القاهرة- خالد البحيري
أمتار قليلة تفصل بين حي المعادي جنوب العاصمة المصرية القاهرة بكل ما فيه من أثرياء ورفاهية، و"عزبة خير الله" بكل ما فيها من فقراء، يعانون من سطوة الأفاعي والعقارب، التي لم تتجرأ يوما أن تشق طريقها إلى المرفهين في الحي الراقي، وقررت مع سبق الإصرار والترصد أن تشق طريقها في عزبة يتخطى تعداد سكانها حاجز النصف مليون مواطن.
وبينما تأتي سيارات المدارس الخاصة لتصطحب أبناء ساكني المعادي، يقطع تلاميذ المدارس من المنطقة الفقيرة المتاخمة المسافة سيرا على الأقدام، ومن يسعفه الحظ يستقل "توك توك".
الحياة التي رصدت "الشبيبة" بعض فصولها مؤلمة للغاية، وتكذب كل الأرقام التي تتحدث عن العدالة الاجتماعية، أو تشير إلى معالجة مشكلة العشوائيات من الجذور.
في البداية تساءل محمد حسب الله أحد سكان هذه المنطقة: هل استيقظت من نومك في أحد الأيام على مشهد ثعبان يتلوى تحت فراشك، أو عقرب يقف على بعد خطوات من موضع رأسك؟ وهل جربت الحياة في مكان بلا خدمات وبلا مدارس أو مستشفيات وبلا صرف صحي أو طرق ممهدة للسير؟
ويتبرع بالجواب قائلا: إن لم يكن واجهك أمر واحد من هذه الأمور، فهنا في عزبة خير الله يعيش نحو نصف مليون نسمة في منطقة فيها كل هذه الصعاب، يفتقرون إلى أبسط الحقوق الإنسانية التي كفلتها قوانين حقوق الإنسان ومن قبلها كفلتها الشرائع السماوية.
ويضيف: هؤلاء البؤساء الذين يستيقظون كل يوم على كارثة جديدة تهدد حياتهم وأمنهم، لا يشعر بهم أحد وهم يعانون من الألم والمشقة ويذوقون طعم المر إن فكروا في إلحاق أبنائهم بقطار التعليم، ورغم اقترابها من واحد من أرقى أحياء القاهرة وهو حي المعادي إلا أن المتجول بين أزقتها يشعر بحجم المأساة التي يعيشها الناس هنا كل يوم.
وأردف حسب الله: أزمات الأهالي لا تنتهي، ولعل أبرز تلك الأزمات مشكلة تملك الأراضي، وهي مشكلة تمتد لأكثر من أربعين عاما وتحديدا في منتصف السبعينيات، حيث بدأ توافد العديد من أبناء الصعيد، والأقاليم المختلفة على القاهرة بحثا عن لقمة العيش، ولكن اصطدم هؤلاء بمعضلة توفير السكن، وكانت هناك شمال حي المعادي بالقاهرة منطقة صخرية تقطنها الزواحف والحشرات، فلم يجد الوافدون على القاهرة بُدا من إنشاء حجرات من الحجارة الموجودة بتلك المنطقة، ومن هنا بدأت مرحلة البناء في هذه المنطقة، ومن الحجرات تكونت المنازل بطريقة عشوائية وبتخطيط بدائي من الأهالي الذين قدموا ليسكنوا في تلك المنطقة.
رائحة الفقر
ما أن تسير خطوات داخل العزبة، إلا وتشم رائحة الفقر في كل ركن، وأصبح العديد من ساكنيها في تعداد الأموات نظراً للحياة التي يعيشونها، والتي تفتقر إلى أبسط وسائل المعيشة، بدءا من الأرض الصلبة غير الممهدة، مرروا بحياة بعضهم في عشش وحجرات من الحجارة أشبه بالأكواخ، فضلاً عن الزواحف والثعابين التي تهاجم الأهالي من وقت لآخر، وأصبح من المألوف وقوع الكثير منهم فريسة للدغات الثعابين والعقارب، ويزيد من همهم عدم وجود رعاية صحية كافية، ولا مستشفيات، بل فقط بضع عيادات خاصة لبعض الأطباء، وقد يداهم المرض أحدهم فلا يجد ثمن العلاج ولا يقدر على سداد ثمن الكشف عند الطبيب.
ويرى عبد الحميد عبد السلام المحامي أن العمر الذي قضاه الأهالي في المنطقة لم يشفع لهم عند الحكومات المصرية المتعاقبة، ولم يتمكنوا من الحصول على وثائق تثبت ملكيتهم للأراضي التي يعيشون عليها. العزبة التي تقوم على مساحة 480 فداناً أي حوالي كيلومترين مربعين، يقسمها الطريق الدائري إلى جزأين: شمالي، وجنوبي، وهناك مخاوف من حدوث انهيارات صخرية في حوافها الأمر الذي قد يعرض حياة الآلاف للخطر حال حدوثه.
مدرسة واحدة
وتقول فاطمة عبد التواب التي تبدو من لهجتها أنها نازحة من إحدى محافظات الصعيد، وتتمتع بقدر لا بأس به من التعليم: يواجه أبناء العزبة بجانب مخاطر الأمراض والأوبئة التي قد تصيبهم بسبب انتشار الزواحف والحشرات، مخاطر الجهل نظراً لعدم وجود أماكن كافية للتعليم، حيث توجد مدرسة ابتدائية وحيدة تقع في شارع النجاح؛ الشارع الرئيسي بالعزبة، وبه يوجد سوق لبيع الفواكه والخضروات وبعض المحال التجارية البسيطة، وهو دائما مكتظ بالمرتادين، والمدرسة لا تكفي جميع أبناء العزبة، ويعمل بجانب المدرسة معهد أزهري خاص، ما يمثل أزمة كبيرة بالنسبة للأهالي في توفير أماكن لتعليم أبنائهم، وعند رغبة ولي الأمر في إلحاق ابنه أو ابنته بالمدرسة يكون عليه البحث عن مدرسة خارج هذا المربع السكني، بكل ما يعنيه من تكلفة مادية كبيرة للانتقال يوميا من وإلى المدرسة البعيدة، وفي أغلب الأحيان لا يستطيع الأب توفير هذه النفقات فيكون الحل الأمثل بالنسبة له، سحب ابنه من التعليم ليزداد عدد المتسربين من العملية التعليمية بفعل الفقر والحرمان.
إضافة إلى ذلك، فإن العزبة محرومة من كافة الخدمات الأخرى، ولا توجد فيها شبكة للصرف الصحي، ورغم أن موقع العزبة يمتاز بقربه من العديد من المناطق الأثرية، وقربه من الطريق الدائري بالقاهرة إلا أنها ما زالت تعاني من عدم اكتراث المسؤولين بتوفير الخدمات اللازمة للأهالي.