«شيزلونج».. العلاج النفسي أونلاين

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٥/يناير/٢٠١٨ ٠٦:٠٠ ص
«شيزلونج».. العلاج النفسي أونلاين

باميلا كسرواني

أعلنت منظمة الصحة العالمية، هذا العام، أن الاضطرابات العقلية والنفسية، لاسيما الاكتئاب، باتت السبب الرئيسي لاعتلال الصحة وعدم القدرة على الحركة على مستوى العالم. ولاحظت أن معدلات الاكتئاب، على سبيل المثال، ارتفعت أكثر من 18 % منذ 2015 مشيرة إلى أن غياب دعم الصحة العقلية إضافة إلى الخوف العام من الوصمة الاجتماعية، تحول دون حصول الكثيرين على العلاج الذي يحتاجون إليه.

إلا أن الأخصائيين يرون أن التوسع في استغلال الموارد النفسية الإلكترونية قد تكون الخيار الوحيد لتوفير قدرة إضافية على توفير العلاج لأكبر عدد من الناس في ظل محدودية الموارد؛ توسّع بدأ كثيرون يستغلّونه من أجل تغيير الوضع القائم على غرار «شيزلونج»، أول منصة في المنطقة العربية توفر العلاج النفسي عن طريق الإنترنت بحيث تتيح للمريض التّواصل مع الطبيب النّفسي بكلّ سرّيّة وخصوصيّة في أيّ وقتٍ كان.

