كلثوميات..ما بين «أمل حياتي» و«من أجل عينيك»

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٥/يناير/٢٠١٨ ٠٦:٠٠ ص
كلثوميات..ما بين «أمل حياتي» و«من أجل عينيك»

أحمد المرشد

لم أكن أتخيل ردود الفعل المؤثرة التي تلقيتها بمجرد نشر مقالي السابق عن قصة قصيدة «الأطلال» للشاعر الطبيب المصري إبراهيم ناجي والتي ألقتها بروعتها المعهودة أم كلثوم ونالت شهرة مصرية وعربية وعالمية لأنها غنتها في باريس فعرفها الجمهور هناك وانبهر بصوتها كما انبهرنا نحن بها بل وأكثر، لأنهم اكتشفوا أن أحبالها الصوتية نادرة وطبقة صوتها قلما يجود بها الزمان لمطرب أو مطربة..أي نعم، ثمة مطربون كثيرون في أوروبا والعالم يتمتعون بطبقات صوتية عالية ولكنها لم تصل إلى حد مضاهاة أم كلثوم، ولهذا فنحن لا نزال نتذكرها صوتا وكلمات وألحانا، ليس هذا فقط فكم ألهبت فينا قصص حب عشناها مع كلمات أغانيها وقصائدها. ولعلي هنا لا أتحدث عن نفسي بل عن أجيال عاصرت الراحلة العظيمة أم كلثوم حتى الذين ولدوا بعدها عاشوا الحب مع أغانيها.

كتبت في موضوعي السابق عن عامين، ماض ينتهي وآخر آت، فكانت «الأطلال» مناسبة للوقت فهي تتحدث عن حب قديم ومضى إلى حال سبيله، ولكنني اليوم ربما أعيش أيضا مع الذكريات ولكن ليس بين مقارنات بين وقتين ماض وقادم، فالحب يدوم حتى لو اعتقد البعض أنه انتهى أو ذهب لحال سبيله.. فمن منا لم يحب ولم يعش قصة حب خالدة، إن لم يكن بينه وبين محبوب، فبينه وبين نفسه، ومن يسعده الحظ من يستطع البوح بقصصه الخالدة سواء من طرف واحد أو مكتملة، ومن لم يسعده الحظ فليكتمها بين أضلعه حتى يشتد أنينه، ونقول له من كل قلوبنا: «احكي، تحدث، تكلم، أو على الأقل اكتب وارمي ما كتبته».. تقول التجربة أوالتجارب إن كتابة قصص الحب الشخصية تمنح المرء قوة ذاتية وطاقة إيجابية حتى إن لم يقرأها أحد غيره، فيكفيه أن يفصح عن مشاعره الجياشة ويفيض بها مع نفسه، فالنفس هنا غير لوامة ولكنها ستسعد، ولعلكم تجربون وتسعدون، فالحب سعادة ومتعة، ولهذا سنعيش مع قصة أغنيتين من أروع ما شدت به أم كلثوم، أولو شئنا الدقة، أغنية هي «أمل حياتي» وقصيدة «من أجل عينيك».

وأبدأ بـ»أمل حياتي» وهي بالمناسبة كتبت عنها كثيرا ولكني لا أدري لماذا تشغلني هكذا؟ أو لماذا أنا شغوف بها إلى هذه الدرجة؟، حقيقي لا أعلم، ربما لكلماتها وشاعريتها ومعانيها، ربما لأسباب أخرى حتى أن نفسي تجهلها، ولكني فعلا لا ولن أمل من الكتابة عن «أمل حياتي» لشاعرها المبدع صاحب «أنت عمري» التي جمعت أم كلثوم لأول مرة في حياتها الفنية مع محمد عبد الوهاب، لتجمعهما أيضا «أمل حياتي» حتى يستكملان معا النجاح منقطع النظير الذي حققته «أنت عمري» فما كان من «أمل حياتي» إلا أن تفوقت على الأغنية الأولى وتحتل المرتبة الأولى في مبيعات الأسطوانات وقتها، وليكون ثالثها في الإنجاز الشاعر المبدع أحمد شفيق كامل.
ولتلك الأغنية الرائعة قصتان عن كتابتها أو فكرة نظمها، تحكي الرواية الأولي أن أم كلثوم طلبت من أحمد شفيق كامل كتابة أغنية جديدة لها بعد نجاح «أنت عمري»..ليس هذا فقط، فما كان من عبدالوهاب أيضا إلا أن طلب هو أيضا من صديقه الشاعر كتابة أغنية جديدة، فتوالت اللقاءات بينهما – الملحن والشاعر – على فترات متقاربة جدا، وكذلك تواصلت لقاءات أم كلثوم وكامل الذي انضم إلى قائمة كبار شعرائها الذين غنت لهم مثل أحمد رامى ومأمون الشناوي وكامل الشناوي ومرسى جميل عزيز وعبدالفتاح مصطفى وعبد الله الفيصل وعبد الوهاب محمد وغيرهم.

