غموض أوروبي تجاه بريطانيا

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢١/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٢:٥٠ ص
غموض أوروبي تجاه بريطانيا

جين بيساني فيري

في الثامن من ديسمبر، استقرت المملكة المتحدة وأعضاء الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 27 عضوا على بعض الجوانب الرئيسية لاتفاق الطلاق بريكسيت، مما فتح الطريق أمام القرار في 15 ديسمبر، لبدأ فصل جديد من المفاوضات التي تركز على تحديد مستقبل العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والترتيبات الانتقالية. هذا قرار سار، لأنه يُجنبنا السيناريو الأسوأ لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولكن هناك تحديات أكبر في انتظارنا.

وقد بدا لبعض الوقت أن أوروبا لا تعير اهتماما كبيرا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومع انقسام حزب المحافظين الحاكم في المملكة المتحدة بشكل عميق، وعدم رغبة الاتحاد الأوروبي في التصرف بشكل استراتيجي، كان احتمال عدم الوصول إلى أي حل قويا.

ومع ذلك، قدمت المملكة المتحدة في نهاية المطاف تنازلات حاسمة سمحت بمواصلة المفاوضات. ووافقت على دفع المزيد لشركائها من الاتحاد الأوروبي أكثر مما أعلنته في البداية. كما التزمت بتجنب إقامة حدود بين أيرلندا الشمالية (جزء من المملكة المتحدة) وجمهورية أيرلندا (جزء من الاتحاد الأوروبي)، حتى مع احتفاظ أيرلندا الشمالية بالوصول الكامل إلى السوق البريطانية.
لقد كان من الصعب الموافقة على هذه الصفقة، خاصة بالنسبة لأولئك الذين دافعوا عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بأسم توفير المال لخدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة. كما سيجدون صعوبة في إخبار الناخبين بأن تسوية الالتزامات القائمة تجاه الاتحاد الأوروبي سوف تكلف كل شخص بريطاني بالغ 1000 يورو (1189 دولاراً)، إن لم يكن أكثر. وسيجد أتباع لينين الذين اعتبروا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي طريقة لاستكمال برنامج السياسة الذي بدأته رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر صعوبة في التوفيق بين رؤيتهم لبريطانيا المُحررة من القيود واستمرار التطابق بين النظام التنظيمي في أيرلندا الشمالية ونظام الاتحاد الأوروبي.
لكن سيناريو الخروج السيئ لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان من شأنه أن يكلف كلا من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أكثر بكثير من حيث ضياع فرص العمل والازدهار. وقد تسبب التهديد الناجم عن هذه النتيجة في أضرار، حيث توقفت الشركات الخاصة عن الاستثمار. كما كادت العواقب السياسية المترتبة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن تكون رهيبة. فكل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي قد خسرا نفوذا عالميا كبيرا في اللحظة التي سعت فيها الإدارة الأمريكية الشاردة إلى القضاء على النظام الدولي القائم وبدأت القيادة الصينية في استغلال هذا الفراغ لمصلحتها الخاصة بكل حزم.
ولو لم تعمل المملكة المتحدة على تفادي مثل هذا السيناريو لفقدت الكثير، خاصة لو اعتمدت على نظام تجاري منهار ومتعدد الأطراف لضمان الوصول إلى الأسواق الخارجية. ونظرا لأهمية الجغرافيا، سيظل الاتحاد الاوروبي السوق الرئيسية لبريطانيا. ونظرا لحجم السوق، فإن المملكة المتحدة سوف تستمر في للامتثال لقوانين الاتحاد الأوروبي، وخاصة في الخدمات.
لكن تجنب الصيغة السيئة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خطوة أولى. والسؤال المطروح الآن: ما هي العلاقة المستقبلية التي يمكن أن يتفق عليها الجانبان؟ والجواب ليس واضحا.
