مبادرة الحزام والطريق في الأمريكيتين؟

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٨/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٢:٢٩ ص

لويس ألبرتو مورينو

في وقت تستعد فيه كندا والمكسيك والولايات المتحدة للجولة المقبلة من المفاوضات حول تحديث اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية - وهي محاولة غير مؤكدة - تواجه الحكومات في بقية الأمريكيتين سؤالاً مركزياً حول التجارة. من سيكون شريكها التجاري الأساسي في المستقبل: الولايات المتحدة، أوروبا، أم الصين؟

على مدى أكثر من قرن من الزمان، كان الجواب على هذا السؤال واضحا: «الولايات المتحدة». وقد جعل التقارب والقوة الناعمة والقوة الاقتصادية من هذا البلد مركزا طبيعيا للاهتمام التجاري لأمريكا اللاتينية. إن أمريكا اللاتينية هي الشريك التجاري الأول أو الثاني الأكثر أهمية بالنسبة لـ 37 ولاية من الولايات المتحدة الخمسين.

في العام 2016، صدّرت الشركات الأمريكية ما قيمته 515 بليون دولار من السلع والخدمات إلى أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي - أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف مما تصدّره إلى الصين. وفي حين تشهد الولايات المتحدة عجزا تجاريا كبيرا ومتكررا مع الصين، فإن البلاد عادة ما تسجل فائضا وأرباحا مع جيرانها الجنوبيين، والتي عادة ما تفضل السلع ذات القيمة العالية والخدمات المتطورة التي تقدمها الشركات الأمريكية.
لكن أخذت هذه الصورة تتغير بسرعة. على مدى العقدين الماضيين، نالت الشركات الصينية حصتها في السوق في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وانخفضت حصة واردات الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية من 50 % في العام 2000 إلى 33 % في العام 2016، في حين قفزت حصة الصين من 3 % إلى 18 %. وفي العديد من بيوت أمريكا اللاتينية، حلت أجهزة الكمبيوتر المحمولة المصنوعة في الصين والهواتف الذكية وأجهزة التلفزيون والسيارات محل العلامات التجارية الأمريكية الأسطورية.
وبطبيعة الحال، هذا التحول هو جزئيا نتيجة للعوامل العالمية التي دعمت النمو السريع للصين والتوسع العالمي. ولكن هذا التحول يعكس أيضا إستراتيجية الصين الطويلة الأجل الهادفة إلى تعزيز مكانتها في واحدة من الأسواق الناشئة الأكثر جاذبية في العالم.
وبحلول العام 2030، سيصل عدد سكان أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي لحوالي 720 مليون نسمة. ووفقا لتوقعات متحفظة، فإن الناتج المحلي الإجمالي سيصل إلى حوالي 9 تريليونات دولار، في ستة اقتصادات فقط - البرازيل والمكسيك والأرجنتين وكولومبيا وشيلي وبيرو- تمثل 86 % من هذا المجموع.
وعلاوة على ذلك، من المحتمل أن تصبح بلدان أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي كتلة متكاملة. وبفضل مجموعة من الاتفاقات، فإن 80 % من التجارة بين بلدان أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي هي بالفعل خالية من التعريفة الجمركية. وتؤدي التدابير المختلفة لتيسير التجارة، من الإجراءات الجمركية غير الورقية إلى توافق وتطابق القوانين، إلى تفكيك الحواجز المتبقية بشكل مطرد. وتأخذ أكبر كتلتين إقليميتين إمكانية التقارب على محمل الجد -ميركوسور وتحالف المحيط الهادئ- وكلاهما من أكبر الاقتصادات الستة في المنطقة.
