هل استقر النمو الاقتصادي في الصين؟

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١١/يناير/٢٠١٨ ٠٦:١١ ص
هل استقر النمو الاقتصادي في الصين؟

يو يونج دنج

على مدار العقد الفائت أو نحو ذلك، كان اقتصاد الصين يسلك مسارا متقلبا. ولكن هل تقترب الصين مع بداية العام 2018 من طفرة صعود جديد، أو انحدار حاد، أو شيء بين الأمرين؟

في الفترة التي سبقت اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية قبل عشر سنوات، كان الاقتصاد الصيني ينمو بوتيرة مبهرة. ولكن عندما حلت الأزمة، انخفض معدل النمو بشكل حاد نسبيا. وبفضل حزمة التحفيز التي بلغت 4 تريليونات دولار، سرعان ما بلغ النمو أدنى مستوياته ثم بدأ يتسلق صاعدا مرة أخرى، ليصل إلى 12.2 % في الربع الأول من العام 2010 مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.

ولكن بعد ذلك بفترة وجيزة، تسبب إحكام السياسة النقدية في إعادة النمو الاقتصادي إلى مسار هابط، الأمر الذي دفع الحكومة إلى تخفيف سياساتها وتقديم حزم تحفيز مصغرة في أواخر العام 2011 وأوائل العام 2012. وأفضى ذلك إلى انتعاشة قصيرة الأمد ومعتدلة، فبدأ النمو الاقتصادي مرة أخرى ينزلق، وإن كان بشكل أقل حدة، بعد فترة وجيزة.
وأخيرا، في العام 2016، بدأ نمو الاقتصادي الصيني يستقر مرة أخرى، حيث بلغ المعدل السنوي 6.7 % لثلاثة أرباع متوالية. وتُظهِر أحدث الأرقام نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 6.8 % في الربع الثالث من العام 2017، مما دفع العديد من خبراء الاقتصاد إلى تقديم توقعات متفائلة للعام المقبل.
ورغم أن النظام المالي في الصين مشحون بنقاط ضعف مقلقة، يعتقد العديد من خبراء الاقتصاد الصينيين أن البلاد دخلت أخيرا فترة من النمو السنوي المستقر بنحو 6.5 % -وهو المستوى الذي يتماشى مع النمو المحتمل. وقد ردد صندوق النقد الدولي هذه الرؤية في أحدث تقاريره حول آفاق الاقتصاد العالمي، متنبئا بنمو بمعدل 6.8 % في العام 2017 ونحو 6.5 % في العام 2018.
الحق أنني أقل تفاؤلا. فعلى مدار عقود من الزمن، كان الاستثمار في الأصول الثابتة المحرك الرئيسي للنمو، ممثلا نصف إجمالي الطلب تقريبا.
واليوم تتجاوز حصته في الناتج المحلي الإجمالي 50 %، في حين يمثل الاستثمار المحسوب على المتبقي من تكوين رأس المال نحو 45 % من الناتج المحلي الإجمالي.
ومع ذلك، كان نمو الاستثمار في انحدار مطرد منذ أواخر العام 2013، وهو الاتجاه الذي تسارع في النصف الثاني من العام 2017. وفي الأرباع الثلاثة الأولى من العام 2017، كان المتوسط السنوي لنمو الاستثمار في الأصول الثابتة 2.19% فقط. وفي الربع الثالث، كان نمو الاستثمار سلبيا في حقيقة الأمر، عند مستوى 1.1% بالسالب. ولم تشهد الصين مثل هذه المستويات المنخفضة منذ عقود من الزمن.
من منظور التكيّف البنيوي، ينبغي لنا أن نشيد بانخفاض اعتماد الصين على الاستثمار في الأصول الثابتة بوصفه إنجازا. ولكن كما أَكَّد مارتن وولف من فاينانشال تايمز في العام 2016، فسوف يكون من الصعب للغاية أن تحافظ الصين على مستوى الطلب الكلي وسط هذه الحالة من ضعف نمو الاستثمار.
