علي ناجي الرعوي
تستثمر مع الأسف الشديد الأطراف الإقليمية والدولية في المحنة اليمنية منذ ثلاث سنوات لخدمة أهدافها الاستراتيجية في الحرب الإقليمية المحتدمة في المنطقة مما أطال أمد الحرب الطاحنة التي مزقت البلاد، وأوجدت أعداد كبيرة من الضحايا والمشردين والجوعى والمنكوبين عوضاً عن ما أحدثته هذه الحرب المستعرة على أرض اليمن من الخراب والدمار ومن القصص الإنسانية المؤلمة التي تتناسخ حكاياتها الواحدة تلو الأخرى ضمن مسلسل تراجيدي لا يبدو أننا اقتربنا من نهايته أو أنه الذي سيتوقف بالرحيل المأساوي للرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح.
ليس لأحد ترف تحديد المسار في هذه الظروف الحرجة والقاسية التي يمر بها اليمن فالمشهد الأخير لابد وأنه الذي شكل زلزالا متقدما على سلم ريختر السياسي إذ لابد وأنه من سيزيد من حجم التشققات الحاصلة في الداخل اليمني المثقل أصلا بالخصومات وانعدام الثقة بين قواه السياسية والحزبية ومكوناته القبائلية والعشائرية التي لم يعد هناك ما يجمعها من المشتركات بما يحول وسقوط البلاد في خنادق التشظي وتمزقها الى عدة (يمنات) وما يخشى منه أكثر هو أن يستدرج أهل اليمن إلى فخ حرب أهلية شاملة على طريقة الثيران المنفردة التي تأكلها الذئاب في ليل قاتم السواد رغم أن حرباً كهذه لن تكون وبالاً على اليمنيين فحسب بل إن شررها المتطاير لن تسلم منه مصالح القوى الدولية التي تدير ظهرها لما يحصل في هذا البلد لتظهر غير راغبة باتخاذ خطوة جادة اقله على المدى القريب لإنهاء معاناة الملايين من أبناء الشعب اليمني.
في ظل التسخين الميداني وتسارع الأحداث الضبابية على إثر التطورات والأحداث الأخيرة التي شهدتها صنعاء يمكننا فهم ما صدر عن مجلس الأمن والأمم المتحدة والجهات الدبلوماسية والسياسية في الدول الكبرى من بيانات وتصريحات والتي وإن جاءت في معظمها مرتبكة في تعليقاتها على تلك التطورات فإنها التي تؤشر على أن اليمن مقدم على أيام ستكون فيها معمودية النار أكثر التهاباً وحريقاً قد تكون مثل هذه الاستنتاجات واردة أو قد تكون مجرد تحريك لمشاهد سياسية وقد تكون ليس أكثر من دعوات لأفعال احترازية وقد يكون من المثير حقا أن تخلو كل تلك البيانات والتصريحات من إشارة واحدة تتحدث عن انتهاء الحرب.
ثمة حدثان يفرضان حضورهما لدى الحديث عن المستجدات في اليمن الأول: ما سربته مصادر إعلامية حول زيارة وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إلى المنطقة وسماعه كلاماً مشجعاً من الأطراف المنخرطة في الصراع القائم في اليمن مما دفعه للإعلان عن أن بلاده وشركاءها ستعمل على إعادة القوى اليمنية إلى الحوار مطلع العام المقبل دون الحديث عن تفاصيل محددة تتيح التفاؤل بوصول الأطراف الإقليمية والدولية إلى قناعة تامة بضرورة التحرك نحو إحلال السلام في اليمن وكسر الجمود الطاغي على هذه العملية التي تواجه شللاً حقيقياً منذ فشل مفاوضات الكويت قبل عام ونيف أما الحدث الثاني: فيتصل بإغلاق روسيا لسفارتها بصنعاء وإجلاء موظفي السفارة ورعاياها من الموطنين الروس مع أن موسكو ظلت حريصة طوال سنوات الحرب على أن تبقى السفارة مفتوحة فهل جرت هذه الخطوة استناداً إلى أن الظروف بصنعاء كما وصفتها الناطقة باسم الخارجية الروسية غير مواتية بعد الأحداث التي شهدتها بداية الأسبوع الفائت أم أن الأمر يتعلق بشيء آخر؟.
المعطيان السابقان لا يعكسان في واقع الأمر أن القوى الدولية باتت تقف موقفاً عقلانياً يأخذ بعين الاعتبار أهمية الإسراع في إنقاذ اليمن من السقوط في مأزق جديد وتعقيدات إضافية تهوى به إلى أتون الفوضى المطلقة فالحقيقة أن المحنة التي يتعرض لها هذا البلد ما زالت غائبة عن الوعي العربي والدولي لاعتبارات متعددة ظلت وستبقى أقوى من صوت اليمنيين .
صار اليوم من حق اليمنيين أن يسألوا الأمين العام للأمم المتحدة: من الذي يتحمل مسؤولية الدم اليمني الذي يراق يومياً ومن يتحمل مسؤولية استمرار الحرب التي وصفها أخيرا انطونيو غوتيريش بـ(الحرب العبثية) فهذا الكلام حين يقوله صاحب الموقع الأول في المنظمة الدولية بصفته الرسمية والأخلاقية أليس من المنطقي أن يسمعه العالم وعلى وجه التحديد الدول الكبرى التي بيدها القرار ومن ذلك قرار إيقاف الحرب في اليمن عبر استخدام صلاحياتها بمجلس الأمن للضغط على كل الأطراف بالتوقف عن استخدام القوة وتغليب منطق الحوار والتفاوض لحقن دماء اليمنيين على اعتبار أن التحاور هو جزء من الحرب لكنه من دون دماء ومن دون سلاح فيكفي ما تعرض له اليمن من المصائب والمحن ليجلس كل فرقاء الصراع بعد فحص ضمائرهم على طاولة الحوار للخروج من هذا الواقع بحل سياسي يساعد اليمن وشعبه على تخليق مشروع وطني يؤسس لبناء دولة يمنية مستقرة ويساهم أيضا في استقرار المنطقة كلها.
كاتب يمني