وسيتيح هذا الاتجاه نحو التكامل الإقليمي الأكبر فرصة فريدة للاستفادة من سوق مربحة للغاية من عدد قليل من الشركاء. وستكون الشركات الصينية التي تقوم بعمليات اقتناء وبناء المصانع في البرازيل، على سبيل المثال، قادرة على توزيع منتجاتها بشروط تفضيلية في البلدان المجاورة، في حين تستخدم سلاسل القيمة الإقليمية لقطع الغيار والمواد الخام.
كما يعلم الاتحاد الأوروبي، مثل الصين، إمكانيات أمريكا اللاتينية الكبيرة كشريك تجاري. ومن المؤكد أن حصة الاتحاد الأوروبي من إجمالي واردات أمريكا اللاتينية آخذة في الانخفاض، وهي تبلغ الآن 13.5 %. ولكنها تعمل بجد لعكس هذا الاتجاه، وذلك عن طريق إبرام اتفاقات تغطي تقريبا جميع اقتصادات المنطقة. كما وصلت المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة مع دول ميركوسور مراحلها النهائية. وهذا سيضع أوروبا أمام كل من الصين والولايات المتحدة من حيث الوصول إلى الأسواق.
بيد أن الصين تواصل العمل الجاد على العديد من الجبهات لتدعيم مكانتها المميزة في أمريكا اللاتينية، بما في ذلك تدفق كميات كبيرة من الاستثمارات المباشرة إلى المنطقة. وبحسب بعض التقديرات، فقد استثمرت أكثر من 106 بلايين دولار أمريكي في أمريكا اللاتينية في السنوات الأخيرة، بما في ذلك 60 بليون دولار في البرازيل وحدها. وقد حاز الاستثمار الصيني حتى الآن على المقام الأول في مشاريع الزراعة والطاقة والتعدين. ويجري حاليا توجيه حصة متزايدة إلى التصنيع في القطاعات التي تولد وظائف أعلى أجرا وتحول المهارات التي تشتد الحاجة إليها إلى الاقتصادات المضيفة.
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الصين من كبار المستفيدين من البنية الأساسية الجديدة التي تحتاجها أمريكا اللاتينية على وجه السرعة. و تدخل هذه الاستثمارات ضمن مبادرتها المسماة «الحزام والطريق»، وهي رؤية عالمية للاتصال والتعاون والازدهار التي تتناسب مع قادة أمريكا اللاتينية بشكل كبير.
وفي الوقت الذي تستغل فيه الصين والاتحاد الأوروبي فرصا في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، تواصل الولايات المتحدة التخلي عن حصتها في السوق. لكن هذا هو مجالها، ويمكنها اقتراح مبادرة تكامل مماثلة بسهولة. ومن المؤكد أن لدى الولايات المتحدة حافز قوي لمتابعة إستراتيجية معينة لإعادة الشراكة النشطة مع أمريكا اللاتينية: ويعتقد بنك التنمية للبلدان الأمريكية أنه إذا كانت الولايات المتحدة ستسترد حصة واردات أمريكا اللاتينية التي كانت لديها في العام 2000، يمكنها تصدير حوالي 788 بليون دولار سنويا إلى المنطقة. وهذا يكفي لدعم نحو مليون وظيفة إضافية في الولايات المتحدة.
ويمكن لهذه الإستراتيجية تقويض عزيمة 57 مليون مواطن أمريكي المنحدرين من جنوب ريو غراندي، بما في ذلك 3.3 مليون شركة أمريكية من أصل إسباني، فكثير منها حريص على التوسع في الخارج. بل قد تساعد أيضا على توجيه المناقشات العنيفة بشأن الهجرة والاتجار بالمخدرات والأسلحة النارية في اتجاه أكثر إنتاجية.
وفي زمن يتسم بعدم اليقين العالمي، توفر رؤية «الازدهار في الأمريكيتين» سياسة موحدة للقارة. وإذا ما نُفّذت هذه السياسة، فستتمكن الولايات المتحدة من فرض قيادتها التاريخية بين مجموعة من البلدان التي تتقاسم قيمها الأساسية، فضلا عن الاهتمام بالنمو الاقتصادي الشامل وارتفاع مستويات المعيشة.

رئيس بنك التنمية للبلدان الأمريكية، وعضو المجلس التأسيسي للمنتدى الاقتصادي العالمي.