اليمن: سيكولوجية الصراع.. ورهاب المراجعة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٨/يناير/٢٠١٨ ٠٢:١٥ ص
اليمن: سيكولوجية الصراع.. ورهاب المراجعة

علي ناجي الرعوي

كثير هم الذين يشعرون اليوم أن الحرب في اليمن قد نجحت في فرض وقائعها وأن كل شيء بعد ثلاث سنوات على بدء هذه الحرب الضروس قد تغير في هذا البلد وتغيرت معه جميع المعطيات والظروف والوقائع والمواقف فتهاوت قلاع قبلية وانتثرت تحالفات واختفت وجوه وظهرت أخرى إلى واجهة المشهد وانقسمت البلاد في ظل هذا الواقع المشتت والمتداخل في ذات الوقت على المستويات السياسية والعسكرية الى عدة حكومات وعدة جيوش وعشرات من الجماعات المسلحة ومئات الآلاف من المقاتلين والمسلحين الذين يتوزعون على الجغرافيا اليمنية .

وكثير هم الذين كتبوا عن المحنة التي تمر بها اليمن حاليا بل أن البعض قد رأى في هذه المحنة درساً مجانياً ومفتوحاً للجميع لأجل التعلم.. وكثير هم الذين لا يجهلون أيضا أن اليمن الآن تتجاذبه أطراف داخلية وخارجية مما جعل من الصراع الدائر على ساحته مرتهن للصراع المحتدم في المنطقة وأن من بيده تقرير مصائر ذلك الصراع ليس الفاعلين المحليين الذين يتقاتلون على الأرض بعد أن غابت عنهم الرؤية جهلا أو تضليلا وأحرقت مظلتهم وإنما هي القوى التي تمسك بأطراف اللعبة في هذا الصراع وغيره من الصراعات الملتهبة في المنطقة.

غير أن ما يعنينا هنا هو ما يطرحه الناس الذين يكتوون بنيران ذلك الصراع من أسئلة حول الوقت الذي ستمضيه اليمن غارقة في مستنقع العنف والاقتتال بعد أن أصبحت الطريق مفتوحة للأهواء السياسية العابرة وكذا صعوبة الجمع بين المصالح المتعارضة والمتناقضة لأطراف الصراع وإصرار بعض هذه الأطراف على التمسك بالحل العسكري والقضاء على الخصوم مما يقوض كل محاولة للخروج من المأزق الراهن وإيقاف دوامة العنف التي تنهش الجسد اليمني قتلا وتدميرا وجوعا وتمزقا وهذا بحد ذاته يعكس تماما أن التفكير بمشاريع واضحة المعالم لدعم الحلول الوسط على قاعدة فن الممكن لا يزال على المستوى العملي غائبا أو مغيبا أو مؤجلا على المدى المنظور وهو ما سيدخل اليمن في مرحلة استفهامات جديدة لا يمكن التنبؤ بتفاصيلها إن لم تصبح كل المالات مفتوحة على كل الاحتمالات .

لا يملك أحد إجابة دقيقة بالتأكيد لمثل تلك التساؤلات التي تتردد غالبا على السنة البسطاء من اليمنيين الذين لا يجدون أمامهم أية منهجية منطقية تقودهم إلى نتائج موصوفة تحدد صعوبات مسارات الحلول وقد يكون سبب ذلك لغياب إرادة الحل لدى الفرقاء المحليين وحلفائهم الإقليميين ومع ذلك فان تلك الأسئلة تستحق التفكير لعللها تساعد أو تقود العقلاء أن بقي هناك عقلاء في هذا البلد إلى استنهاض دورهم والمسئولية الملقاة على عاتقهم والتحرك في اتجاه كسر الحلقات المفرغة داخليا ومن ثم إقناع الأطراف الإقليمية بتجنيب اليمن صراعاتها ومساعدته على التوصل إلى تسوية سلمية تستقطب جميع الفاعلين تحت مظلتها.
من الطبيعي في مثل هذا الوضع المعقد والشائك الذي تمر به اليمن أن لا تموت محاولات النخب اليمنية أو تتوقف جهودها الهادفة إلى إعادة روح التصالح تحت تأثير الركون على العوامل الخارجية ومواقف الدول الكبرى والدول الإقليمية المنخرطة في الصراع إذ لابد من وضع مصلحة البلاد العليا في إطارها الصحيح وببساطة فما نراه اليوم ليس حصادا للعنة شيطانية أو مؤامرة كونية وإنما هو نتيجة انجرار الشريحة المؤثرة من الموطنين المحسوبين على النخبة السياسية والحزبية والمثقفين والقادة وراء مصالحهم الشخصية وإرادة الدول المتصارعة في الساحة اليمنية.
المتابع لتفاصيل الموضوعات المحلية سيلحظ ربما أن النخب اليمنية انغمست في حالة الاستقطاب والانقسام وأن دورها قد تلاشى بمعناه المنظم والمعبر عن مصالح الناس وأولوياتهم وهو ما أتاح عملياً لأن تحل القيادات المتصارعة على السلطة أو على خلفيات مناطقية أو جهوية أو ثأرية قديمة محل تلك النخب التي فشلت في إنتاج مشروع وطني قادر على معالجة أسباب الحرب وتصحيح بوصلة مركبها ودفع البلاد الى طريق الاستقرار على الرغم من استيعاب تلك النخب ان أي حل يجب أن ينبع من داخل اليمن فاليمنيين هم الخاسر الأول والاهم من طول أمد الصراع واستمرار الحرب وليس غيرهم.

مهما تباينت الآراء حول سيكولوجيا الصراع في اليمن فلست مع الرأي القائل إنه لا توجد في الوقت الراهن قوة سياسية أو نخبوية في الداخل بوسعها لم شمل البلاد تحت مشروع وطني للتصالح يجمع عليه اليمنيون بحجة أن كل النخب بما فيها الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني صارت موزعة بين معسكرات المتقاتلين وليس بإمكانها تجاوز معسكراتها لقناعتي بانه وحتى وان كان ذلك فمازال بوسع تلك النخب إعادة تقييم علاقتها وفك ارتباطاتها وفق معادلات وطنية تجعل منها رافعة لصوت السلام إلا أنها ولكي تصبح هذه الرافعة فان عليها أولا تخطي رهاب الاعتراف بالتقديرات الخاطئة وهمسات النقد الموجهة إليها وامتلاك الاستعداد لإعادة تقييم مواقفها ومراجعة علاقاتها بمكونات الصراع وبما يسمح لها باقتراح الحلول القابلة للتطبيق والاستمرارية انطلاقا من تحفيز وتشجيع فرقاء الصراع على تقديم التنازلات والسير في طريق السلام الذي ينتشل البلاد من دوامة التنازع والتناحر والحروب بالوكالة.

ما يجري في اليمن هو أكبر عملية انتحار جماعية وذلك بسبب الإخفاق في إدارة الخلاف والاختلاف بل إن من يتعمق في اللا معقول الذي حدث ومازال يحدث سيصاب بالذهول وهو يقف على فظاعة التدمير والقتل والمجاعة والأوبئة الفتاكة بينما قادة الحرب وصناعها يدفعون للمزيد من التحشيد العسكري وتصعيد وتيرة العنف وكأنهم يؤهلون أبناء هذه الدولة المفككة والمنهارة إلى مستقبل أكثر فوضوية ودموية وأكثر إدمانا على جرعات التوحش.

نقطة الصفر تتمثل في صيغة توافقية بعيدا عن المغالبة تجمع شتات اليمنيين وتفتح أمامهم ثغرة لضوء السلام والاستقرار والتصالح والتسامح.