السلام والمستحيل في اليمن!!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢١/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٢:٥١ ص
السلام والمستحيل في اليمن!!

علي ناجي الرعوي

شهدت الساحة اليمنية في الآونة الأخيرة العديد من التحولات الجذرية والمحورية أكان ذلك على صعيد المشهد السياسي أو على النطاق العسكري تغيرت معها الكثير من المواقف والقناعات والرؤى والأفكار للحلول التي كانت مطروحة للصراع المحتدم والملتهب في هذا البلد منذ 1000 يوم حيث بدا من الواضح أن التحالف العربي ومعه القوات الموالية لحكومة الرئيس هادي التي تقاتل على الأرض يندفعان في اتجاه حسم الصراع عسكريا بعد أن حصلا ربما على الضوء الأخضر من القوى الدولية التي كانت في السابق تبدي بعض التحفظات على هذا الخيار لما قد يترتب عليه من مضاعفات على حياة المدنيين والراجح أيضا أن تلك الأطراف الدولية التي كانت تعتقد حتى الأمس القريب أن الحل في اليمن سياسيا وليس عسكريا قد تراجع لديها ذلك الاعتقاد وغدت بشكل أو بآخر مقتنعة بأن الطريق إلى السلام أصبح مسدوداً أو أن الطريق الى هذا السلام لن يتم إلا بحرب مفتوحة على كل الاحتمالات وقد ألمح إلى ذلك وزير خارجية الحكومة الشرعية عبدالملك المخلافي الذي أشار قبل يومين صراحة: أن العالم أصبح اليوم متفهماً لضرورة الحسم العسكري لإجبار حركة أنصار الله على الامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي وتسليم السلاح والتحول إلى حزب سياسي.

ربما يصعب على المرء فهم رؤية التحالف العربي وكيف خلص إلى تغليب منطق كسر العظم على أي خيار آخر بعد ثلاث سنوات من المواجهات العسكرية لم يتم خلالها تحقيق لا الهدف المعلن والمتمثل بعودة الشرعية إلى صنعاء ولا أضعاف قوة أنصار الله ومنعهم من إطلاق الصواريخ لكن ما نفهمه جيداً في اللحظة الراهنة هو أن العمل على حسم المعركة عسكرياً بات هو الاحتمال الأبرز في استراتيجية التحالف العربي وأن هذا الاحتمال أيضا يعد الأكثر انسجاماً مع توجهات بعض القوى الدولية وعلى الأخص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لجهة انعكاسه على إضعاف إيران في مجمل نفوذها الإقليمي وتحديداً في سوريا التي تعثرت مفاوضات أطرافها لأسباب عدة بفعل تدخلات بعض القوى الإقليمية والدولية والتي تفضل تأجيل الملف السوري إلى ما بعد حسم المعركة في اليمن على اعتبار أن كسب المعركة هنا من شأنه أن يؤدي إلى حرمان إيران من أي ثمار في سوريا ولذلك يجزم خبراء ومراقبون في واشنطن ولندن بأن التحالف العربي لن يقبل بإنهاء اللعبة الدامية في اليمن ما لم تتحقق له ثلاثة أهداف أساسية هي: ضرب القدرات العسكرية لحركة أنصار الله وإضعاف هذه الحركة كليا بحجة أن ذلك هو الضمان لأمن دائم للحدود الجنوبية السعودية. تبديد آمال إيران بجعل اليمن منطقة نفوذ لها على غرار العراق وسوريا ولبنان. تدمير الصواريخ البالستية أو نقلها إلى طرف محايد خارج اليمن وإسقاط أي رهان بعودتها إليه مستقبلا.

تراجع لغة التفاوض السياسي لصالح التصعيد العسكري بالتناغم والتزامن مع استعار الجبهات لا يعني على الإطلاق أن مسألة الحسم العسكري أصبحت في متناول هذا الطرف أو ذاك فحسم معركة في جبال اليمن ووديانها وسهولها تظل مهمة في غاية الصعوبة فخبرة التاريخ في اليمن تقول إن كل الحروب المتوارثة والمتناسلة منذ أزمنة متطاولة في هذا البلد لم تنته بانتصار وهزيمة .قد يبدو هذا كلاماً عاماً بعض الشيء لكن نحتاج إلى ترداده ونحن نرى التصعيد العسكري في كل الجبهات ولاسيما بعد أن صارت خيارات الطرفين تفترقان في كل شيء ففيما يتمسك التحالف العربي ومعه حكومة الرئيس هادي المعترف بها دولياً بمرجعيات القرارات الدولية وعلى رأسها القرار 2216 والذي يطالب معسكر أنصار الله بتسليم السلطة وبالانسحاب من جميع المدن التي يسيطرون عليها بما فيها العاصمة صنعاء وكذا بتسليم السلاح وغير ذلك يشعر في المقابل أنصار الله أن الرضوخ لمثل هذه المطالب إنما يعني الاستسلام الكامل والمهين من قبلهم وامام هذه المعضلة فان لا خيار أمام أنصار الله كما يقول ناشطيهم سوى الدفاع عن انفسهم باتباع الخيارات الاستراتيجية التي أعلن عنها زعيمهم وتتضمن حسب تفسيرهم حربا شاملة ومفتوحة وطويلة الأمد.
لم يكن اليمن أصلا حتى وقت قريب ضمن حسابات وموازين القوى التقليدية في المنطقة فقد ظل على مدى العقود الفائتة هامشياً على الرغم من اعتباره منطقة حيوية لأمن الخليج .ومع ذلك فمازال بوسع الخيرين إنقاذ هذا البلد المنهك من دوامة الاحتراب والعنف بدعوة الأطراف الإقليمية المتصارعة على أرضه لحل خلافاتها وتشجيع الحل السياسي وصولا إلى عودة السلام الذي ليس المستحيل في اليمن.