ترودي روبين
لماذا يريد أي أحد في الشرق الأوسط أن يتحالف مع الولايات المتحدة؟ هناك أسباب عديدة لطرح هذا السؤال، ولكن إليكم سببا واحدا من بين تلك الأسباب أجده باعثا على الانزعاج بصفة خاصة: كيف أن الولايات المتحدة تخذل الآلاف من الأفغان والعراقيين الذين تتعرض حياتهم للخطر لأنهم عملوا مع الأمريكيين. من أجل هذا "الذنب" يتم تهديدهم الآن هم وأقاربهم بالقتل.
كنت قد كتبت من قبل عن التأخيرات الطويلة في إصدار التأشيرات الخاصة للمترجمين العراقيين والأفغان الذين عملوا مع المسؤولين العسكريين والمدنيين الأمريكيين. ولكن هناك الآلاف من العراقيين الآخرين الذين حصلوا على وعود باللجوء لأنهم هم أو أقاربهم عملوا مع شركات مقاولات ومنظمات غير حكومية ووسائل إعلام أمريكية وهم يعيشون الآن في خوف لأن طلباتهم تتأخر بلا نهاية – حتى قبل عملية الفحص الأمني التي تستغرق سنوات.
إن العملية برمتها يمكن أن تستمر حتى ما يقرب من خمس سنوات، كما يقول العاملون في مشروع المساعدة الدولية للاجئين، وهو جزء من مشروع العدالة الحضرية. وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أنه لا يوجد عدد كاف من الموظفين في السفارة الأمريكية في بغداد للتعامل مع آلاف المتقدمين.
وقصة علي – الذي عرفت أسرته على مدى سنين – توضح الانتقام الوحشي الذي يمكن أن يتعرض له هؤلاء العراقيين بينما طلباتهم في طي النسيان. هذا يجعل المرء يتساءل لماذا يكون أي شخص غبيا بما يكفي لمساعدة الأمريكيين مرة أخرى.
إن حياة علي في خطر لأن شقيقه سلام ساعد الجيش الأمريكي وعمل مع صحفيين أمريكيين. وقد عمل سلام معي أنا سائقا ومترجما أثناء زياراتي العديدة إلى بغداد فيما بين عامي 2003 و 2008.
وخلال سنوات الحرب الأهلية الوحشية من عام 2005 إلى عام 2007، بدأت الميليشيات المتطرفة المعروفة باسم جيش المهدي في قتل العديد من جيران سلام وطردوا الباقين من الحي. وكانت نفس هذه الميليشيات تقتل أيضا الجنود الأمريكيين.
وقد غضب سلام من عمليات القتل الطائفي وأبلغ ضباطا في قاعدة عمليات أمريكية متقدمة في الحي الذي يعيش فيه عمن كان يقوم بالقتل، مما أدى إلى اعتقال أفراد ميليشيا محلية. كما أنه أحضرني أيضا إلى الحي للكتابة عن جرائم القتل التي ترتكبها تلك الميليشيات.
وعندما انسحبت القوات الأمريكية من بغداد وتم إغلاق القاعدة التي كانت موجودة في حي سلام، دفع سلام وعائلته ثمنا باهظا.
فقد عملت الميليشيا التي أرشد عنها سلام – والتي كانت لها اتصالات داخل الجيش العراقي – على ضمان قيام الجيش باعتقال سلام وتعرضه للتعذيب. وعندما كان في السجن، قتلت الميليشيات أحد أشقائه وأحد أبناء عمه. وبعد إطلاق سراحه، تلقى العديد من التهديدات بالقتل واضطر إلى الفرار من العراق حيث عبر بقارب من تركيا إلى قبرص.
في بغداد، أدت الفوضى إلى تشجع الميليشيات وسعبت إلى المزيد من الانتقام. ففي يونيو الفائت، قامت ميليشيات جيش المهدي بعمل رسومات جدارية في منزل سلام وصفته فيها بأنه "جاسوس أمريكي" وهددت بقتل المزيد من أفراد عائلته.
