جاي فيرهوفشتات
ـ هناك ما لا يقل عن ست أزمات تختبر الآن استقرار أوروبا: الفوضى الإقليمية الناجمة في الأساس عن الحرب في سوريا، والخروج البريطاني المحتمل من الاتحاد الأوروبي، وتدفق اللاجئين على نطاق غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، والتحديات المالية التي لم تحل بعد، والنزعة التوسعية الروسية، وعودة النعرة القومية إلى الحياة السياسية.
كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتن سبباً في تفاقم أربع من هذه الأزمات على الأقل عامداً متعمدا. فبالإضافة إلى مغامرته في أوكرانيا، ضخ بوتن العراقيل في شرايين السياسة الأوروبية من خلال دعمه للأحزاب الشعبوية المشككة في أوروبا، وعمل على تصعيد الصراع في الشرق الأوسط من خلال تدخله العسكري في سوريا، والذي أدى إلى تفاقم أزمة اللاجئين. ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن ينتبه إلى التهديد الذي يفرضه بوتن وأن يبدأ في مواجهة عدوانه.
الواقع أن النزعة القومية التي تجتاح أوروبا، كانت تتغذى جزئياً على التمويل الروسي للأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة، والتي تسبب صعودها في منع أوروبا من صياغة استجابة جماعية لأزمة اللاجئين. وفي المملكة المتحدة، دأب حزب استقلال المملكة المتحدة على مضايقة وانتقاد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، لحمل الحكومة على رفض الالتزام بقبول حصة بريطانيا العادلة من اللاجئين. وعلى نحو مماثل، أغلقت السويد حدودها في الاستجابة للصعود السريع الذي سجلته أرقام استطلاع الآراء بشأن حزب الديمقراطيين السويديين اليميني المتطرف. وتجري مثل هذه الحسابات المؤسفة في مختلف أنحاء القارة.
ومن ناحية أخرى، تعمد بوتن تقويض الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي في التفاوض على حل سياسي للصراع في سوريا، التي تُعَد السبب الرئيسي وراء أزمة اللاجئين. فكان دعم روسيا لهجوم الحكومة السورية على مدينة حلب سبباً في إحباط عملية السلام، التي تعتمد على التعاون بين اللاعبين الدوليين، والقوى الإقليمية، والقوى المعارِضة المعتدلة التي يقصفها بوتن.
في الخامس عشر من فبراير ، قُتِل ما لا يقل عن خمسين شخصا، بينهم نساء وأطفال، في هجمات صاروخية على مدارس ومستشفيات في شمال سوريا، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة. وقد اطلقت الحكومة الفرنسية على هذه الهجمات وصف "جرائم حرب" ــ وهي محقة في ذلك. صحيح أن روسيا أنكرت تورطها في ذلك الأمر، ولكن شظايا من صواريخ روسية عُثِر عليها في موقع الهجمات. وقالت جماعة الإغاثة "أطباء بلا حدود" إن روسيا فقط أو الحكومة السورية هي التي قد تكون مسؤولة عن الهجمات.
وعلاوة على ذلك، تسبب القتال الدائر حول مدينة حلب في نزوح نحو خمسين ألف شخص، وفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر. وسوف يتوجه العديد من هؤلاء السوريين اليائسين ــ وهم في الأساس أولئك الذين لم يتمكنوا من الفرار من قبل ــ إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.
وتسقط روسيا القنابل حتى في حين يزعم بوتن أنه يدعم وقف إطلاق النار. ومن الواضح أنه غير صادق، كما يُظهِر سجل الكرملين في أوكرانيا أيضا. ومع انصراف انتباه الولايات المتحدة إلى حملتها الانتخابية الرئاسية، يجد قادة أوروبا أنفسهم رابضين وحدهم، في حين يحطم الدب الروسي الباب عليهم. والآن حان الوقت لاتخاذ إجراءات فورية.
فأولا، يتعين على الحكومات الأوروبية أن تضع حداً سريعاً للتمويل الروسي للأحزاب السياسية داخل أوروبا. وإذا لزم الأمر، ينبغي لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أن تساعد في تحديد الكيفية التي يتم بها نقل هذه الأموال. ولابد من مواصلة الجهود إلى أن يتم إغلاق خطوط الأنابيب التي تضخ الأموال الروسية إلى الأحزاب الأوروبية إلى الأبد.
وثانيا، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يكون مستعداً لفرض عقوبات اقتصادية معززة على روسيا. والواقع أن قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يرسم خريطة طريق لعملية السلام السورية، يلزم الأطراف كافة، بما في ذلك روسيا، بوقف الهجمات العشوائية ضد المدنيين. ولابد من إطلاق هذه العقوبات إذا لم تلتزم روسيا بتعهداتها.
وثالثا، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يعمل مع تركيا وغيرها من القوى الإقليمية على إقامة ملاذات آمنة على الحدود التركية السورية، حيث يتوجه اللاجئون من حلب وأماكن أخرى. ورغم أن هذا لا يخلو من بعض المخاطر، فلا توجد بدائل ذات مصداقية.
وأخيرا، يتعين على أوروبا أن تكف عن تيسير مهمة بوتن وأن تسعى إلى تنفيذ نهج جماعي في التعامل مع تدفق اللاجئين. وكجزء من استجابة طارئة، لابد من تأسيس قوات حدودية وخفر السواحل وتكليفها بمساعدة اليونان في إدارة حدودها، فضلاً عن إنقاذ الأرواح والتعامل مع الوافدين الجدد.
وفي الوقت نفسه، يجب استخدام أموال الاتحاد الأوروبي لتحسين الأوضاع في مخيمات اللاجئين في تركيا والأردن وأماكن أخرى، لتزويد سكانها ببعض الأمل في التمكن من تلبية احتياجاتهم الأساسية على الأقل. ويتعين على زعماء أوروبا أن يوافقوا على تقبل حصة عادلة من أولئك المحتاجين، من خلال السماح للاجئين بالتقدم بطلب اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي مباشرة من البلدان التي يقيمون فيها حاليا.
كان جورج سوروس محقاً عندما زعم مؤخراً أن التهديد الطويل الأمد الأكبر لاستقرار الاتحاد الأوروبي هو روسيا. ولكنه كان مخطئاً عندما اقترح أن الاتحاد الأوروبي يوشك على الانهيار تحت وطأة الأزمات المتعددة التي يواجهها. والآن حان الوقت لكي تفرض أوروبا نفسها، وأن تسخر قوتها الاقتصادية وتستخدمها لوضع بوتن في مكانه اللائق.
رئيس وزراء بلجيكا الأسبق،