تواصل الخير بين الأجيال

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٣١/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٤:٤٦ ص
تواصل الخير بين الأجيال

أحمد المرشد

يقول المولى عز و جل في كتابه العزيز:{وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)}..وفي الصحيح عن أبي بكرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين}.. وعن أنس في الصحيح أيضا: {الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين}..ولعل تفسير {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ}، يختص بحالة الكبر لأنها ربما تثقل على الأبناء ويشعرون بالملل ويكثرون الضجر من تصرفات الآباء والأمهات أحيانا، فيظهر المرء غضبه على أبويه. ثم أن أقل المكروه أن يؤفف لهما، وهو ما يظهره بتنفسه المردد من الضجر..كما يعني تفسير{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}، التذلل للوالدين تذليل الرعية للأمير والعبيد للسادة، وضرب خفض الجناح ونصبه مثلا لجناح الطائر حين ينتصب بجناحه لولده أو لغيرهم من شدة الإقبال. أما{وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} فمعناه: ادع لهما في حياتهما وبعد مماتهما بأن يشملهما الخالق برحمته ومغفرته كما رحماك وأنت صغير، وترفق بهما كما رفقا بك، فالله هو الذي يجزي الوالد عن الولد.

ربما كانت هذه المقدمة وسيلتي لأعبر من خلالها عن مدي سعادتي بدعوتي لحضور فاعليات «جائزة البغلي للابن البار» بدولة الكويت الشقيقة وذلك تحت شعار «أمي وأبوي تاج راسي»، حيث أسعدني الحظ في التعرف على مبرة إبراهيم البغلي وأفرعها الرئيسية ومساهماتها في عمل الخير، باعتبارها إحدى روافد العمل التطوعي الخيري. فهذه المؤسسة الاجتماعية، تعمل على تنظيم البرامج التربوية الهادفة، التي ترسخ ترسيخ المبادئ والعبادات الحسنة في المجتمع الكويتي، عن طريق تعزيز فضيلة البر بكل أنواعه، لاسيما بر الوالدين.

فالمبرة تجسد الآيتين 23و24 من سورة الإسراء التي ذكرناها في البداية تجسيدا حيا..لماذا؟ لآن من الأهداف النبيلة لمبرة البغلي للابن البار تشجيع الأبناء على بر والديهم، وأقاربهم وأولي أمرهم، وكبار السن بصورة عامة، من خلال تنظيم الأنشطة والفعاليات الهادفة، التي تقيمها المؤسسة في صورة مسابقات متنوعة. وتقوم المبرة من خلال فاعلياتها بتقديم الجوائز البسيطة المحفزة، تكريساً لدورها في توعية المجتمع بضرورة بر الوالدين، ونشر هذا الوعي بين الأسر الكويتية، من أجل توطيد هذه العلاقة، وتعزيز سلوك الأبناء الإيجابي تجاه والديهم أو أولي أمرهم، وخير معبر عن عمل المبرة هو شعارها البارز «أمي وأبوي تاج راسي»..لقد تعرفت عن قرب على عمل المبرة المؤسسي، فهي تحقق أهدافها عبر بتعزيز عمل وسائل الإعلام في قضايا الآباء والأجداد، ونشر المطبوعات التي تحث على بر الوالدين، وإقامة البرامج المسموعة والمرئية، وتشجيع الأبناء المغتربين على الاستمرار في الاتصال بوالديهم بصفة مستمرة.

ومن خلال مشاركتي في الحفل السنوي للمبرة تعرفت عن قرب عن البرامج التربوية الهادفة التي تنظمها تلك المؤسسة الخيرية، وهي برامج هادفة لتشجيع الأبناء على بر والديهم وأقربائهم، واستنت المؤسسة برامج جديدة تخطت المفهوم القديم في العمل الخيري، إذ تم ابتكار مسابقات محفزة لتحقيق الأهداف، ومنها أن مسابقة وجائزة البغلي للابن البار، وتستهدف العمل على تعزيز العلاقات الأسرية، وترابط المجتمع الكويتي، كما تعمل على تعزيز المشاركة في العمل التطوعي في الكويت، حيث تهدف هذه المسابقة إلى توعية الأبناء باحتياجات كبار السن، وتفعيل دور كبار السن لدمجهم في المجتمع ومسابقة البغلي للابن البار في القصة القصيرة ومسابقة البغلي للابن البار في التصوير الفوتوغرافي، من خلال التقاط الصور التي تدل على مظاهر البر بالوالدين وكبار السن.ومسابقة في الفنون التشكيلية، ويكون العمل عبارة عن لوحة فنية تدل على مظاهر البر بالوالدين وكبار السن.

