مسقط -
من المتوقع أن يتم خلال الأسابيع المقبلة الإعلان رسمياً عن اتفاق لتطبيق الضريبة على القيمة المضافة في دول مجلس التعاون، على أن يبدأ تطبيق الضريبة في يناير 2018، فيما يتوقع خبراء أن تكون تلك الضريبة مجرد بداية لسياسات مالية جديدة يكون فيها الدخل الضريبي من الإيرادات الأساسية للدول الخليجية.
ومن الممكن أن تشكّل الضريبة على القيمة المضافة، رغم قيمتها المتدنية، عبئاً إضافياً على المستهلكين، لكنها ستكون إجراءً اضطرارياً تسبب به انهيار أسعار النفط، لا سيما مع عدم التوصّل إلى قرار بخفض الإنتاج وهو الاقتراح الذي دعت إليه السلطنة.
علماً أن السلطنة لم تعلن عن إجراءات ضريبية جديدة حتى اللحظة، لذا لا يمكن اعتبار الأخبار المتداولة في هذا الشأن معلومات رسمية.
يؤكد المحلل الاقتصادي اللبناني حسن يوسف أن دعوة رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد الدول العربية إلى فرض المزيد من الضرائب لم يكن كلاماً عابراً، فالمسؤولة عن أكبر مؤسسة نقدية دولية تعرف تماماً أن الانهيار الكبير آتٍ لا محالة في ظل عجز الدول النفطية عن الاتفاق لخفض الإنتاج، وعدم قدرة الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومات على وضع حد للانهيار المتوقع.
لا بديل من الضرائب
ويؤكد يوسف في تصريح خاص لـ «الشبيبة» أن تصريح لاجارد من دبي «يهدف إلى تشجيع الحكومات على فرض حزم ضرائب جديدة، فهذا لإدراكها أن الاستدانة من الخارج والداخل غير قادر على معالجة الأزمة لا سيما مع التوقعات باستمرار انهيار أسعار النفط لعامين على الأقل». مؤكداً أن الدول التي تعتمد على النفط تحتاج إلى سنوات إضافية لتخرج من الاقتصاد النفطي نحو اقتصاد بديل ومتنوع. وبالفعل بدأت الدول العربية المنتجة للنفط بمجموعة إجراءات لمكافحة الأزمة فأعلنت السلطنة عن إجراءات لخفض الإنفاق ورفعت الدعم عن الوقود، وأعلن الرئيس التنفيذي لبنك عمان المركزي سعادة حمود بن سنجور الزدجالي عزم السلطنة على الاستدانة من الداخل والخارج ما بين 5 و10 بلايين دولار لتمويل العجز الذي تسبب به انهيار أسعار النفط. وتقول تقارير اقتصادية إن دولاً عدة من بينها السعودية والكويت وقطر لجأت إلى استخدام أموال ضخمة من احتياطاتها المالية الإستراتيجية لسد العجز الكبير الذي تخطى 90 بليون دولار في المملكة العربية السعودية وحدها. لذلك لم يكن لدى الدول الخليجية من خيار إلا من وضع سياسات ضريبية جديدة ومن بينها الضريبة على القيمة المضافة.
تعديلات نقدية
ويعتبر المحلل الاقتصادي حسن يوسف «أنه لا يمكن النظر إلى فرض تلك الضريبة بمعزل عن التعديلات النقدية الكبيرة التي تمر بها الدول المنتجة للنفط، ولا سيما الخليجية منها، فهذه التعديلات تشكل إعادة هيكلة لمالية الحكومات من ناحية الإيرادات والنفقات على السواء»، ويؤكد أن «الضريبة ستفرض بداية على السلع الكمالية أو غير الأساسية تمهيداً لتوسيع دائرتها».
زيادة في الإيرادات
ويضيف أن «الضريبة على القيمة المضافة التي ستكون بقيمة 5 في المئة، وستؤمن إيرادات سنوية بقيمة 2 % من حجم الناتج المحلي وهي نسبة متدنية وغير كافية، إنما يبقى الرهان أن تكون الخطوة مجرد بداية لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني في كل دولة».
