الأمونيا والأنفاق تقض مضاجع إسرائيل

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٩/فبراير/٢٠١٦ ٢٣:٤٥ م

غازي السعدي

تواجه إسرائيل مجموعة من التحديات والمخاطر، ناجمة عن احتلالها وأطماعها التوسعية، وسياسة الهيمنة، واعتمادها على القوة، والمزيد من القوة، متنكرة للقانون الدولي، فالأزمات والشعور بالافتقاد للأمن، والتوتر الذي يعيشه الإسرائيليون، لا نهاية له، وكلما عملت على إخماد مصادر التهديد، خرجت أخرى، وهذه المرة، مخاطر "الأمونيا"، و "الأنفاق" التي تمتد من قطاع غزة لتصل إلى البلدات اليهودية داخل الخط الأخضر، فالأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يعيشها سكان القطاع، قد تنفجر في وجه إسرائيل، وهناك احتمال وجود "أنفاق" من لبنان، إلى داخل المستوطنات شمال إسرائيل، ليأتي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال "غادي ايزنكوت"، للتهديد بتحويل لبنان .. كل لبنان، إلى ما أصاب الضاحية الجنوبية، كما فعل الجيش الإسرائيلي، في عدوانه عليها عام 2006، وكرر أقوال رئيس الأركان الجنرال "موتي كاتس"، قائد "فرقة الجليل رقم 91"، الذي لجأ لنفس التهديد والوعيد بإدخال لبنان برمته إلى الدمار عن بكرة أبيه، وإعادته إلى الوراء ليس ثلاثين عاماً، بل إلى (200) عام –على حد تعبيره، "هآرتس 19-2-2016- فأقوال "حسن نصر الله"، بتهديد إسرائيل بالقنبلة النووية، من خلال تفجير حاويات "الأمونيا" في خليج حيفا، جاءت كرد مباشر على تصريحات رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية، بتكريس ميزان الرعب، ولردع إسرائيل عن نواياها، وحسب "نصر الله"، فإن صواريخه التي تصل إلى كل مكان في إسرائيل، قد يطلقها على مستودعات "الأمونيا"، التي ستؤدي إلى مصرع عشرات آلاف الإسرائيليين.
المصادر العسكرية الإسرائيلية، تتوقع اندلاع حرب جديدة على لبنان خلال العام الحالي، فالجيش الإسرائيلي يعد العدة استعداداً لهذه الحرب، ويجري التدريبات على الحدود اللبنانية، لضرب حزب الله المنشغلة قواته في سوريا، وتمرينات أخرى على طول حدود قطاع غزة، للقيام بعدوان جديد تحت عنوان "تدمير الأنفاق"، لكن التهديدات بتفجير "الأمونيا"، وما قد يسببه من كارثة على حيفا وخليجها ومنطقتها الصناعية، ومعامل تكرير البترول، وآلاف المصانع من أنواع مختلفة، ومئات حاويات "الأمونيا" الصغيرة بجوار هذه المصانع التي تحتاج لها في عملها، وإذا ما أضفنا، بأن تقارير وزارة الصحة الإسرائيلية، تشير لزيادة انتشار مرض السرطان في هذه المنطقة، وأمراض أخرى بسبب تلوث هواء المنطقة الصناعية مما يتطلب إعادة حسابات إسرائيل الاستفزازية للفلسطينيين ولخارج فلسطين.
