دمية أخرى في بولندا

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢١/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٢:٥١ ص
دمية أخرى في بولندا

سلافومير سيراكوفسيكي

لم تتضح الرؤية حتى اللحظة الأخيرة فيما إذا كان البرلمان البولندي ذا سيم قادرا على إجراء تصويت على ترشيح ماتيوسز مورافيكي كرئيس للوزراء فلقد كان تاريخ 13 ديسمبر يقترب سريعاً وأراد حزب القانون والعدالة تجنب إجراء التصويت في ذلك التاريخ بأي ثمن.

بالنسبة للبولنديين فإن تاريخ 13 ديسمبر مرتبط بإعلان الحكومة الشيوعية قانون الأحكام العرفية سنة 1981 حيث في تلك الليلة قبل 36 سنة كان ياروسلاف كازنسكي رئيس حزب القانون والعدالة والزعيم الفعلي اليوم لبولندا يغط في نومه بينما تم اعتقال الآلاف المعارضين الحقيقيين للشيوعية. إن ستانسلاف بيوتروفيتش النائب العام للدولة بموجب الأحكام العرفية (والتي بقيت سارية المفعول حتى سنة 1983) يتزعم حاليا الحملة الحكومية لحزب القانون والعدالة من أجل السيطرة على القضاء البولندي.
تدين بولندا بالفضل بالنسبة للنمو الاقتصادي المحدود الذي شهدته تحت ظل حكومة حزب القانون والعدالة ليس إلى مورافيكي بل إلى اليزابيتا رافالسكا وهي وزيرة العمل والسياسة الاجتماعية والتي عملت على تنشيط الاستهلاك من خلال إجراءات اجتماعية مثل علاوة الأطفال الشهرية والتي تصل إلى 500 زلوتي (140 دولار أمريكي).
إذن ما هو السبب الحقيقي للإطاحة بسزيدلو ؟ الجواب ببساطة هو أنه خلال فترة حكمها قادت الحكومة سفينة الدولة البولندية في رحلة صعبة للغاية كان لا بد في نهاية المطاف من استبدال عارضتها فلقد استمالت كل مؤسسة واداة للسلطة تستطيع استمالتها بدون التفكير بالعواقب.
أما الآن فهي ستجد صعوبة أكبر في تعزيز قبضتها على السلطة. إن الاستيلاء على الإعلام الخاص أو قمعه على سبيل المثال سيضع الحزب في صراع ليس فقط مع المعارضة ولكن أيضا مع المصالح التجارية المتجذرة والتي لديها نفوذ أكبر بكثير في الخارج مقارنة بمحاكم بولندا التي تعاني. لقد واجه مورافيكي هذه الحقيقة في اليوم التالي لترشيحه عندما تسببت غرامة حكومية جائرة ضد شبكة التلفزيون المستقلة تي في ن 24 وهي فرع من شركة الإعلام الأمريكية سكريبس نيتوركس انتراكتف في توبيخ حاد للحكومة البولندية من كل من وزارة الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبي.
في أول مقابلة له كرئيس للوزراء، ذكر مورافيكي لمحطة الإذاعة من أقصى اليمين ماريا بأنه يخطط لإعادة إضفاء الصبغة المسيحية على أوروبا فهل هذا شخص يسعى للمصالحة مع الاتحاد الأوروبي ؟
مورافيكي ليس معروفاً ببراعته أو بصيرته وعندما سألته مونيكا اولينيك من تي في ن 24 أن يختار بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب أجاب قائلا: إن هذا الخيار مثل أن يختار المرء بين الطاعون والكوليرا. إن من نافلة القول إن أول اجتماع بين مورافيكي والرئيس الأمريكي سيكون مثيراً للاهتمام بالفعل.