وتقول الرواية أن الشاعر أحمد شفيق كامل لم ينم منذ نجاح أغنيته الأولى لأم كلثوم، وظل يفكر في فكرة ملحمة جديدة يكتبها لها، فغلبت عليه حكاية «أمل حياتي» التي بدأ في نظمها، ثم فاتح عبد الوهاب في «الكوبليه» الأول وكان»أمل حياتي يا حب غالي ماينتهيش.. يا أحلى غنوة سمعها قلبي ولا تتنسيش.. خد عمري كله.. بس النهاردة خليني أعيش.. خليني جنبك.. في حضن قلبك.. وسيبنى أحلم.. ياريت زماني مايصحنيش».
رد عبد الوهاب على ما كتبه كامل لم يكن كلاما بل بابتسامة عريضة دليلا على الرضاء التام والإعجاب الشديد برومانسية الكلمات، ومع ابتسامة عبدالوهاب انبهار بهذا المدخل الجميل وطلب من شفيق أن يلقيه عليه مرة أخرى كي يستمتع به وتستمتع به أذناه حتى يتفاعل معها بعوده،
المفاجأة أن كلمات الأغنية كاملة كانت في ذهن كامل ولكنه آثر أن يلقي الكوبليه الأول فقط منها على مسامع عبد الوهاب حتى يتأكد من عذوبة الكلمات

لم يمر وقت طويل حتى انتهى عبد الوهاب من تلحين الأغنية لتبدأ البروفات مع الفرقة الموسيقية بسرية تامة وكانت هذه هي عادة عبد الوهاب وأم كلثوم معا، يجريان كل أمورهما في تكتم شديد حرصا على عدم تسرب كلمات الأغاني أو أجزاء من اللحن.
وحتى لا أطيل، تروي الحكاية الأخرى لـ «أمل حياتي» نقلا عن حبيب علي الجفري الشاعر الكبير أحمد شفيق كامل أسري له في أواخر أيامه في لقاء بأحد المساجد، أنه كتب أغنيتي»أنت عمري» و»أمل حياتي» في الروضة الشريفة مخاطبا بها الحبيب صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يعرف أحد تلك القصة سوى السيدة أم كلثوم وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.

ويسترجع الجفري المناجاة فيقول شفيق في أجمل كوبليه بالأغنية وكل كوبليه أجمل تعبيراً وإحساساً من الآخر

دي السعادة والحنان في هواك

ما تقضيهاش أجيال طويلة
حبك يا حبيبي ملا قلبي وفكري
بينور ليلي ويطول عمري

وإذا كنت بدأت بـ»أمل حياتي»، فاختم كما وعدت بـ»من أجل عينيك»، ولكن بعد سرد كيف تعرف كاتبها الأمير عبد الفيصل على أم كلثوم.. وأنقل هنا رواية عبدالله الفيصل نفسه عن أول لقاء له بأم كلثوم، وهو يتسم بحلو الحديث وحكاء ممتاز، يقول في حوار إذاعي له أنه كان في مصر عام 1947 وأراد هو وأصدقاؤه حضور حفل لجمعية المرأة الجديدة تحت رعاية الأميرة فايزة، فلم يستطع حجز مقاعد، ليتذكر أن أم كلثوم تعرف والده الأمير فيصل جيدا، فهاتفها وطلب منها إسداء هذه الخدمة له، فما كان منها إلا أن حجزت له 6 مقاعد، ليواجه مشكلة أخرى وهو يدخل قاعة الحفل حيث لم يكن يرتدي بدلة الحفلات آنذاك المسماة «سموكن» فرجع بسرعة لمنزله ليرتدي إحدى بدلاته ويعود بسرعة.

ولكن يبدو أن المشاكل مستمرة، لأنه اكتشف أنه لا يوجد حجز باسمه ولكن الحجز باسم والده الأمير فيصل، وفجأة يجد أمامه أحد أصدقائه من علية القوم وقتها ليخبره بالمأزق ويأمر بإدخاله لمقاعده هو وأصدقائه وكانت طاولته بجوار الملك فاروق مباشرة فشعر بالحرج وخرج بسرعة ليجد أم كلثوم أمامه ويعرفها بنفسه ويبلغها بأنه لا يريد الجلوس بجوار الملك منعاً للحرج، فقالت له ستجلس معي أنا وأحمد رامي.. ومن هنا بدأت معرفة وصداقة عبدالله الفيصل بأم كلثوم.