الموازنة التزام بتحقيق التنمية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٢/يناير/٢٠١٨ ٠٢:٣٨ ص
الموازنة التزام بتحقيق التنمية

علي بن راشد المطاعني

ali.matani@hotmail.com

يكتسب اعتماد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- الموازنة العامة للدولة في الأول من يناير من كل عام أهمية كبيرة على العديد من الأصعدة والمستويات التي تؤكد مدى التزام الحكومة بنهج الخطة الخمسية واعتماداتها السنوية رغم الظروف الاقتصادية التي تعصف بالإيرادات النفطية في أسواق النفط المضطربة في العالم وانعكاساتها على البرامج الإنمائية والجارية للدول المعتمدة على النفط بنسب كبيرة، إلا أن ذلك لم يمنع الحكومة من الإيفاء بالتزاماتها المعتادة بمد التنمية وسريان الخدمات بدون أي تأثيرات تذكر، بل صاحب ذلك التزامات كبيرة قلما تشهدها في الدول كالتزام بالتوظيف والتأهيل ودعم المجالات ذات الصبغة التجارية، الأمر الذي يثلج الصدر من استمرار العمل بهذا النهج القويم الذي يرسخ من التنمية في البلاد ويفتح آفاقا واسعة للمستقبل ويعزز الثقة في خطط الحكومة وبرامجها التنموية، بل وحرصها على إبعاد التأثيرات الجانبية لتداعيات الظروف الاقتصادية عن معيشة المواطنين.

