التقنيات الروسية تقلب موازين الحرب في سوريا

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٨/فبراير/٢٠١٦ ٢٣:٤٠ م
التقنيات الروسية تقلب موازين الحرب في سوريا

روبرت فيسك

أصبحت المدرعات الروسية الجديدة T-90 على بعد 100 ميل فقط من الرقة عاصمة داعش، فيما تحاذيها الشاحنات الروسية الجديدة مع كثير من المدفعية والتي من المفترض أن يكون داعش على علم بها من العيون التي تراقب له. وإلى جانب السلك المحيط بالجنود الروس يتحرك الكثير من الجنود السوريين وهم يرتدون قبعات عسكرية مرنة ضد الشمس، من ذلك النوع الذي كان الجنود الروس يرتدونه للوقاية من حر الصيف في الثمانينيات في أفانستان. والى جانب هؤلاء يتابع الجنرالات الروس المتمركزين على مقربة منهم للتأكد من حصول أطقم الدبابات السورية على التدريب الأكثر فعالية للمدرعات T-90. غير أنه لا توجد قوات برية روسية لمحاربة داعش ولم تكن هناك نية لذلك مطلقا، فالقوات الجوية الروسية هي التي تنفذ هجمات ضد داعش من الجو بينما يتولى جنود من السوريين والإيرانيين والأفغان من شمال شرق أفغانستان والشيعة العراقيين وعدة مئات من الشيعة الباكستانيين مهام مهاجمة داعش وجبهة النصرة على الأرض، فيما يتواجد الروس في الصحراء إلى الشرق من محور حلب – حماة - حمص- دمشق للقيام بتدريب أطقم الدبابات السورية من جهة والحفاظ على قاعدة شرقية متقدمة من المراقبين الجويين لتوجيه قاذفات السوخوي ليلا على أهدافها الليلية من جهة أخرى.
ويخبرك جميع المشاركين على خطوط الجبهة السورية أن سلاح الجو السوري يقذف أعداءه عندما تكون الظروف الجوية مناسبة ولكن عندما تنزل الغيوم في فصل الشتاء وتهطل الأمطار في شمال وشرق سوريا، يتولى الروس المهمة.
بيد أن الدعم العسكري الأهم الذي يقدمه الروس الى السوريين لا يتمثل وحسب في المدرعات ولكن تلك التقنيات العسكرية التي تصاحبها، فالضباط السوريون يتعلمون كيف يمكن لنظام T-90 الجديد المضاد للصواريخ أن يتصدى للصواريخ التي تستهدفه ليجعلها تنحرف عن مسارها بعيدا عنه، فهل هذا هو السلاح الذي دحر الهجمات الصاروخية التي تستهدفه به داعش والنصرة؟ ربما. غير أن الأكثر أهمة بالنسبة للسوريين ربما يتمثل في معدات المراقبة والاستطلاع الإلكترونية وأجهزة استشعار الحركة الليلية الروسية الجديدة التي مكنت الجيش السوري من سحق دفاعات النصرة في المنطقة الجبلية الى الشمال الغربي من سوريا وتدمير خطوط امداد المسلحين من تركيا إلى حلب.
وفي الجيش الذي فقد أكثر من 60 ألف جندي قتيل في ما يقرب من خمس سنوات من القتال العنيف، ربما يكون الضباط السوريون قد اكتشفوا فجأة أن التكنولوجيا الروسية الجديدة قد تزامنت مع خفض سريع في أعداد قتلاهم، وقد يكون هذا أحد الأسباب وراء عودة بعض عناصر "الجيش السوري الحر" إلى صفوف القوات الحكومية، ما يقلص جيش "الجنود الأشباح" الذي يعول عليه ديفيد كاميرون والبالغ قوامه 70 ألف جندي. والأكثر إثارة للاهتمام أنه منذ بداية الحرب في عام 2011 كانت نسبة الأفراد الذين انشقوا عن الشرطة السورية والأمن السياسي وانضموا الى صفوف المسلحين أكبر من نظيرتها من الجيش النظامي، ومن بين 28 ألف من أفراد الشرطة وصل عدد المنشقين الى 5 آلاف.
ومن الواضح أن إحصاءات القوات الأجنبية التي تقاتل الى جانب النظام السوري يتم تقديمها في الغرب بمبالغة فاضحة، فهناك أقل من 5000 من الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وهذا يشمل المستشارين والجنود، والـ 5000 من المقاتلين الأجانب الآخرين تضم صفوفهم ليس فقط الأفغان وحزب الله ولكن المسلمين الشيعة الباكستانيين أيضا.
وعلى الرغم من "التحالف ضد الإرهاب" الضخم الذي تفتخر المملكة العربية السعودية أنها شكلته لخوض الصراع، يبدو أن السوريين والإيرانيين وحزب الله تمكنوا من العمل معا في ظروف صعبة من التضاريس والأمطار وكسبوا أول معركة رئيسية مشتركة، ويجري حاليا استخدام القوات الإيرانية على الخطوط الأمامية لأول مرة، وبصورة رئيسية في المناطق المحيطة بحلب، وكان أول تقدم في ريف حلب الجنوبي في نوفمبر. وعلى الصعيد الرسمي فقد أعلن أن هذه القوات تخطط مع قوات سورية لفتح الطريق الدولي القديم من حلب إلى حماة، غير أن الخطة تعني كسر الحصار المفروض على القرى في الفوه والكفراية.
ولكن ماذا عن الأكراد، الذين يشكل تقدمهم جنوبا خطرا على طرق الإمداد للمسلحين الى حلب؟ من الواضح أن السوريين ممتنون لأية مساعدة كردية، إلا أن عددا قليلا في الجيش هم الذين نسوا الأحداث التي تقشعر لها الأبدان في عام 2013، عندما طلب سوريون متراجعون ملجأ لدى القوات الكردية بعد معركة القاعدة الجوية في منغ، وطلب الأكراد كمية كبيرة من الأسلحة من الجيش السوري في مقابل رجالهم – الجنود مقابل الذخيرة – وحصلوا على ملايين الطلقات من طراز AK-47 وذخيرة المدافع الرشاشة والآلاف من طلقات القذائف الصاروخية في مقابل الافراج عن الجنود، بيد أن الأكراد ، رغبة منهم في إقناع النصرة بإعادة الأسرى الأكراد، قدموا كبار الضباط السوريين في منغ الى النصرة في مقابل الرهائن، ووافقت جبهة النصرة، وبمجرد أن سلم الأكراد الضباط السوريين قام مسلحو النصرة – الذين فقدوا حوالي 300 من رجالهم في معركة منغ – بقتل جميع الضباط السوريين بإطلاق النار عليهم في الرأس، ومثل هذه الأحداث من شأنها أن تقدح في أي ود من الجيش السوري للأكراد في السنوات المقبلة. وفي الوقت نفسه، يتواصل فقد الجيش السوري لضباط رفيعين في المعركة، ولقي ستة منهم مصرعهم خلال الحرب ، ما جعل الجيش يعلن أن كبار رجاله يديرون المعركة من الجبهة.
والروس في وضع فريد من نوعه بين القوات البرية السورية، فهم يقومون بتدريب السوريين على كيفية استخدام المدرعات ويراقبون اداء الـ T 90 دون الحاجة إلى معاناة أي خسائر في صفوفهم. وبطبيعة الحال فالروس يجدون أنه من الأسهل بكثير تقديم التدريب على القتال في المدن والجبال – وهي البيئات التي خاضوا فيها حربا مشابهة – بخلاف الصحراء التي يفتقد الروس الخبرة فيها منذ حرب جمال عبد الناصر في اليمن.

كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط