السنوات السمان والعجاف

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠١/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٠٠ ص
السنوات السمان والعجاف

علي بن راشد المطاعني

في الوقت الذي يطالب الكثيرون الحكومة تنويع مصادر الدخل و تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، وهي دعوة نابعة من قلوب محبة لهذا الوطن، يتزامن معها سعى الدولة بكل أجهزتها في هذا الشأن، وهو أمر ليس بجديد وإنما بدأ منذ انطلاقة النهضة المباركة في الوطن، يوجه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله - بتنويع مصادر الدخل في خطاباته ولقاءاته مع المسؤولين والمواطنين، كما تعمل الحكومة على إنجاح هذه السياسات بكل الطرق من خلال الخطط والآليات التنفيذية الهادفة إلى تحقيق التنويع الاقتصادي، لكن يجب الاتفاق على أن ذلك يحتاج إلى وقت طويل ويواجه تحديات جمة على كل الأصعدة والميادين، سواء كانت مجتمعية ناتجة عن نمو المجتمع وتطوره أو طبيعية...ناتجة عن ارتفاع كلفة المشاريع نظرا لطبوغرافية الأرض والجغرافية الأمكنة الصعبة.

‏مع ذلك فالتنمية في السلطنة تركزت في المراحل الفائتة على استكمال البنى الأساسية للخدمات التنموية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، والشواهد ماثلة أمامنا في كل شبر من هذا الوطن العزيز في ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله- ، ولابد أن نتفق كذلك على أن سياسات تنويع مصادر الدخل لا يمكن أن توتي ، إذا لم تكن هناك خدمات التنموية أساسية متوفرة مثل الطرق والموانئ والمرافق المتعددة التي تحتاجها الاستثمارات سواء كانت حكومية أو خاصة، يتطلب مدها في ربوع السلطنة لتسهيل الاستثمارات الوطنية والأجنبية، فضلا عن تنمية بشرية قادرة على الإسهام في إدارة دفة التنويع الاقتصادي في البلاد، ولديها قدرات علمية وخبرات تؤهلها أن تساهم في التطور، كل ذلك وغيره وهذا لا يتأتى إلا من خلال تهيئة مستمرة، وبناء الإنسان والمرافق اللذان يحتاجا إلى الكثير من الجهد والوقت والأموال بالطبع، وهذا ما إنصب عليه الاهتمام في المراحل الماضية، ومازالت التنمية ماضية نحو تحقيق هذه الأهداف، إلا أننا مع ذلك يجب أن نعرف أن سياسات تنويع مصادر الدخل من الممكن أن تثري الاقتصاد الوطني من خلال الاكتفاء الذاتي وتحريك القطاعات الاقتصادية وتوظيف الكوادر الوطنية، وتنشيط الأسواق، وبالتالي تساهم في الناتج القومي الإجمالي، لكن لا تسد متطلبات خزينة الدولة من التدفقات النقدية لمواجهة الإنفاق المتزايد على المتطلبات الجارية.

فالحكومة في الوقت الراهن وكل الأوقات ترغب في تدفقات نقدية مباشرة وكبيرة في ذات الوقت، والتي تأتي من الإيرادات النفطية وغير النفطية من خلال الرسوم والضرائب، ولكن عندما تنخفض أسعار النفط إلى 30 دولارا، كما هو في الوقت الراهن، في حين أن احتياجاتنا تتطلب ألا تقل أسعار النفط عن 85 دولارا للمواءمة بين الإيرادات والإنفاق بدون عجز في الموازنات، فكيف يمكن للحكومة أن تسد العجز، وتحسن إدارة موارد الدولة بكفاءة عالية، وهو ما حدا بها إلى اتخاذ تدابير مالية سواء من خلال رفع الدعم عن بعض الخدمات التجارية أو من خلال وقف العلاوات والاستثنائية وغيرها من ترشيد النفقات غير الضرورية، الأمر الذي يجب أن يجد تفهما من العديد من المواطنين بأن هذه مرحلة يتطلب فيها أن نشد الأحزمة و تضافر الجهود للخروج من الأزمة.

فسياسات تنويع مصادر الدخل ماضية ونشهد زخما كبيرا في الفترة الراهنة على العديد من المستويات، فالبرنامج الاستثماري في الخطة الخمسية 2016 - 2020 يتضمن ما يزيد عن 500 برنامج وسياسة ستسعى من خلالها الحكومة إلى تنويع الاقتصاد الوطني والتركيز على قطاعات مثل الصناعات التحويلية والتعدين والنقل والسياحة ، والخطة تهدف كذلك إلى خفض مساهمة صناعة النفط في الناتج المحلي الإجمالي إلى 22 في المئة من 44 في المئة وخفض مساهمة الغاز الطبيعي إلى 2.4 في المئة من 3.6 في المئة وهذه مؤشرات إيجابية تعكس توجهات الحكومة في المراحل السابقة.

وسيبلغ متوسط الاستثمارات السنوية نحو 28 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ومن المتوقع أن تبلغ الاستثمارات المجمعة على مدى الخمس سنوات 41 مليار ريال (106 مليارات دولار) مقابل 38 مليار ريال في الخطة الخمسية السابقة. لكن علينا أن ندرك أن الخطة تفترض أن يكون متوسط سعر برميل النفط عند 45 دولارا في 2016 و55 دولارا في 2017 و2018 و60 دولارا في 2019 و2020، بينما من المفترض أن يبقى الإنتاج النفطي للسلطنة مستقرا عند 990 ألف برميل يوميا في المتوسط.

فهناك وعي حكومي واضح بمتطلبات الفترة القادمة وتركيز على ابتكار حلول التي تسهم في التوازن الاقتصادي وإيجاد بدائل متنوعه لمصادر الدخل، إلا أن كنا اسلفنا بأن متطلبات الدولة، هو تدفقات مالية نقدية لتغطية المتطلبات المتجددة سواء يتمثل ذلك في المرتبات التي تستهلك 6 مليارات ريال سنويا، أو الإنفاق الجاري في الخدمات والصيانة، والاستثماري‏ الهادف إلى استمرار مد الخدمات التنموية، وهي أمور ليس من السهولة تدبيرها من خلال سياسات تنويع مصادر الدخل التي لا تدر مبالغ كافية الخزينة الدولة كما هي الإيرادات النفطية مهما حققنا تقدما بها رغم كل التحديات آنفة الذكر وغيرها، وهو ما لا يدركه الكثيرون، فنتائج التنويع الاقتصادي لا تأتي بين يوم وليلة، ليس في السلطنة فحسب وإنما في كل دول المجلس التعاون الخليجي التي تتشابه ظروفها وتواجه نفس التحديات في تنويع مصادر الدخل، لكن ما يجب تفهمه هو أن المرحلة الحالية استثنائية تتطلب تعاونا في تجاوزها وليس العكس، فمنذ بدء الخليقة والأمم تعيش سنوات خضر سمان وسنوات يابسات عجاف.