قد يعتبر البعض أن العلاج النفسي على الإنترنت وليدة اليوم إلا أن الطبيب النفسي وأخصائي علم الأعصاب ألبير مخيبر أكّد لنا العكس قائلاً: «الأمر ليس جديداً. فقبل الإنترنت، كان الأخصائيون يقدمون العلاج عبر الهاتف أو من خلال المجلات العلمية أو تبادل الرسائل من دون أن يكون الطبيب والمريض في الغرفة ذاتها». ويضيف: «لا شك أن الإنترنت سهّل هذه العملية لاسيما مع برامج الدردشة ومكالمات الفيديو».
© SPUTNIK. KONSTANTIN CHALABOV
هذه السهولة هي التي أراد مؤسس منصة «شيزلونج»، أحمد أبو الحظ، التعويل عليها مدفوعاً أيضاً بقصته الشخصية. ويخبرنا، خلال مقابلتنا على سكايب، «الدّافع كان سبباً شخصيًّا، إذ تعرّضت العام 2013 إلى حادث كبير أوقعني في حالة اكتئابٍ. كنت ألازم المنزل ولا أملك القدرة على التّوجه إلى طبيب نفسي لاستشارته. ففكرت لما لا توجد منصة تسمح لأي شخص يحتاج التّكلّم مع طبيب نفسي أن يفعل ذلك في أيّ وقت؟».
وهكذا ولدت الفكرة وتحمّس أبو الحظ لتنفيذها لاسيما مدفوعاً بنتائج أبحاثه ألا وهي أن لا وجود لمنصة تضم أطباء يتكلمون اللغة العربية ويقدمون العلاج النفسي على الإنترنت في المنطقة العربية إضافة إلى نسبة كبيرة من العرب تعاني مشاكل نفسيّة كبيرة. ويخبرنا «تشير إحصاءات منظّمة الصّحّة العالميّة إلى أنّ هناك 65 مليون مريض نفسي في الوطن العربي». ويتابع أن ما دفعه أكثر إلى إطلاق «شيزلونج» هو أنها تسمح للناس التكلّم عليها بسرية تامة حيثما كانوا من دون الخوف من أن يصفهم المجتمع بالمجانين. وهكذا انطلقت المنصة عام 2015 مع 3 أطباء فقط كانوا جميعهم من الجنسية المصرية. وهنا يضيف أبو الحظ «باشرنا تسويق الموقع وبعدها تعرّفت إلى الدّكتور محمّد الشامي وقررنا أن يكون شريكنا ويتولى منصب المسؤول عن القسم الطبي وبدأنا نضم أطباء من الدول العربية كافة».
واليوم، تضم عائلة «شيزلونج» حوالي 150 معالجاً وطبيباً من 15 دولة عربية يتقاضون مقابل الجلسة الواحدة في حين تحصل «شيزلونج» على عمولة تعادل 20 %. ولا بد من الإشارة إلى أن الطبيب يضع ثمن الجلسة الذي يناسبه وهي مطابقة لثمن الجلسات التقليدية بشكل أساسي. ويشرح لنا أبو الحظ «لدينا فريق دعم للطبيب وهو بالتالي يرسل إلينا سيرته الذّاتيّة، ثم نقابله ونتأكد من شهاداته والتّرخيص الذي بحوزته لمزاولة المهنة لنقرر ما إذا كان يستطيع أن يصبح جزءاً من الفريق».
أما من جانب المريض، فيوضح لنا أبو الحظ «يدخل إلى موقعنا ويختار طبيبه بحسب المشكلة أو السّعر المطلوب أو الدّولة أو اللغة ثم يختار موعداً لجلسته ومدّتها ساعة واحدة تليها جلسات متابعة». ويخبرنا أبو الحظ، «لدينا حوالي 45000 شخص من حوالي 60 دولة على مستوى العالم وليس فقط من الوطن العربي. أما في ما يتعلّق بالجنسيات، فيلجأ المرضى من الجنسية المصريّة بشكل أساسي إلى «شيزلونج» يليهم مرضى من السّعوديّة، والإمارات، والبحرين، وقطر، وألبانيا وفرنسا». ويضيف أبو الحظ أن أعمارهم تتراوح بين الـ 25 والـ 40 عاماً في حين أن أكثر الأمراض التي يعانون منها هي الاكتئاب ومشاكل العلاقات، سواء كانت العلاقات الزوجية أو العلاقات بشكل عام، مشيراً إلى أن المنصة تضم أطباء متخصصين بمجالات مختلفة مثل الاضطرابات الجنسية، أو مشكل الأطفال.
نجحت منصة «شيزلونج» في جذب العديد من المرضى في مختلف الدول العربية ويعزى ذلك إلى العديد من الأسباب بحسب أبو الحظ. ويقول لنا هذا الأخير «أولاً، يلاحق الطبيب المريض ويستطيعان رؤية بعضهما البعض ويتم المحافظة على القيمة العلاجيّة إضافة إلى أن ما يدفع المريض إلى اللجوء إلينا هو حاجته الفوريّة للعلاج. أمّا النقطة الثّانية، فإنّ بوسع المريض اختيار الطبيب الذي يريد نظرًا لتعدد الأطبّاء. فيستطيع المريض رصد مراجعات وتقييم كلّ طبيب. وتكمن النقطة الثّالثة في أنّ المريض يستطيع أن يختار طبيبه الذي يسكن في بلدٍ غير بلده. وأخيراً، فالنّقطة الرّابعة هي أنّ المريض ليس مضطرًّا لزيارة العيادة؛ فبذهابه إليها قد يشعر أنّ خصوصيّته قد انتهكت وأنّ النّاس تراقبه».
كل هذه النقاط تتطابق مع تلك الإيجابية التي كان عددها لنا مخيبر. فهذا الأخير يعتبر أن العلاج النفسي على الإنترنت «يصب في مصلحة الأشخاص الذين يعيشون في منطقة حيث لا يوجد طبيب نفسي يفهم مرضه أو حتى لأسباب لوجستية أخرى حيث أن المريض لا يملك إمكانية التنقل لأنه في المستشفى أو متقدم في السن أو أحياناً لأن المريض لا يستطيع التنقل بسبب مشكلته النفسية وبالتالي هذا العلاج يساعده على معالجتها». ويضيف مخيبر: «هذا النوع من العلاج إيجابي أيضاً بالنسبة لعالم النفس لأنه يساعده على مزاولة عمله عن بعد، سواء كان لا يستطيع تكبّد تكاليف استئجار عيادة أم أنه مضطر للبقاء في المنزل مع عائلته أو أنه يعيش بعيدا».
بالفعل، ساهمت منصة «شيزلونج» في تبسيط وتسهيل حصول الكثيرين على العلاج النفسي. وبشكل عام، لمس أبو الحظ، خلال العامَين الماضيين، «تقبّل النّاس لفكرة العلاج النفسي. فالأشخاص الذين كانوا غير قلقين ومترددين بشأن الموضوع هذا، أصبحوا أكثر ارتياحاً وبادروا لتقبله. أما النّقطة الثّانية، فتكمن في أنّ نظرة الطبيب للعلاج النفسي عن طريق الإنترنت بدأت تتحسّن. فبات يملك عيادة افتراضيّة مطابقة لعيادته الواقعيّة».
لا شك أن علماء النفس العرب وجدوا في «شيزلونج»، الوحيد من نوعه في المنطقة، فرصة ليركبوا القافلة العالمية للعلاجات النفسية الإلكترونية حتى لو أنهم عبّروا عن تحفظ وحيد. وهنا يخبرنا أبو الحظ «اقتصر هذا التحفظ على السّرّيّة والخصوصيّة لكلّ مريض لأن البيانات قد تكون أحيانًا مكشوفة. إنما نحن نتصدّى لذلك عبر جهاز التّأمين ونحن نتعامل مع عدّة شركات تأمين مطمئنين إلى سرية البيانات للزبائن إذ هي بالنسبة إلينا في غاية الأهمّيّة». نقطة شدد عليها أيضاً مخيبر مشيراً إلى أن «أي منصة يجدر بها، لتنجح، أن تتحلى بالأمن الكافي لبياناتها لتأمين التشفير الجيد بغية ضمان خصوصية المريض».
توفير الخصوصية، الحفاظ على انتباه المريض عن بعد، إقناع المرضى في العالم العربي بالفكرة، وجذب أكبر عدد من الأطباء قد تكون أبرز التحفظات أو المشاكل التي تقف عائقاً أمام تطور العلاج النفسي على الإنترنت. ويضيف عليها أبو الحظ «غياب الدّعم الحكومي للمرض النفسي إذ إنّ التأمين الصحّي لا يغطّي النفقات فيما المرض النفسي بالغ الأهمية لاسيما أن المريض قد يفقد حياته نتيجة الاكتئاب».
مشاكل تريد «شيزلونج» أن تتخطاها لاسيما بفضل الرود الإيجابية من قبل المرضى وتخطط للتوسّع بشكل أكبر في بعض الدول العربية مثل السّعوديّة، الإمارات والبحرين بفضل التوسع عامودياً وأفقيًّا لناحية الأطباء والأسعار والمستخدمين، بحسب أبو الحظ. توسّع بمكانه لاسيما أن مخيبر يؤكد، أنه على الرغم من بعض الانتقادات بحسب اتجاهات ومدارس علماء النفس، إلا أن النموذج العلاجي جيد وأثبت جدارته حتى لو أن الأبحاث ما زالت، حتى الآن، غير كافية. وشدد على ضرورة استغلال التكنولوجيا إلى أبعد من العلاج النفسي لتحسين حياة المرضى النفسية.