إسرائيل تهدد .. لكن أن تتلقى تهديدات خارجية فلا، أو يرد على استفزازاتها، ونتيجة لسياستها العدوانية، فإنها تقف أمام عدة معضلات، هزت إستراتيجيتها واستعداداتها، فهناك الصواريخ الإيرانية، وصواريخ حزب الله، وحرب الأنفاق سواء كان في محيط غزة أو جنوب لبنان، فـ"إسماعيل هنية"، الذي أعلن أن غزة أصبحت تمتلك منظومة ردع، ولا يقول بتوازن رعب مع إسرائيل، رد عليه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الذي يستعد جيشه لجولة عسكرية أخرى على غزة، في الصيف المقبل، مؤكداً جاهزية الجيش لهذه الحرب "يديعوت احرونوت 22-2-2016"، أما من جانب الغزيين، فإنهم لا يستبعدون مواجهة عسكرية جديدة مع إسرائيل، وأنها ستكون أكثر دموية وعنفا، وحسب وكالة سما الفلسطينية، فإن (29) خبيراً أمنياً وسياسياً يعدون سيناريو الحرب الثالثة على لبنان، نقلاً عن موقع مركز "هرتسيليا" متعدد المجالات على موقعه الإلكتروني، وأن عدد الأهداف التي تنوي إسرائيل مهاجمتها في لبنان، بين ستة آلاف إلى ثمانية آلاف هدف، سيؤدي إلى طرد مليون ونصف لبناني، من مواقع العمليات العسكرية، فالمناورات الواسعة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي، بضرب البنية الاساسية في لبنان، ومهاجمة الجيش اللبناني وحزب الله، وضرب المطارات والموانئ وكل ذخر إستراتيجي، أي حرب شاملة إسرائيلية على كل لبنان، وأن هذه الحرب يجب أن تكون حاسمة، وفقاً للمخططات الإسرائيلية.
قبل عدة أعوام، اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً بنقل مخازن "الأمونيا"، ومصانع كيماوية أخرى، إلى صحراء النقب، فمستودعات "الأمونيا" الرئيسية وهي مادة شديدة الخطورة، تخزن في بناية مؤلفة من أربعة طوابق داخل ميناء حيفا، ومنذ عام 2013 والحكومة تعد بنقلها دون تنفيذ وعودها، ولنفترض أن تنقل، فإن الصواريخ قد تطالها، وحسب جريدة "يديعوت احرونوت 21-2-2016"، فإن الجيش الإسرائيلي يدعو إلى إجراء الاستعدادات اللازمة، لإصابة خزانات "الأمونيا" إصابات مباشرة، حتى وإن نقلت إلى النقب، لكن الفرق أن لا كثافة سكانية في النقب، مقابل مليون نسمة في حيفا وضواحيها، فمخزن "الأمونيا" والذي يحتوي على أكثر من (15) ألف طن، يؤدي انفجاره إلى مصرع عشرات آلاف السكان، وصف كالقنبلة النووية تماماً وهو مملوك لشركة حيفا للكيماويات، وهي شركة خاصة، فسكان حيفا وضواحيها مرعوبون ويصيبهم الهلع من مخاطرها، حتى أن رئيس بلدية حيفا ناشد رئيس الوزراء نقل المستودعات بالسرعة الممكنة لتجنب تهديدات حزب الله.
ونعود إلى ما يطلق عليه إسرائيلياً بحرب الأنفاق، فحسب جريدة "يديعوت احرونوت 10-2-2016"، فإن ألف حمساوي يقومون بحفر الأنفاق، يحفرون (50) متراً أسبوعياً، على عمق (25) متراً، وهذه الأنفاق قد تفاجئ سكان المستوطنات داخل الخط الأخضر، في محيط القطاع، فالجيش الإسرائيلي يبذل جهداً حثيثاً، استخبارياً وتكنولوجياً لمعالجة خطر "الأنفاق"، فقضية "الأنفاق" تحتل رأس أجندة الجيش الإسرائيلي، فمئات الجنود يقومون بالبحث عن الأنفاق على طول حدود القطاع، بواسطة أجهزة بحث متطورة، يفحصون كل شبر من التراب، هذه "الأنفاق" التي أثارت كوابيس الخوف في رؤوس المستوطنين، وطيرت النوم من عيونهم، ويدعي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بأن الجيش يبحث عن كل الحلول الممكنة فلديه أفضل وأحدث الأجهزة بالعالم، لمتابعة الأنفاق، وهناك عشرات فرق الهندسة تعمل، إضافة لعمليات سرية لتدمير "الأنفاق"، حيث استثمرت إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، (3) مليارات شيكل للكشف عن الأنفاق، إضافة إلى (120) مليون دولار مساعدات أميركية، وهناك اقتراحات بتوجيه ضربات استباقية لـ "الأنفاق"، في حال عدم نجاح الوسائل التكنولوجية فقضية "الأنفاق" ولّدت صداعاً في رأس الحكومة، وتوتراً ورعباً للبلدات اليهودية المجاورة، فبعد انهيار ثلاثة أنفاق خلال الأسابيع الفائتة، كان ضحيتها عشرة من كتائب القسام، كشفت المعلومات بأن الجيش الإسرائيلي قام بهدمها، عبر استخدامه تكنولوجيا خاصة، فقد سئل منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة الجنرال "يؤاف مردخاي"، عما إذا كان لإسرائيل دور في انهيار "الأنفاق" أجاب: الله أعلم.