وأيا كانت قيمة الجوائز المقدمة من المبرة إلى الفائزين، فالملاحظ أن السمة الرئيسية المشتركة بين أنواع الجوائز هو التعبير عن بر الوالدين، فالهدف الأسمى كبير في مضمونه ومعناه أكبر، إذ يدل العمل الخيري هنا على العرفان والوفاء للأبوين و كل شخص صادق يؤمن بالتعاون والعطاء، ويعمل على تعزيز هذا الإحساس في نفوس الأجيال الصغيرة. فالمبرة أخذت علي عاتقها مهمة كبيرة جدا وهي تعزيز وتشجيع المجتمع الكويتي على احترام ورعاية وبر الأبوين، لتعزيز فضيلة البر التي حث عليها الإسلام، وتعزيز العمل الخيري والتطوعي والإنساني في المجتمع.
لكم أسعدني أن أتعرف على رجال الخير في دولة الكويت الشقيقة، ومنهم مؤسسو المبرة فهم يطبقون القول المأثور: «من فعل خيراً للوالدين يلقاه في دنيته وآخرته»، فالمولى عز وجل قال في رسوله الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم} وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين {فهو الرحمة المهداة والنعمة المسداة للخلق أجمعين، في مشارق الأرض ومغاربها يدلهم على الخير. كما جاءت نصوص الكتاب والسنة لتفعيل الخير وتنشيطه، فالمسارعة والمسابقة في الخيرات هي من سمة أهل الإسلام، المسارعة والمسابقة من السمات الحقيقية للأمة الإسلامية والنبي صلى عليه وسلم، كما أمرنا نبينا الكريم في صحيح مسلم بالمبادرة واقتناص الفرص في الأعمال الخيرية فقال (بادروا بالأعمال) فالأصل في المسلم المبادرة في عمل الخير قبل أن يرتحـل، لأن المقصود هو الزراعة في هذه الدنيا، حتى يجني الثمرة في الآخرة.
إن مجالات عمل الخير كثيرة ولا تعد ولا تحصى، فمن يزرع شجرة في الطريق كمن يزرع الخير كله، لأن المقصود هنا هو البحث عن مرضــات الله عز وجل.. كما هناك مشروعات الخير المعروفة بكفالة اليتيم والفقراء والمساكين، بهدف إغناء الفقير وحفظ ماء وجهه عن السؤال وإعادة اعتبار شخصيته له كمسلم له العز والمكانة. ومن أعمال الخير نشر الوعي بحقوق الوالدين والعمل على برهما والوفاء لهما بما قدماه لأبنائهم وهم صغار وكبار.ومن الأسماء التي تشرفت بلقائها في الحفل المذكور، الشيخ أحمد الجابر العبد الله الجابر الصباح، وهو الفائز بلقب «أبناء الكويت البررة لسنة 2017»، وهو المعروف بميوله الرياضية حيث يرأس الاتحاد الكويتي للتنس والرئيس الفخري للاتحاد الآسيوي للتنس ورئيس لجنة تطوير الرياضة الكويتية، وغيرها من المناصب الرياضية التي جعلته من الشخصيات الرياضية البارزة في الكويت..ناهيك عن صيته الواسع بين أهل الخير بأنه رجل خير وعطاء، يعرف عنه كرمه ووده.
ولكم أتمنى أن تتوسع تجربة المبرات الخيرية في وطننا العربي، فأهل الخير كثيرون، ونحن بحاجة إلى كل الطاقات والقدرات والإمكانات في تنشيط العمل الخير. وليس المقصود بعمل الخير جمع المال فقط لتوزيعه على الفقراء والمحتاجين، وإنما لتفعيل الخير لدى المجتمع كله، لأن كل إنسـان يتفاعل في عمل الخير يقترب من العمل الصالح، ويبتعد خطوة عن أهل الشر.

كاتب ومحلل سياسي بحريني