بريكست والهاوية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٣١/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٤:٤٥ ص
بريكست والهاوية

دومينيك مويسي

عندي صديق بريطاني لا يسافر مطلقاً بدون جواز سفره الإيرلندي أو على الأقل منذ يونيو 2016 عندما قامت المملكة المتحدة بالتصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي حيث كان يقول «على سبيل الاحتياط، فأنت لا تعلم مطلقاً ما قد يحصل.

لقد أصبح الجواز الإيرلندي منذ بريكست مثل بوليصة التأمين ضد اللا عقلانية ويمثل بالنسبة لصديقي على أقل تقدير إمكانية الاحتفاظ بهويته الأوروبية وهو يعتقد أنه لو ساءت الأمور في لندن فإن دبلن ستكون البديل.

إن التحوط قد أصبح النهج المفضل لأولئك الذين يسعون إلى إيجاد معنى للطلاق البريطاني من الاتحاد الأوروبي. إن الاتفاقية التي تم التوصل إليها هذا الشهر بين مفاوضي المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي قد زادت من حالة القلق تلك فمن جهه فإن هذا «الاختراق» يؤذن ببدء المحادثات فيما يتعلق بمفاوضات العلاقات لمرحلة ما بعد البريكست مما يجعل الانفصال يبدو حتميا ومن جهة أخرى هناك اعتقاد أنه لا يوجد شيء قد تم اعتماده بعد وأن الحل النهائي سيأتي فقط بعد تسويه العديد من القضايا الشائكة.
إن الحدود الفعلية بين إيرلندا الشمالية التي هي جزء من المملكة المتحدة وإيرلندا التي ستبقى ضمن الاتحاد الأوروبي ما تزال من أكثر المشاكل تعقيداً، وتلك القضية قد تصبح قضية القرن الحادي والعشرين على غرار مسألة شليسفيج –هولشتاين بين الدبلوماسيين الأوروبيين في القرن التاسع عشر – أي كابوس متكرر.
لكن الحدود الإيرلندية هي ليست التحدي الوحيد الذي يواجه محادثات بريكست فهناك العديد من القضايا من التجارة إلى السياسة الخارجية سوف تكون بمثابة اختبار صعب للمفاوضات.
إن من الواضح أن صديقي تتنازعه مشاعر الأمل والخوف. إن من المفارقات أن تفاؤله ينبع من الاعتقاد بأن تهديد الفوضى سيدفع البريطانيين لإعادة النظر في خيارهم وأن تعود البراجماتية البريطانية وتصبح هي النهج السائد وحتى احتمالية إجراء استفتاء ثانٍ.
إلى جانب الأمل في قوة الفوضى من أجل تعديل الأمور فإن معسكر البقاء في الاتحاد الأوروبي يراهن على أن مؤيدي الخروج من الاتحاد الأوروبي سيدركون في نهاية المطاف حماقة بريكست «غير متشدد» أي مع الإبقاء على روابط مع الاتحاد الأوروبي فأي شيء أقل من الانفصال الكامل عن الاتحاد الأوروبي سيشبه الوضع التي وجدت فرنسا نفسها فيه بعد الانسحاب من القيادة العسكرية للناتو سنة 1966 فحتى قامت فرنسا بإلغاء ذلك القرار سنة 2009 بقيت بطريقة أو بأخرى ملزمه بقيود الأعضاء الآخرين للناتو ولكنها افتقدت للقدرة على إبداء الرأي في أي قرارات سياسية أو عسكرية.
اليوم يبدو أن بريطانيا تتبع المسار نفسه فبريكست غير متشدد ولن يخفف بالضرورة الألم الاقتصادي لـ«الطلاق» ولكن من المؤكد أنه سيكون محبطاً من الناحية السياسية للمؤيدين والمعارضين على حد سواء وبعد أن تم الطلب من الناخبين التعبير عن رأيهم سيجد هؤلاء أن أي شيء أقل من بريكست متشدد أي خروج كامل من الاتحاد الأوروبي سيكون غير شرعي ويجعل المملكة المتحدة عالقة بين خيارين.
إن الجدل المتعلق ببريكست يعكس أحد المعضلات الرئيسية للديمقراطية فما الذي يتوجب عمله عندما يكون هناك انقسام كبير في البلاد فيما يتعلق بمسألة مهمة للغاية وحتى وجودية؟
إن الأنظمة السلطوية لا تواجه هذا المأزق أو على الأقل ليس ظاهريا فالقيادة هي التي تقرر وبغض النظر عما إذا كانت السياسة طائشة لأولئك الذين لديهم حكومات منتخبة أم لا فإن الشعوب في الأنظمة غير الليبرالية إما أن تلتزم بالسلطة أو تحشد الصفوف من أجل كسر تلك السلطة.
أما في بريطانيا فقد صوتت أغلبية بسيطة لصالح بريكست مما أغرق البلاد في حالة من الارتباك والتي ستستمر بغض النظر عن نتيجة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، وفي وقت سابق من هذا الشهر وجدت دراسه أجرتها مؤسسة يوجوف أن المواطنين البريطانيين ما زالوا منقسمين فيما يتعلق ببريكست كما كانوا عند التصويت في العام الفائت وكأن الجدل قد أصابته وبكل بساطة حالة من الجمود.إن هذا يعود جزئياً لأن الآراء المتعلقة بالتكامل الأوروبي مرتبطه بالتعليم والمكانة الاجتماعية والعمر والموقع الجغرافي وبغض النظر عن مدى براعة المفاوضين البريطانيين ومفاوضي الاتحاد الأوروبي فإنه لا توجد تسوية قد تؤدي إلى جسر الهوة بشكل كامل وعليه فإن الهدف يجب أن لا يكون إيجاد الحلول الأفضل بل أقلها سوءاً وطبعاً لا نزال لا نعرف ماهية تلك الحلول ولكن على أقل تقدير يجب أن يشعر مؤيدو الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي أنه قد تم احترام تصويتهم
إذن رغم التقدم والالتزامات الأخيرة من أجل إحراز تقدم في محادثات بريكست فإنه لا يوجد شيء مؤكد بالنسبة لهذه العملية باستثناء إنها قد تصبح أكثر فوضوية بينما تدق عقارب الساعة معلنة اقتراب نهاية فترة السنتين وهذا قد تنذر بأخبار سيئة لبريطانيا وأوروبا وللديمقراطية

مستشار أول في معهد مونتين في باريس وهو مؤلف كتاب الجغرافيا السياسية أو انتصار الخوف.