في وثيقة غير مسبوقة تحت عنوان: "إستراتيجية الجيش الإسرائيلي، رؤية قتالية للمرحلة القادمة"، حدد فيها رئيس الأركان الاستعدادات والمخاطر المتعلقة بالدول البعيدة مثل إيران، أو المنظمات مثل حماس وحزب الله وداعش، وأن الأضواء الحمراء بنظر الجيش، الحذر من حزب الله خاصة، والاستعداد لحماس، مع أن إسرائيل تعتقد بأن حزب الله أقام أنفاقاً في جنوب لبنان، مخبأة بالإسمنت، ومجهزة بالكهرباء والتكييف، وبحوزة كوادر الحزب قاذفات وصواريخ، فالجيش الإسرائيلي يكثف قواته على الحدود مع لبنان، ويرفع مستويات التأهب على الحدود اللبنانية، ويضع أجهزة تنصت قرب وداخل لبنان، ويقوم بطلعات جوية استخبارية لالتقاط الصور جواً من داخل الأراضي اللبنانية.
إن المؤسسة الإسرائيلية في ورطة، وكلما تنجح بغلق باب، تفتح عليها أبواب أخرى، فمستوطنات غلاف غزة تطالب "نتنياهو" بخطة لمواجهة الأنفاق، وقام "نتنياهو" بزيارة هؤلاء المستوطنين لتطمينهم، لكنهم لم يرتاحوا لتطميناته، وتفيد المصادر أن "أنفاق" غزة، أصبحت مدينة تحت الأرض، وكما قال "إسماعيل هنية" –نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"- أن حركته تعمل في البر والبحر وعلى الأرض وتحت الأرض، وأشارت جريدة "يديعوت احرونوت 20-2-2016"، إلى أن الأسير المحرر "يحيى السنوار"، تحول إلى شخصية قيادية في كتائب القسام، إلى جانب القيادي "محمد ضيف"، المسؤول عن مشروع حفر "الأنفاق"، وحسب رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "هيرتس هليفي"، أن الوضع الاقتصادي المتدهور في القطاع من شأنه أن يتفجر باتجاه إسرائيل وقد أوصى الجيش الحكومة بعقد هدنة طويلة الأمد مع حماس، مقابل الاستجابة لبعض مطالبها، منها الموافقة على إقامة ميناء بحري، وهذا مندرج ضمن المفاوضات الإسرائيلية-التركية، حتى أن اليمين الإسرائيلي موافق على إقامة الميناء مقابل التهدئة، ومع أن حروب إسرائيل الثلاثة على القطاع، لم ولن تؤدي إلى تحقيق أهدافها، وأن البديل لجولة عنف جديدة خلال الصيف، كما كتب المحلل العسكري لجريدة "يديعوت احرونوت 22-2-2016"، اليكس فيشمان المعروف بصلاته بالدوائر الأمنية، أن البديل لهدنة طويلة الأمد، حرب إسرائيلية على القطاع في الصيف القادم، لكن إسرائيل لم تعتبر وتتعلم من دروس الماضي العدوانية، باختيار إنهاء احتلالها والجنح إلى السلام الذي يحفظ أمنها.

مدير دار الجليل للنشر والدراسات الفلسطينية