ويضيف أن «إعادة الهيكلة كانت من ضمن مجموعة إجراءات اقتصادية دعا إليها صندوق النقد الدولي منذ سنوات عدة لكن الدول الخليجية لم تنجزها إذ أن بناء اقتصاد بديل يتطلب تأسيس بنية خاصة ما زالت غير متوافرة في معظم دول الخليج التي ستكون مضطرة للمرة الأولى إلى اعتبار الدخل الضريبي من الإيرادات الأساسية للموازنة العامة».
وقول يوسف «إن الدول العربية خسرت بسبب انهيار أسعار النفط نحو 340 بليون دولار وفق تقديرات صندوق والنقد والبنك الدولي أي ما يعادل عشرين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج مجتمعة، لذلك فإن ما تؤمنه الضريبة على القيمة المضافة لن يشكل إلا 10 في المئة من المبلغ المفقود». لذلك قد تكون الضريبة على القيمة المضافة «خطوة أولى، لا سيما مع إعلان لاجارد أن دول الخليج قادرة على مواجهة الأزمة من خلال فرض سلسلة من الضرائب، ومن المعروف حجم تأثير صندوق النقد على الدول وعلى خططها»، لذلك لا يستبعد يوسف أن تقرّ دول الخليج مجموعة من الضرائب على الدخل الفردي ومداخيل المؤسسات وغيرها من الضرائب، لكنه يستبعد أن يتم ذلك بشكل مباشر «إذ أن ذلك يتطلب تشريعات وتشكيل هيئات وإدارات خاصة بتحصيل الضرائب الأمر الذي ما زال في مراحله الأولى في معظم الدول الخليجية».
ويؤكد أن عملية فرض الضرائب «يجب أن تكون تدريجية ومدروسة لكي لا تؤدي إلى تراجع ثقة المستثمرين أو إلى تباطؤ اقتصادي، لا سيما أن الضرائب من الممكن أن تكون ذات تأثير سلبي على النمو في حال فرضت دفعة واحدة، وقد تؤدي إلى كبح النشاط الاقتصادي»، لا سيما أن تلك الدول، وعلى رأسها السلطنة، تسعى إلى تنويع اقتصادها وتحقيق نمو كبير في القطاعات غير النفطية. لذلك يرى يوسف أنه «لا بد من تحقيق التوازن بين تعزيز الدخل العام والحفاظ على الانتعاش الاقتصادي، وهذا ما تسعى دول مجلس التعاون إلى تحقيقه».
خوف من التضخم
لكنه في المقابل يشير إلى أن «الإجراءات التي تقوم بها الحكومات من زيادة في الضرائب وخفض الإنفاق ورفع الدعم عن الوقود وخصخصة بعض القطاعات في عدد من الدول، ستؤدي إلى تراجع ثقة المستهلك، لا سيما أن بعض الدول كالمملكة العربية السعودية شهدت ارتفاعاً في الأسعار حتى قبل رفع الدعم والإعلان عن الضريبة على القيمة المضافة، بسبب الخوف من التضخم، وهو ما يمكن أن نشهده في سائر الدول الخليج وقد يؤثر على صغار المستهلكين لا سيما من ذوي الدخل المحدود».
لكن تلك الضرائب وإن كانت ضرورية فلا يمكنها أن تحقق تغييراً كبيراً في الأوضاع المالية للدول العربية في المدى المنظور على الأقل، بانتظار استكمال البنية الأساسية للاقتصاد البديل ودعم القطاعات غير النفطية». ويبدو أنه لا حل لتخطي تلك الأزمة إلا بتبنّي اقتراح السلطنة القاضي بتخفيض إنتاج النفط ما بين 5 وعشرة في المئة لإعادة التوازن إلى الأسواق النفطية. إذ يقول يوسف «إن عودة الأسعار إلى مستواها السابق عند حدود 140 دولاراً أصبح من الماضي لأسباب عدة، أهمها فائض الإنتاج الذي يبلغ 1.5 مليون برميل يومياً، والتباطؤ الاقتصادي فضلاً عن منافسة الغاز الذي بات تصديره متاحاً بتكاليف قليلة، مع العلم أن قيمة كمية الغاز التي تعادل برميل نفط تقدر بنحو 13 دولاراً، فضلاً أن الغاز أنظف وأقل تكليفاً وقادر أن يصل إلى الأسواق بسهولة أكبر». لكنه يضيف أن خفض الإنتاج كفيل بتحقيق التوازن في الأسعار لتصل إلى مستوى يتلاءم مع ميزانيات الدول النفطية.