إليزابيث درو
نالت هيلاري كلينتون، باعتبارها واحدة من أكثر النساء شهرة في العالم والتي شغلت بعضاً من أعلى المناصب في السياسة الأميركية وربما تصبح الرئيس القادم للولايات المتحدة، أكثر من نصيبها العادل من العذاب والكرب. فبعد أن اُعتُبِرَت على نطاق واسع الشخصية الأقرب إلى ترشيح الحزب الديمقراطي لها قبل عام واحد، تجد نفسها الآن في مواجهة صعوبات أشد كثيراً من تلك التي تصورها أي شخص، بما في ذلك هي شخصيا.
بيد أن أغلب المشكلات التي تواجهها كلينتون كان من الممكن التنبؤ بها في عام 2008، عندما خاضت السباق ضد باراك أوروبا. وبعض هذه المشاكل هي التي جلبتها على نفسها.
فهي بادئ ذي بدء ليست ببساطة سياسية بارعة. فكلينتون هي الشخصية الوحيدة المعروف عنها أنها أطلقت حملتها مرتين. (لم تكن المحاولة الأولى في ولاية أيوا، حيث تحدثت إلى نحو ثمانية أشخاص في جلسات مغلقة، ناجحة). الواقع أن هذه المرأة المبهرة العظيمة الذكاء لا تتمتع بحس السياسة المطلوب على أعلى المستويات.
إن النجاح في السياسة الرئاسية في الولايات المتحدة يتطلب الحدس الممتاز، وسرعة الحركة، وفي المقام الأول من الأهمية المنطق المقنع لخوض الانتخابات. صحيح أن كلينتون تعرض العديد من البرامج التي تعتزم تنفيذها في حال انتخابها؛ ولكن ربما نستطيع أن نقتبس من ونستون تشرشل فنقول إن "الحلوى التي تقدمها بلا مذاق". فهي ليست بارعة في نقل الرسائل إلى الناس: "أنا تقدمية قادرة على إنجاز الأمور".
وعلى النقيض من ذلك، أصبح نظيرها بيرني ساندرز منافساً خطيراً لأنه كان بارعاً في صياغة رسالة مقنعة لحملته: "النظام صوري زائف، ويعمل أسلوب تمويل الحملات الانتخابية الفاسد على إصابته بالشلل".
والواقع أن البرامج الشاملة التي يروج لها ساندرز ــ نظام الرعاية الصحية الذي يعتمد على دافعِ واحد والتعليم المجاني في الجامعات العامة ــ تحظى بشعبية كبيرة برغم كونها غير عملية، وخاصة بين الشباب الذين يفضلون ساندرز على نحو ساحق. ورسالة كلينتون تدريجية وطويلة الأجل: "لا تستغرقوا في الأحلام". في حين يبشر ساندرز بثورة سياسية.
ثم هناك مسألة الجدارة بالثقة. فاستقامة ساندرز تُعَد غير قابلة للشك، في حين تستمر كلينتون في تقديم أسباب التشكك في مصداقيتها. ومن الواضح أنها ومستشاريها مشدوهون إزاء قوة التحدي الذي تواجهه.
يبدو ساندرز أصيلاً جديراً بالتصديق، في حين تبدو كلينتون مبرمجة. بل إنها تبدو في بعض الأحيان عديمة الذوق، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمزاج العام حول موضوع المال. فكان الغضب يختمر لسنوات إزاء الفجوة المتزايدة الاتساع بين أثرى الأثرياء والجميع في ما عداهم. وقبل فترة وجيزة من بدء حملتها، قالت هيلاري كلينتون إنها كانت هي وزوجها "مفلسين تماما" عندما تركا البيت الأبيض. وإذا كان الأمر كذلك، فلابد أن ثروتهما تعافت بسرعة هائلة. فمن المعتقد أن ثروة بِل وهيلاري كلينتون تتجاوز 100 مليون دولار أميركي، وكل هذه الثروة جُمِعَت منذ غادرا البيت الأبيض، وأغلبها من خلال الرسوم الفلكية التي يحصلان عليها في مقابل إلقاء المحاضرات والأحاديث.
فعلى نحو لا يختلف عن غيره من رؤساء الولايات المتحدة ــ جيمي كارتر هو الاستثناء الملحوظ ــ استغل آل كلينتون شهرتهما ونفوذهما لبناء ثروتهما. وليست المشكلة في الكيفية التي جمعا بها أغلب أموالهما بل تكمن المشكلة في من دفعها لهما. ففي حين عَقَد بِل كلينتون صفقات تجارية مع بعض الشخصيات الدولية المشبوهة، جمعت هيلاري قدراً كبيراً من ثروتها من خلال إلقاء الخطب أمام شركات وال ستريت، الهدف الرئيسي لغضبة عامة الناس نظراً لتسبب هذه الشركات في إحداث أزمة الركود العظيم عام 2008.