وقد اضطر علي إلى الاختباء وتغيير مكانه بشكل متكرر، في حين انتقلت زوجته وأولاده مع أقاربهم. وفي حالة من اليأس، تقدم بطلب في أغسطس الفائت لدخول الولايات المتحدة في إطار برنامج الوصول المباشر؛ وقد كان هو وأسرته مؤهلون لهذا البرنامج لأن سلام عمل مع صحيفة أمريكية. (مساعدة سلام للجيش الأمريكي، والتي أكدها ثلاثة من ضباط الجيش، لم تساعده لأنه قام بها مجانا بلا أجر.)
وهنا تصل القصة إلى مرحلة الجنون. فقد كان علي يعلم أنه ربما يضطر للانتظار لمدة عامين لإجراء فحوصات أمنية في عملية درامية. ولكنه لم يتخيل أبدا أنه قد ينتظر إلى أجل غير مسمى فقط لمجرد أن يدخل في قائمة الانتظار.
إن عملية الوصول المباشر تتطلب التحقق من الوظيفة وإجراء مقابلتين في مقر السفارة الأمريكية قبل أن تبدأ عملية الفحوص الأمنية. ولكن في يونيو عام 2014، بعد أن سيطر تنظيم داعش على الموصل وهدد بغداد، تم إجلاء موظفي السفارة غير الأساسيين، وتقليص عدد العاملين في معالجة شؤون اللاجئين ووقف العملية لعشرة أشهر.
ويوجد الآن تراكم مقداره 60,000 متقدم وأفراد أسرهم.
لقد استغرق الأمر ستة أشهر لعملية الوصول المباشر فقط لمجرد التحقق من وظيفة علي، ومازال لم يتم استدعاؤه لإجراء أول مقابلة معه. وقد تم مهاجمة منزل والديه بقنبلة يدوية. وهو يخشى الآن أن يتم قتله قبل أن يتم إجراء المقابلة الأولى.
ولقلق سلام وهو في قبرص على أخيه خشية أن يتم قتله، أصيب بنوبة قلبية.
لقد تحدثت مع علي عبر الهاتف من مكان اختبائه في بغداد، فقال لي: "أنا أخشى أن يكون المستقبل أسوأ بالنسبة لي ولأسرتي. أنا لا أستطيع الخروج إلى الشارع في ضوء النهار لأنه ربما يكون أحد أفراد الميليشيا منتظرني ليقتلني. وأبنائي لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة لأنهم في خطر أيضا".
قال لي المسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية إن عدد الأفراد المتوفرين لمقابلة المتقدمين لبرنامج الوصول المباشر زاد الآن إلى عشرين (بعد أن كان عشرة أفراد منذ عام مضى) وأنهم يأملون أن يزيد إلى ثلاثين. ولكن هناك حاجة إلى أكثر من ذلك بكثير لمعالجة طلبات 60,000 متقدما.
إن علي وسلام يجدان من شبه المستحيل عليهما فهم التفسيرات البيروقراطية. ففي لغة سمعتها مرارا وتكرارا من مترجمين عراقيين وأفغان، يتساءلون لماذا يتخلى المسؤولون الأمريكيون عن الناس الذين ساعدوهم.
لقد توصل سلام، الذي قتل صدام حسين عمه، والذي شعر بسعادة غامرة عندما أطاحت الولايات المتحدة بهذا الطاغية، توصل إلى نتيجة محزنة: "لقد أمرض صدام حسين العراق، ولكنه لم يقتل العراق. أما الآن فقد مات العراق".
والسؤال الآن هل يستطيع علي البقاء على قيد الحياة مدة تكفي لأن يتم إجراء مقابلة له في برنامج الوصول المباشر؟
كيف يمكننا أن نتوقع ولاءً من حلفائنا في المستقبل إن كنا نعامل حلفائنا الحاليين بهذه الطريقة السيئة أو حتى نتركهم يموتون؟
* كاتبة عمود في الشؤون الخارجية في صحيفة فيلادلفيا إنكوايرر