ومن غير المرجح أن يعوض الاستهلاك الأسري عن هذا التراجع. ففي الأرباع الثلاثة الأولى من العام 2017، بلغ نمو الاستهلاك الخاص نحو 5.9 % بالأرقام الحقيقية (المعدلة تبعا للتضخم) -بانخفاض قدر 0.5 من النقطة المئوية منذ العام 2016.
ومن الصعب أن نتصوّر زيادة مفاجئة في استهلاك الأسر في العام 2018.
ويبدو أن نمو الصادرات أيضا من غير المرجح أن يعوّض عن الاستثمار المتدهور، خاصة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يواصل ميله نحو فرض تدابير الحماية في التعامل مع الصين.
وفي حين قد تستمر الصين في استخدام السياسة المالية لدعم الطلب، فإن المدى الذي يمكن أن تبلغه في ذلك سيكون مقيدا بعوامل مثل أعباء الديون المستحقة على الحكومات المحلية وما يترتب على ذلك من قيود صارمة تفرض على ما يسمى أدوات تمويل الحكومات المحلية. ولن تسمح الحكومة في الأرجح لعجز الموازنة بتجاوز 3 % من الناتج المحلي الإجمالي.
يتألف الاستثمار في الأصول الثابتة في الصين من ثلاث فئات رئيسية: التصنيع، والبنية الأساسية، والعقارات. ويمثل الاستثمار في التصنيع الحصة الأكبر -30 %. ولكن هذه الحصة كانت في انحدار مطرد منذ العام 2012، مما أضعف نمو الاستثمار الإجمالي. ومن غير المرجح أن ترتفع هذه الحصة مرة أخرى، ما لم تحقق الصين بعض الاختراقات التكنولوجية أو المؤسسية.
وقد اتخذ الاستثمار العقاري من ناحية أخرى نمطا دوريا على مدار العقدين الفائتين، ثم تعافى بقوة في أوائل العام 2016 قبل أن ينخفض مرة أخرى في العام 2017. ونظرا لتصميم الحكومة على احتواء أسعار المساكن -التي غذّت في فترات مختلفة التخوفات بشأن احتمالات نشوء فقاعات محلية- فليس هناك من الأسباب ما قد يدعو إلى توقع انتعاش الاستثمار العقاري في أي وقت قريب.
ولا يترك هذا سوى الاستثمار في البنية الأساسية، التي كانت حصتها في إجمالي الاستثمار في ازدياد منذ العام 2012. ولكن الاستثمار في البنية الأساسية بلغ بالفعل مستوى مرتفعا إلى الحد الذي قد يؤدي معه استمرار النمو إلى تفاقم سوء تخصيص الموارد -وهو عكس أهداف الحكومة المعلنة.
أضف إلى هذا القيود المالية والضوابط المالية التنظيمية الأكثر صرامة، فيتبيّن لك أن أي توسع إضافي في أنشطة تشييد البنية الأساسية أمر صعب، في أقل تقدير.
يقودنا كل هذا إلى استنتاج بسيط: ما لم أكن أخطأت قراءة الإحصاءات الرسمية الخاصة بالاستثمار، فإن التفاؤل بشأن نمو الصين الاقتصادي في العام 2018 ليس مبررا. ولكن هذا لا يعني أن آفاق الصين قاتمة تماما. فإذا بدا أن النمو الاقتصادي يتجه نحو الانخفاض بشكل كبير إلى ما دون مستوى 6.5 % المستهدف، فسوف تستخدم الحكومة أدوات تثبيت الاقتصاد الكلي، رغم التكاليف الثقيلة الباهظة في المستقبل، في حين تعمل على منع نقاط الضعف المالية من التحوّل إلى مخاطر مالية جهازية. وما يدعو إلى قدر أكبر من التفاؤل أن الجهود الحالية التي تبذلها الحكومة الصينية لرعاية وتنمية الإبداع وتنفيذ الإصلاحات البنيوية من المرجح أن تنتج عوائد كبيرة في الأمد البعيد.
يشير كل هذا إلى أن التقلبات الاقتصادية في الصين تتجه نحو مسار صاعد آخر، وأن النمو سيستقر في نهاية المطاف عند معدل لائق. ولكن ربما يكون لزاما على المراقبين أن ينتظروا بعض الوقت.

الرئيس الأسبق للجمعية الصينية للاقتصاد العالمي