وكان هذا بمثابة هدف مثالي لساندرز، الذي ركز على حقيقة مفادها أن كلينتون حصلت على 675 ألف دولار أميركي في مقابل ثلاثة خطابات ألقتها في مناسبات تخص بنك جولدمان ساكس. وقد أعادتها اتهامات ساندرز إلى صوابها؛ فعندما سألها أحد المشرفين في تاون هول على قناة السي إن إن لماذا قَبِلَت كل هذه الأموال من بنك جولدمان ساكس، ما كان من كلينتون المرتبكة إلا أن هزت كتفيها وأجابت: "هذا هو المبلغ الذي عرضوه".
ثم هناك الجدال المثار حول اختيارها استعمال خادم حاسوبي خاص غير مؤمن في بيتها في شاباكوا بنيويورك لمعالجة بريدها الإلكتروني، الشخصي والخاص بأعمالها، عندما كانت وزيرة الخارجية أثناء ولاية الرئيس باراك أوباما الأولى. والآن تلاحق مسألة الخادم التي تم الكشف عنها لأول مرة في مارس 2015 حملتها الانتخابية، فتفتك بها، حيث تتناول قدرتها على الحكم على الأمور وليس ذوقها فحسب. فكيف لم تدرك أن وزير الخارجية يتلقى معلومات سرية وربما يرد عليها أيضا؟
وبعد أن أصبحت مسألة الخادم معروفة للعامة، لجأت كلينتون، كما كان زوجها يفعل دوما، إلى التعبيرات القانونية: فهي لم تتلق أو ترسل أية معلومات على خادمها الشخصي "تحمل علامة سري في ذلك الوقت".
وعلى الفور استشعر طلاب أحاديث كلينتون شيئاً مريبا. فقد تبين أن وزارة الخارجية لديها نظامان للبريد الإلكتروني: أحدهما سري والآخر غير سري؛ ولا يمكن إرسال نوع بعينه من المواد عبر النظام الآخر. ولتجنب إرسال معلومات سرية إليها على خادمها الشخصي، كان مساعدوها يسلمونها مثل هذه الرسائل بوسائل أخرى ــ شفهياً أو عن طريق ملخصات مكتوبة. وبالتالي فإنها لم تكن "تحمل علامة سري في ذلك الوقت".
ورغم ذلك، عثر مفتشو وزارة الخارجية على المئات من رسائل البريد الإلكتروني المرسلة بواسطها خادمها والتي لابد وأنها كانت سرية. والآن يحقق مكتب التحقيقات الفيدرالي في الأمر.
وأخيرا، فإن ما كان من المفترض أن يمثل رصيداً ضخماً لترشحها ــ احتمال صنع التاريخ باعتبارها أول امرأة تتولى رئاسة الولايات المتحدة ــ لا يعود عليها بالفائدة المرجوة كما توقعت هي ومديرو حملتها. فكما حدث في عام 2008، لا تريد أعداد كبيرة من النساء أن يُقال لهن إنهن لابد أن يدعمن كلينتون لمجرد كونها امرأة. فهن يعتبرن هذا إهانة لذكائهن، والواقع أن النساء الشابات بشكل خاص يؤيدن ساندرز إلى حد كبير، فهن يفضلن برنامجه الانتخابي ويشعرن بالقلق إزاء تساؤلات حول مدى استقامة هيلاري كلينتون. وكانت المجموعة الوحيدة من النساء اللاتي تمكنت من استمالتهن في نيوهامبشر، حيث تغلب عليها ساندرز بنحو 22 نقطة مئوية، من النساء فوق سن الخامسة والستين.
وفي أحدث مؤتمر حزبي في ولاية نيفادا، يبدو أن الميزة المفترضة التي تتمتع بها كلينتون بين الناخبين من ذوي البشرة غير البيضاء، والذين يمثلون عاملاً أكبر كثيراً في نيفادا مقارنة بولاية أيوا أو نيوهامبشر، خدمتها إلى حد كبير، حيث فشل ساندرز بشكل خاص في الفوز بالعدد الكافي من الناخبين الأميركيين من أصول أفريقية لكي يتمكن من التغلب عليها. وربما يبشر هذا بالخير في ما يتصل بمسابقات الترشح الحزبية المقبلة. غير أن الانتخابات العامة ربما تكون أمراً مختلفا.
مؤلفة كتاب "يوميات واشنطن: تقرير ووترجيت وسقوط ريتشارد نيكسون".