الصراع السوري وصل إلى لحظة حرجة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٨/فبراير/٢٠١٦ ٢٣:٤٠ م
الصراع السوري وصل إلى لحظة حرجة

ديفيد إجناتيوس

ربما يكون إلقاء اللوم على الرئيس أوباما لأخطائه السابقة في سوريا أمرا مُرضيا، وهو جدير به إلى حد كبير، ولكنه لا يرقى إلى أن يكون سياسة. فهذه المعركة هي أكثر المعارك التي يشهدها العالم تعقيدا على مدى عقود، والخطوات المقبلة التي ستتخذها الولايات المتحدة وحلفاؤها لابد أن تكون مدروسة بكل عناية.
على الولايات المتحدة أن تمضي قدما في عملية وقف إطلاق النار التي بدأها وزير الخارجية جون كيري منذ أسبوع مضى. نعم هو طريق طويل، ويعتمد اعتمادا كليا على "حسن النية" الروسية، ولكنه يتيح فرصة للحد من معاناة الشعب السوري وإنقاذ الأرواح، وينبغي السير في هذا الطريق لفترة أطول. وإذا فشلت الدبلوماسية، فما سيأتي بعد ذلك سيكون أسوأ كثيرا للجميع.
قال يوسف العتيبة، سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن، متحدثا عن جهود جون كيري الدبلوماسية: "هذا هو الحل الوحيد المتاح، وأنا لا أرى أي استراتيجية أخرى في الوقت الراهن".
فإن كانت روسيا تخرّب آمال وقف إطلاق النار باستمرارها في قصف المدنيين السوريين، فإنه يجب على الولايات المتحدة وحلفائها تركيز السخط الدولي على موسكو. نعم، ربما كان كيري مفرطا في التفاؤل عند إبرام اتفاقية ميونيخ، ولكن الروس وقعوها – ويجب مساءلتهم في حال فشلها.
في الكابوس السوري، حتى الخطوات الصغيرة للأمام تجدها بارزة وملموسة. ولذلك فإن خطوة الأسبوع الفائت بإرسال إغاثة إلى خمس مناطق محاصرة حول دمشق يجب عدم إغفالها. لقد كانت هذه المساعدة الإنسانية جزءا من اتفاقية ميونيخ، والمسؤولون الأمريكيون يقولون إن قوافل المساعدات دخلت إلى بعض المدن يوم الأربعاء الفائت. نعم هي خطوة أولى هشة نحو تهدئة الأوضاع، ولكنها مؤشر إيجابي.
لقد كان يفترض في "وقف الأعمال العدائية" الذي تفاوض عليه جون كيري على الورق أن يبدأ يوم الجمعة، ولكنه لم يبدأ. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الروس واصلوا هجماتهم على مناطق المتمردين. ويعود جزئيا أيضا إلى أن المعارضة لم تشر بعد بوضوح إلى أنها على استعداد للتنحي. ونظرا لضعف المعارضة، فإن هذا التردد في تبني هدنة هو أمر مفهوم، ولكنه خطأ. إن أي فرصة للحد من العنف وإيجاد مساحة للنقاش السياسي يجب اغتنامها.
إن ساحة المعركة حول مدينة حلب تغمرها الفوضى، في ظل مجموعات متداخلة من مختلف المقاتلين والقوات الأجنبية. ففي نطاق هذه المنطقة الصغيرة توجد قوات النظام السوري المدعومة من كل من روسيا وإيران؛ وقوات المتمردين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة؛ والقوات التركية التي تقصف الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة؛ والمقاتلين المتمردين العرب المدعومين من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) والمخابرات السعودية؛ ومقاتلي جبهة النصر المتحالفة مع تنظيم القاعدة؛ ومقاتلي تنظيم داعش الذين يريدون قتل كل ما سبق.

إن الوقف الكامل لإطلاق النار في هذا المشهد هو أمر مستحيل في الوقت الراهن – ليس فقط لأن كيري كان واثقا في الروس أكثر مما ينبغي، بل على المقاتلين أيضا فرز أنفسهم. إن المتمردين سيبدون عدم رضاهم سواء كان بشأن التحالف مع جبهة النصرة أو تنظيم داعش. وسيكون على المملكة العربية السعودية وغيرها من الرعاة العرب الآخرين الضغط بشدة على المتمردين "المعتدلين" لجذبهم نحو مجموعة وقف إطلاق النار وبعيدا عن الإرهابيين.
وإذا استمر الروس في قصف المتمردين في المناطق المحيطة بحلب برضا أو عدم رضا الأطراف الأخرى، فهذا من شأنه أن يخرب الأمل في التوصل إلى هدنة. وهنا مرة أخرى، يكون اللوم على موسكو إذا استمرت في عرقلة تخفيف التصعيد.
وعندما تمضي الأمور قدما، ستحتاج الولايات المتحدة إلى المزيد من النفوذ العسكري لتكون على قدم المساواة مع روسيا. وهذا ربما يتأتى في ظل إرسال كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لقوات خاصة إلى داخل سوريا تحت قيادة عامة للولايات المتحدة. ومازالت التفاصيل قيد المناقشة حاليا، ولكن يبدو أن الإمارات العربية المتحدة على استعداد لتدريب المقاتلين السنة داخل سوريا – مما يساعد على سد فجوة في الاستراتيجية الأمريكية. فهذه القوات قد تكون جزءا من هجوم في نهاية المطاف على الرقة، عاصمة تنظيم داعش التي صنعتها لنفسها في شرق سوريا.
إن الحملة الأمريكية ضد تنظيم داعش مستمرة، ولكنها في أغلبها غير مرئية. والحلفاء الرئيسيون للولايات المتحدة هم مقاتلون من الجماعة الكردية السورية المعروفة باسم "وحدات الدفاع الشعبي" والتي تم تغيير اسمها الآن إلى "القوات الديمقراطية السورية". وفي الأسبوع الفائت، تحرك نحو ستة آلاف مقاتل لمهاجمة مدينة الشدادي التي تبعد 50 ميلا شرقي الرقة، وقد ضمت هذه القوة نحو 2500 من العرب. وفي المجمل، يبلغ تعداد جماعة "القوات الديمقراطية السورية" الآن نحو أربعين ألف منهم سبعة آلاف من العرب.
إن الأكراد السوريين هم المقاتلون الأشرس والأكثر فاعلية في هذا الصراع. ويبدو أن نجاحهم قد أفزع تركيا، التي تزعم أن الأكراد السوريين إرهابيون. لقد ظل الأكراد يقصفون مواقع وحدات الدفاع الشعبي في شمال غرب سوريا – حتى في ظل قيام هؤلاء المقاتلين (بدعم هادئ من الولايات المتحدة) بمهاجمة مواقع داعش بالقرب من حلب. يا لها من حرب مجنونة – في ظل قيام أحد أعضاء حلف شمال الأطلسي (تركيا) بمهاجمة أفضل حليف للولايات المتحدة في سوريا (الأكراد)!
لقد أصبح الصراع السوري الآن في لحظة حرجة وحساسة. وأي سوء تقدير من قبل روسيا أو تركيا يمكن أن تكون نتيجته كارثية. ولم يفت الأوان أبدا بعد بالنسبة للولايات المتحدة أن تفعل الشيء الصحيح – وهو القيام بكل عناية ببناء إطار العمل السياسي والعسكري لسوريا جديدة.

* كاتب عمود متخصص في الشؤون الخارجية بصحيفة واشنطن بوست.