إن الحقيقة هي أنه كان يجري العمل على خطه لتعديل الحكومة البولندية منذ بعض الوقت ولكن في الخطة الأصلية كان يفترض أن يصبح كازينسكي نفسه رئيسا للوزراء ولكنه غير رأيه بسبب خوفه من ان مثل هذه الخطوة ستعرض للخطر حظوظ حزب القانون والعدالة في الانتخابات البرلمانية لسنة 2019. يريد كازينسكي نصراً ساحقاً وهو يعلم انه بالإضافه إلى وزير الدفاع انتوني ماسيفيتز هما من أقل السياسيين شعبيه ولا يتمتعان بثقة الناس علما أن هناك تأييد اكبر لسيزدلو ومورافيكي.
إن كازينسكي معروف بفقدانة السيطرة على أعصابه في أحاديثه العامة ولو تولى رئاسة الوزراء فسوف يضطر أن يخاطب العامة وحتى الإجابة على أسئلة الصحفيين أحيانا وبوجود سيزدلو لم يكن المسؤولون الحكوميون خائفين من أخبار الزعيم بالحقائق الصعبة ولكن مع تولي كازنسكي السلطة رسمياً فإن الحكومة سينتهي بها المطاف بإن تصبح ضحية لأكاذيبها مما يعني أنها تخدع نفسها وعامة الشعب في الوقت نفسه.
ومع وجود مورافيكي كرئيس للوزراء فإن بإمكان كازينكسي الاستمرار باستخدام دوره غير الحكومي في التحكم بالحكومة بدون أن يتحمل مسؤولية سياساتها أو أفعالها مما يعني أن كازينسكي يقلد الشخص الذي يعتبره مثله الأعلى وهو زعيم مرحلة ما بين الحربين جوزيف بيلاسودسكي (على الرغم من كونه المارشال الأول لبولندا فإنه عمل كرئيس للوزراء مرتين).
لو نظرنا لهذه الاعتبارات السياسية فإن مورافيكي يعتبر مناسباً لأن يكون رئيس وزراء جيداً لنفس السبب الذي كان متوفرا لدى سيزدلو وهو أنه شخصية غير مهمة ضمن الحزب واليوم بعد أن حظي بدعم كازينسكي فإن كبار الشخصيات القيادية في حزب القانون والعدالة مثل ماسيرفيسز ووزير العدل زبينجيف زيوبرو والذي اصبح يتمتع منذ وقت ليس بالبعيد بالسيطرة المباشرة على المحاكم مستاؤون بشدة منه.
إن هذا يجعل مورافيكي دمية يمكن التعويل عليها وهو من المفترض أن يخدم غرضاً محدداً فبعد أن نجح في تدعيم موقفه ضمن اليمين البولندي، يريد حزب القانون والعدالة أن يوسع من جاذبيته بالنسبة للوسط وذلك استعداداً لخوض غمار الانتخابات المقبلة. إن مهمة مورافيكي هي عرقلة المعارضة ومواجهة الرئيس اندريه دودا والذي تصرف بشكل مستقل مثل عندما استخدم الفيتو على جزء من محاولات الحكومة السيطرة على السلطة القضائية (لقد استسلم دودا في نهاية المطاف ولكن كازينسكي فقد الثقة فيه بالفعل).
سوف يفشل مورافيكي بإغراء الاتحاد الأوروبي أو قطاع الأعمال ولكنه سيكون قادراً على اجتذاب الناخبين من الطبقة الوسطى ليصبحوا أكثر تعاطفا مع حزب القانون والعدالة وفي أول استطلاع للرأي تم إجراؤه بعد ترشيحه تمكن الحزب من تحقيق نسبة تأييد تصل الى 50% وهو رقم قياسي جديد.
وكما هي العادة فإن الأولوية القصوى لكازينسكي هو تعزيز سلطته فهو لم يكن في يوم من الأيام مهتما بالمشروع الأوروبي ولقد أظهر خلال السنتين الفائتتين أن الاتحاد الأوروبي غير مفيد بالنسبة له وعاجلا أم آجلا سوف يظهر الاتحاد الأوروبي أن كازينسكي غير مفيد للاتحاد كذلك وسوف يخسر الشعب البولندي مجدداً.

مؤسس حركة كراتيكا بوليتيشنا وهو يعمل كمدير لمعهد الدراسات المتقدمة في وارسو.