ملف العمّال الصعب

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٧/يناير/٢٠١٨ ٠٤:٥٨ ص
ملف العمّال الصعب

فريد أحمد حسن

من المشكلات التي تعاني منها دول مجلس التعاون الخليجي بشدة اليوم وينبغي إيجاد الحلول المناسبة والعاجلة لها مشكلة إغراق سوق العمل بالعمال الأجانب والتي تعني في أبسط صورها استنزاف الأموال وتحويلها للخارج واستفحال مشكلة البطالة بين الشباب الخليجي وكثير منه من ذوي الدرجات الجامعية، يزيدها تعقيداً أن سياسة جلب الأيدي العاملة في المجمل مرتجلة ولا ينظر المعنيون بها كثيرا إلى آثارها السلبية على المجتمعات الخليجية التي وصلت حد ابتداع لغة غريبة تهدد سلامة اللسان العربي ومستقبله وخصوصية المجتمعات الخليجية، ولهذا فإن على المسؤولين في دول التعاون كافة إعطاء هذه المشكلة اهتماما أكبر وجادا لأنها مرتبطة بأمور كثيرة آنية ومستقبلية وبعضها يمكن أن يتسبب في فقدان الاستقرار كونه مرتبطاً بجوانب أمنية لا يمكن التغافل عنها خصوصا في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها العالم بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي بشكل خاص والتي تتطلب الكثير من الحذر والنظر بعين الريبة إلى أمور كثيرة، فالعمال الأجانب يظلون في كل الأحوال أداة يمكن استغلالها بشكل سالب من قبل أولئك الذين لا يريدون الخير لدول التعاون والذين يترصدونهم ليل نهار.

المقارنة بين نسبة المواطنين العاملين في دول مجلس التعاون والعاملين الأجانب تصب في صالح الأجانب، هناك بالتأكيد أمور لا يمكن تجاهلها، فالخليجيون لم يعودوا يقبلون بالوظائف البسيطة خصوصاً وأن مردودها قليل ولا يمكن أن يوفر الحياة المطلوبة والتي تشعرهم بأنهم ليسوا أقل من غيرهم من المواطنين، وكذلك تشعرهم بأن السنين التي قضوها في المدارس والجامعات لم تضع وأن مردودها يستحق هذا العناء.

أيضاً من المسائل التي لا يمكن تجاهلها أن القطاع الخاص لم يكن يغري الخليجيين للالتحاق به وأنهم يعتبرونه مجرد محطة انتقال حيث ظل الالتحاق بالعمل الحكومي هدفا وغاية لوفرة الامتيازات، وهذا أمر يتضرر منه القطاع الخاص الذي يكتشف بعد قليل أنه إنما أضاع وقته وجهده وماله في تدريب من يمكن أن يقرر في لحظة الانتقال إلى العمل في المؤسسات الحكومية أو في شركات أخرى يتبين له أن رواتبها أفضل.
كل هذه الإشكاليات لا يمكن غض الطرف عنها وهي في كل الأحوال أسباب تؤدي بشكل تلقائي إلى تفضيل القطاع الخاص العامل الأجنبي الذي يسهل ضبطه والتحكم فيه ويقبل براتب أقل وتظل مشكلاته أقل ولا يكلف كثيراً حتى مع الأنظمة الجديدة التي تعمل على تسويق العمال المواطنين وفتح الأبواب لها للالتحاق للعمل في القطاع الخاص. بناء على كل هذا صار لزاما على دول مجلس التعاون أن تعمل ضمن استراتيجية عمالية موحدة تمنع إغراق سوق العمل بالعمال الأجانب وتنتصف للمواطن الخليجي، وتمنع استنزاف الأموال وتحويلها إلى الخارج في الوقت الذي هي في أمس الحاجة إليها. أيضا صار لزاماً على دول التعاون إيجاد تشريعات وآليات تضمن بها كل ذلك كي لا يأتي يوم يصعب عليها حل المشكلة وترى فيه طوابير العاطلين الذين لا يمكن مهما فعلت منع تأثيرهم السالب على المجتمعات الخليجية. هناك أيضا مشكلة أخرى لا تزال تبحث عن حل وهي أن مخرجات التعليم غير قادرة على تلبية احتياجات سوق العمل، لهذا فإن الكثير من الخريجين الجامعيين يكتشفون أن التخصصات التي درسوها لا تلبي تلك الاحتياجات فلا يجدون الوظيفة التي تناسبهم والتي يستطيعون من خلالها العطاء بشكل أفضل فينضمون إلى العاطلين الذين من الطبيعي أنهم لن يقبلوا بفكرة تغيير تخصصاتهم والعودة إلى مقاعد الدراسة إلا في حالة واحدة هي تكفل دولهم بصرف مرتبات مجزية لهم في تلك الفترة، وهو أمر يبدو غير منطقي خصوصا في مثل هذه الظروف التي تمر بها دول التعاون حيث لا يزال سعر برميل النفط الذي تعتمد عليه منخفضا وغير قادر على تغطية نفقاتها المتزايدة. ملف العمال الأجانب والعمال المواطنين ملف خطير ولا يمكن إلا التعامل معه بكثير من الجدية وإيجاد الحلول المناسبة لكل المشكلات الواردة فيه، والتقصير في ذلك نتيجته وبال على المجتمعات الخليجية كافة. يكفي النظر إلى ما فعلته البطالة بين المواطنين في العديد من الدول العربية وغير العربية وفي حكوماتها ومجتمعاتها ليدرك الجميع خطورة هذا الملف وما يمكن أن ينتج عن التأخر في حل المشكلات التي يتضمنها، حيث البطالة تعني في بعض معانيها الجوع، والجوع كافر، وليس مبالغة القول إن استمرار هذه الحال نتيجتها حصول بعض ما حصل في تلك الدول والوصول إلى مرحلة تصادم غريبة على المجتمعات الخليجية وغير لائقة بها.
ربما حان الوقت لتشكيل فريق عمل خليجي لدراسة هذا الملف من كل جوانبه وإيجاد التشريعات التي تسهل انتقال العمال الخليجيين بين دول مجلس التعاون بدل الاستيراد من الخارج.

كاتب بحريني