فالموازنة العامة للدولة بشكل عام حرصت على نمو الاقتصاد الوطني بمعدل 3 بالمائة مع استمرار تعافي أسعار النفط في الأسواق العالمية، وزيادة الإيرادات غير النفطية وتعزيز الاستثمارات في العديد من القطاعات الاقتصادية وتحسين بيئة الاستثمار وجذب المستثمرين كعوامل ذات أهمية في تعزيز سياسات التنويع الاقتصادي التي أخذتها الحكومة في الاعتبار عند وضع الموازنة العامة للدولة، سواء برفع مساهمة القطاع الخاص إلى نسبة 60 بالمائة في السنوات الفائتة، بتنفيذ البرامج الاستثمارية، أو الاستمرار في دعم برامج التمويل التنموية، فضلا عن تعزيز برامج التخصيص من خلال طرح 6 شركات للتخصيص، ناهيك عن تخصيص اعتمادات لتنفيذ المشروعات الإنمائية بلغت 1.2 بليون ريال في العام الجاري، ما من شأنه أن يضمن استمرارية المشاريع الإنمائية والاستثمارية لتنمية مستدامة، ويرفد النشاط الاقتصادي في البلاد بشكل يسهم في زيادة النمو الاقتصادي إلى ما نتطلع إليه.
بل إن تحديد سعر النفط بخمسين دولار في الموازنة العامة للدولة للعام الجاري موفق، لما يمثله من مؤشــرات إيجابية توازن بين مســتويات تلبية احتياجات الموازنة من الموارد المالية وتعزيز الاحتياطي العام للدولة.
فلا شك أن اعتماد الموازنة في الأول من يناير كتوقيت تضبط عليه عجلة التنمية في البلاد بوصلتها للدوران في مجالات أخرى يعكس المضي قدما في البرامج الإنمائية والمصاريف الجارية بقيمة 12.500 بليون ريال عماني، وبزيادة تقدر بـ800 مليون ريال، على عكس ما يتوقع الكثيرون أن ينخفض الإنفاق العام إلى مستويات كبيرة نظرا لانعكاسات انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية والاحتياطيات اللازمة التي تتخذها الدول في العادة في مثل هذه الظروف الحالكة، وهو مؤشر إيجابي يوضح أهمية زيادة الإنفاق في الأسواق ومعالجة حالة الانكماش وتبعاتها الاقتصادية في الكثير من الجوانب التي لا يحتملها السوق.
ولم تغفل الموازنة العامة للدولة عن الالتزام بدعم التعليم والصحة والإسكان والرعاية الاجتماعية بنحو 3.880 بليون ريال في التزام واضح بتوفير الحياة الكريمة للمواطنين من خلال هذه المنظومة التي تكرس التنمية الشاملة في البلاد التي تسعى الحكومة إلى تجسيدها عبر توفير الخدمات الأساسية الهادفة إلى الارتقاء بحياة الإنسان على هذه الأرض الطيبة.
ومن الجوانب المضيئة في الموازنة العامة للدولة لعام 2018م التأكيد على الالتزام بتوظيف 25 ألف مواطن، وتخصيص 62 مليون ريال لتغطية تكاليف التدريب من خلال الصندوق الوطني للتدريب واتباع منهجية التدريب من أجل المستقبل، في سبيل إعداد كوادر وطنية مؤهلة قادرة على سبر أغوار سوق العمل، وهذا الالتزام يؤكد بما لا يدعو للشك أهمية التنمية البشرية في سلم أولويات الدولة المتزايدة، وإيلاءها كل الاهتمام والرعاية التي من شأنها أن ترتقي بالإنسان وتأهيله على أفضل المستويات.
ومن حسن الطالع أن تخصص الحكومة مبلغ 80 مليون ريال لبرامج الإسكان الاجتماعية والمساعدات الإسكانية للفئات المستحقة من أبناء هذا الوطن في الموازنة العامة للدولة وهو التزام آخر يؤكد أن الاستمرار في توفير الحياة الكريمة للإنسان العماني سيظل غاية من غايات التنمية، باعتبار المسكن أحد أهم سبل الحياة.
إن الموازنة العامة للدولة لم تغفل كذلك وكالعادة دعم الخدمات ذات الصبغة التجارية كالكهرباء وغاز الطبخ والقروض الإسكانية والتنموية والدعم التشغيلي للشركات الحكومية بقيمة 725 مليون ريال بزيادة قدرها 330 مليون ريال عن موازنة 2017م، وهو تطور ملفت في الموازنة أن يستمر الدعم رغم الظروف الاقتصادية الراهنة، إلا أنه في المقابل يعكس التزام الحكومة بتعزيز دعم الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين والإسهام في رفد الشركات الحكومية لتلعب دورا متميزا في الفترات المقبلة، وتتهيأ للعمل الاقتصادي في المرحلة المقبلة.
بالطبع تحديات الموازنة العامة للدولة ما زالت كثيرة في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تخيم على الأسواق العالمية وانعكاساتها على موازنات الدول المعتمدة على النفط كمصدر أساسي للدخل، ولعل من الطبيعي أن تنعكس تلك الأوضاع على الموازنة العامة للدولة لتوضح التباين بين الإيرادات والإنفاق وما يتنج عنه من عجز يقدر بثلاثة بلايين ريال مشكلا ما نسبته من 10 بالمائة من الناتج المحلي، وهو كبير طبعا، ويفرض اتخاذ سياسات متكاملة وبناء شراكات متعاونة لتجاوز ذلك، لتقليل وسائل الاقتراض الخارجي والداخلي وانعكاساته على المالية العامة للدولة والالتزامات الناتجة عن تزايد القروض وسبل تمويلها مستقبلا، فضلا عن تأثيراتها في الائتمان الدولي من المنظمات والمؤسسات العالمية.
نأمل أن تكون الجهود المبذولة للاستقرار المالي للمالية العامة للدولة حاضرة لدى كل الجهات والمؤسسات والمواطنين وتقدير الظروف الراهنة في اتخاذ سياسات وإجراءات تحفظ مكانتها والتعاطي بمسؤولية مع كل ما توفره الدولة من إمكانيات هدفها توفير الحياة الكريمة للمواطنين والنأي عن أي تأثيرات غير إيجابية عليه ناتجة عن انخفاض أسعار النفط وتأثيراتها.