أما من الجانب البريطاني، فإن غياب رؤية متماسكة للعلاقات المستقبلية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أمر مثير للدهشة. ولا يزال خطاب رئيسة الوزراء تيريزا ماي في فلورنسا في سبتمبر أفضل اقتراح حتى الآن، ولكنه ترك العديد من الأسئلة الهامة دون إجابة واضحة. وكما أكدت هزيمة ماي التشريعية في مجلس العموم في 13 ديسمبر، فإن الحكومة البريطانية لا تزال غير متفقة على برنامج مشترك لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ليست هناك رؤية واضحة من الجانب الأوروبي أيضا. ومع الاتفاق الأخير، حقق ميشيل بارنييه، كبير المفاوضين في الكتلة الأوروبية، انتصارا تكتيكيا. لكن لا يزال نموذج الشراكة المستقبلية غير موجود. ولم تُقدم المبادئ التوجيهية للمفاوضات من أجل الخروج من الاتحاد الأوروبي، التي أصدرها رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي في أبريل الفائت، أي نموذج يذكر. وبدلا من ذلك، وضعت خطوطا حمراء، مع التأكيد على «عدم قابلية التجزئة» للحريات الأربع - حرية حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال والعمل - التي تدعم السوق الأوروبية الموحدة. ولم يحقق إعلان 15 ديسمبر أية نتائج اٍيجابية أيضا.
وفي الوقت الراهن، لا يزال الاتحاد الأوروبي مصرا على موقفه في المفوضات وذلك بسبب الخوف من أن يخلق أي اتفاق إيجابي حوافز للبلدان الأخرى لحذو نموذج المملكة المتحدة.
ويركز خبراء السياسة على مقارنة «خيار كندا» (اتفاق تجارة حرة للسلع) مع «خيار النرويج» (نوع من العضوية الصغيرة في السوق الواحدة). لكن كلاهما غير مناسب للشراكة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. ولن يعالج خيار كندا أيا من المسائل الأساسية المتعلقة بالتجارة في الخدمات - وهو إغفال بالغ الأهمية، نظرا لأن المملكة المتحدة مزود رئيسي، وأن إدماجها يتطلب إطارا تنظيميا معقدا. كما أن خيار النرويج سيتجاهل المشكلة بمجرد مطالبة بريطانيا باعتماد أي تشريعات اقتصادية يعتمدها الاتحاد الأوروبي بشكل سلبي.
وفي مداخلة العام 2016، اقترحت وزملائي أنه يجب على الاتحاد الأوروبي اعتبار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فرصة لتحديد نموذج جديد للشراكة مع البلدان التي تريد روابط اقتصادية وأمنية قوية، دون اندماج سياسي. كما اقترحنا بعد ذلك بأنه في الوقت الذي يستنفذ فيه زخم التوسيع، ينبغي للاتحاد الأوروبي العمل على تنويع علاقاته مع الجيران. واقترحنا بناء «شراكة قارية» تنطوي على التكامل الاقتصادي العميق على أساس إطار تنظيمي مشترك، مع قبول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، وربما الآخرين حرية حركة السلع والخدمات ورأس المال، دون حركة العمالة. كما ناقشنا تأييد عملية دائمة للتشاور في مجال السياسة العامة، من شأنها أن تعطي البريطانيين حق التعبير - دون تصويت - في وضع تشريعات اقتصادية أوروبية، كنظير للمقترح البريطاني للقواعد الاقتصادية للاتحاد الأوروبي.
واستُقبلت المداخلة ببرودة، على أقل تقدير، في الدوائر الرسمية للاتحاد الأوروبي، مع استهزاء النقاد بالحريات الأربع. ولكن إذا كانت تتطلب السوق المتكاملة للسلع والخدمات درجة من تنقل العمالة، فهذا لا يعني أنه لجميع الناس الحق في عبور الحدود والبحث عن عمل في البلد الذي يختارونه. وادعاء غير ذلك يُعد تجاوزا لحق المواطن وللضرورة الاقتصادية (الشفافية ضرورية في مجتمع سياسي واجتماعي مثل الاتحاد الأوروبي). هذا هو الاقتصاد السيئ والسياسة المشكوك فيها.
كما رفض نقادنا تصور اتفاق طويل الأجل قبل تسوية تفاصيل الطلاق. ولكن هذا الفصل قد أُغلق الآن، وهذا يعني أنه قد حان الوقت ليعرض الاتحاد الأوروبي أفكارا جديدة، وليقدم عرضا طموحا لبريطانيا.
إن أي اتفاق معقول بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة سيؤدي إلى فقدان المملكة المتحدة التأثير الكبير الذي تتمتع به حاليا في الشؤون الأوروبية - وهي النتيجة التي من شأنها أن تلغي فكرة إتباع منهجيتها. ولكن حتى لو قرر عضو حالي في الاتحاد الأوروبي أن يكون خارج «الدائرة الداخلية» للاتحاد الأوروبي، فإنها لن تكون نهاية العالم. وهو بالتأكيد ليس سببا للتشبث بالوضع الراهن.

أستاذ في كلية هيرتي للإدارة في برلين.