العقد الأفريقي

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٩/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٥:٤٨ ص
العقد الأفريقي

لي يونج

منذ العام 2000، سجلت أفريقيا معدلات نمو اقتصادي مثيرة للإعجاب حيث يرجع ذلك بشكل عام إلى المساعدة الإنمائية والازدهار المطول للسلع وعلى الرغم من أن القارة تظهر تنوعا كبيراً في المسارات الاجتماعية والاقتصادية، فإن معدلات النمو قد أخفت بشكل عام نقصاً في التحول الهيكلي.

ولا يزال يتعين على العديد من البلدان الأفريقية أن تخضع للتحول اللازم للتنمية الشاملة للجميع والتنمية المستدامة بيئياً على المدى الطويل والذي يدعى بالتصنيع فأينما حدث التصنيع، فقد حسن هذا من التنويع الاقتصادي بصورة موثوقة وساعد على رعاية وتعزيز ودعم شروط النمو التنافسي والتنمية.

وفي العقود الأخيرة، تمكنت بعض البلدان النامية -وخاصة في آسيا- من تحقيق عملية التصنيع ولكن، على الرغم من المحاولات المتكررة لم تقم البلدان الأفريقية بذلك ففي العام 2014، بلغت حصة منطقة آسيا ومنطقة المحيط الهادئ من القيمة المضافة في الصناعة التحويلية العالمية نسبة 44.6%بينما كانت حصة أفريقيا تبلغ 1.6%فقط ونظراً لأن جنوب أفريقيا هي البلد الصناعي الوحيد في منطقة جنوب الصحراء الكبرى الافريقية، تعتبر هذه المنطقة من أقل المناطق تصنيعا على مستوى العالم.

ولكي تحقق البلدان الأفريقية التنمية المستدامة، سوف يتعين عليها أن تزيد بشكل كبير من حصة الصناعة - ولا سيما قطاع التصنيع - في استثماراتها الوطنية وإنتاجها وتجارتها. إن ما يحسب لمعظم البلدان الأفريقية أنها تعترف بالفعل بأن مثل هذا التحول ضروري لمعالجة مجموعة واسعة من التحديات المترابطة التي تواجهها الآن.
ويتمثل أحد هذه التحديات في النمو السكاني حيث أن أكثر من نصف سكان القارة البالغ عددهم 1.2 بليون نسمة هم دون سن 19 عاماً وحوالي واحد من كل خمسة منهم تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاماً وفي كل عام، ينضم 12 مليون عامل جديد إلى القوى العاملة لذلك سوف يحتاج هؤلاء العمال إلى الأدوات والمهارات لضمان سبل عيشهم في المستقبل و التصنيع هو المفتاح لمساعدة سكان أفريقيا الذين يتزايدون بسرعة على تحقيق عائد ديموغرافي.
ومن التحديات الأخرى المرتبطة بذلك تحدي الهجرة حيث ينضم العديد من الشباب الأفارقة الأكثر طموحاً والشباب ذوي العقول المنفتحة إلى الآخرين في الهجرة شمالا ولكن لا يمكن لأي بلد ولا سيما في أفريقيا أن يتحمل خسارة مثل هذا الكم الكبير من المواهب والإمكانيات ولا يمكن للتصنيع وحده أن يحل أزمة الهجرة ولكنه يمكنه أن يعالج أحد الأسباب الجذرية وذلك عن طريق إيجاد فرص عمل في البلدان الأصلية.
أما التحدي الثالث فهو تغير المناخ والذي يؤثر بشكل كبير على البلدان التي لا تزال فيها الزراعة هي القطاع الرئيسي للتوظيف ولمواجهة هذا التهديد سوف تحتاج أفريقيا إلى تطوير واعتماد تكنولوجيات خضراء مع توجيه المزيد من الاستثمارات إلى كفاءة استخدام الموارد والطاقة النظيفة و يمكن للبلدان الأفريقية باستخدام الاستثمارات المناسبة أن تقلل من تكلفة إيصال الطاقة إلى المناطق الريفية وأن تساهم في الجهود العالمية الرامية إلى خفض الانبعاثات والتخفيف من آثار تغير المناخ.
وباختصار، يجب على أفريقيا أن تقوم بعملية التصنيع ويجب عليها أن تفعل ذلك بطريقة شاملة اجتماعياً و بطريقة مستدامة بيئياً وبالنظر إلى أن معظم الجهود السابقة في مجال التنمية المستدامة في أفريقيا قد فشلت، فإن هناك حاجة واضحة إلى إتباع نهج جديد يتمثل في عملية ذات قاعدة عريضة وتدار محليا بحيث تستفيد من الموارد المالية وغير المالية وتعزز التكامل الإقليمي والتعاون فيما بين شركاء أفريقيا في التنمية.
لقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الفترة بين 2016-2025 ستكون العقد الثالث للتنمية الصناعية لأفريقيا وخلال العقد الثالث للتنمية الصناعية لأفريقيا سوف تقود منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية التي أتولى رئاستها النهج الجديد للتنمية المستدامة الذي أشرت إليه أعلاه وقد قدمت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية یونیدو الدعم الكامل للشراكات من أجل تعبئة الموارد وقد عرضت نموذج تمت تجربته للبلدان الأفريقية من اجل تبنيه و هو برنامج الشراكة على مستوى البلد.
يقدم برنامج الشراكة على مستوى البلد التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية يونيدو للبلدان المساعدة التقنية والمشورة في مجال السياسات والاستثمارات لمساعدتها على تصميم وتنفيذ إستراتيجيات التصنيع وقد أطلق البرنامج في العام 2014، ويجري تنفيذه بنجاح في اثنتين من الدول الأفريقية – و هي إثيوبيا والسنغال – وفي بيرو.
ويتيح برنامج الشراكة على مستوى البلد نموذجاً للشراكة بين أصحاب المصلحة المتعددين والذي يمكن تكييفه ليتلاءم مع خطة التنمية الوطنية لكل بلد وهو مصمم للعمل بتناغم مع الحكومات وجهود التنمية الجارية التي يبذلها شركاؤها مع توجيه أموال واستثمارات إضافية نحو القطاعات التي تنطوي على إمكانات نمو عالية وتعتبر مهمة بالنسبة لجدول أعمال التنمية الصناعية للحكومة حيث عادة ما يتم اختيار القطاعات ذات الأولوية على أساس فرص العمل والاستثمار والتصدير والحصول على المواد الخام اللازمة.
ويهدف نهج برنامج الشراكة على أساس البلد إلى تعظيم أثر جميع البرامج والمشروعات الشريكة ذات الصلة بالتنمیة الصناعیة وتحقيقاً لهذه الغاية، تتسم الشراكات الإستراتيجية مع المؤسسات المالية وقطاع الأعمال بأهمية خاصة وبوجود هذه الاستراتيجيات يمكن للبلدان الأفريقية أن تحشد موارد إضافية للبنية الأساسية والابتكار والخبرة والتكنولوجيات الجديدة.
ويتمثل هدف منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية بجعل نموذج برنامج الشراكة على أساس البلد النهج السائد لجميع البلدان الأفريقية ونحن على استعداد لدعم أفريقيا في طريقها نحو التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة - خلال عقد التنمية الصناعية الثالث لأفريقيا وما بعده.

المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية.