرم المثلية الجنسية. وكما قال المتحدث باسم الحكومة الأوغندية في ذلك الوقت، «لا ينبغي للبنك أن يبتز أعضاءه» لحملهم على تبني قيم غربية. ومع ذلك، عندما يُحكَم على نماذج الحكم فقط من خلال عدسة إجماع واشنطن، تُصبِح الفرصة لإيجاد البديل ضئيلة للغاية.على نفس المنوال، تتعلق المجموعة الثانية من الإصلاحات بإعطاء الأولوية للحقوق الاقتصادية قبل الحقوق السياسية. على سبيل المثال، لا ينبغي إخضاع الساسة الذين يديرون الاقتصاد بشكل جيد لمدد ولاية محددة. فلا سنغافورة ولا الصين دولة ديمقراطية؛ ولكن القادة في كل من البلدين استخدموا سلطاتهم السياسية لتحسين مستويات المعيشة. ويبدو إرغام القادة على التنحي في منتصف إصلاحات اقتصادية جارية ممارسة هَدّامة.هذه الأفكار ليست بعيدة المنال. فاليوم، نجح قادة رواندا، التي تُعَد على نطاق واسع قصة نجاح أفريقية، في تعزيز الاستقرار من خلال التحرك بعيدا عن نهج إجماع واشنطن في التعامل مع الحكم.
من الناحية السياسية، تُعَد رواندا دولة قوية ومنضبطة ومنظمة، ولكنها ليست ليبرالية. ومن الواضح أن إعادة انتخاب الرئيس بول كاجامي في العام الفائت بأغلبية ساحقة ترتبط بالسلطة القوية أكثر من ارتباطها بالديمقراطية. فعلى الرغم من الشعبية التي يتمتع بها كاجامي، كانت حكومته موضع انتقاد بسبب خنق حرية التعبير وحقوق الإنسان في الفترة السابقة للتصويت. والاستنتاج الذي أستخلصه هنا ليس أن حقوق الإنسان لا تهم، ولكن الانضباط السياسي والأشكال المنقوصة من الديمقراطية تُصبِح مقبولة إذا كان الطرف الآخر من المقايضة التقدم المتواصل في الإدارة الاقتصادية والمؤسسية.ينبغي لنا أن نكون صادقين فِكريا وأن نسمي الأشياء بمسمياتها. ولا ينبغي لأهل رواندا أن يخجلوا من تقديرهم لقيمة القوة الاقتصادية والإدارية أكثر من الانتخابات النزيهة. السؤال المطروح على الدول الأفريقية الأخرى التي تسعى إلى إصلاح نماذج حكمها إذن يدور حول القدر الذي ينبغي لها أن تحاكيه من نهج رواندا.لن نجد كل الإجابات لا في إجماع واشنطن ولا في نموذج بكين. ولكن كما أظهرت رواندا، فإذا كان الانضباط والقيادة القوية من العوامل التي تُفضي إلى تحسين حياة الناس وتسليم المنافع العامة، فربما ينبغي لنا أن نعتبر الديمقراطية الليبرالية أولوية طويلة الأجل.

سيمبليس أسونجو كبير خبراء الاقتصاد لدى قسم البحوث في المعهد الأفريقي للحكم والتنمية.