عواصم – ش – وكالات
رغم الخروقات لوقف الأعمال العدائية في سوريا، إلا أن الهدنة "الهشة" صمدت، بعد خمسِ سنوات من الحرب المدمرة، إلا أن هذه الهدنة ما كانت لتتم لولا وجود توافق على مستوى واشنطن وموسكو، علاوةً على تقيد عدة دول وأطراف بهذا التوافق، الذي قد يفضي إلى حل سياسي.
الضامن للهدنة
وفي سياق التعليق على يوم الهدنة الأول، ودخول سوريا إلى يومٍ ثانٍ من وقف إطلاق النار أكد المبعوث الأممي لسوريا ستيفان دي ميستوار أن الضامن الحقيقي لاستمرار اتفاق وقف إطلاق النار هما الدولتان الداعمتان للاتفاق الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
وقال دي ميستورا ـ في تصريح خاص لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) يوم أمس الأحد: إن اتفاق وقف الأعمال العدائية التي بدأ بالفعل في منتصف ليل الجمعة يتوقع أن يستمر قدر الإمكان ، لذا الضامن الحقيقي لاستمرار هذه الهدنة ليس الأمم المتحدة وإنما موسكو وواشنطن.
وأضاف المبعوث الأممي: "إن الأزمة السورية كانت مزمنة وقت توليه مهمته، لكنه يرى الآن تغيرا كبيرا في الجهود المبذولة للتعاون معها "، مشيرا إلى وجود ما وصفه بالبداية الحقيقية لوقف إطلاق النار، واهتمام متزايد بالوضع الإنساني. يذكر أن وزيري الخارجية الأمريكي جون كيري والروسى سيرجي لافروف قد رحبا في وقت سابق ببدء سريان الاتفاق وذلك في الوقت الذي تحدثت فيه تقارير عن وقوع خروقات محدودة لاتفاق وقف الاقتتال. وبحث الجانبان خلال اتصال هاتفى إمكانيات استئناف مفاوضات السلام بين الحكومة السورية والمعارضة التي تأمل الأمم المتحدة في أن تعقد في السابع من شهر مارس المقبل.
تعاون أمريكي روسي
من جانبه؛ أكد ممثل روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف أليكسي بورودافكين يوم أمس الأحد أن الجيشين الروسي والأمريكي يتعاونان على نحو فعال في ضمان وقف إطلاق النار في سوريا.
وقال بورودافكين في تصريح لوكالة أنباء “تاس” الروسية: “نشعر بالرضا حيال التعاون المثمر والفعال بين الجيشين الروسي والأمريكي اللذين يتابعان الوضع على الأرض، ويتخذان التدابير اللازمة لدعم وقف الأعمال العدائية".
وأضاف الدبلوماسي الروسي ، في تلخيص لنتائج اجتماع غير رسمي لفريق عمل لرصد وقف الأعمال العدائية في سوريا الذي عقد في جنيف ، إن روسيا والولايات المتحدة ومجموعة الدعم الدولية بشأن سوريا أعلنوا افتتاح مراكز تشغيلية في موسكو وواشنطن وجنيف واللاذقية (سوريا) وعمان (الأردن).
وأشار إلى أن “الدبلوماسيين والجيش الروسي على اتصال مستمر مع المسؤولين في الأمم المتحدة وممثلي الولايات المتحدة وغيرهم من أعضاء مجموعة الدعم الدولية بشأن سوريا”.
وأكد الدبلوماسي الروسي أن “جميع أعضاء هذه الكيان أعربوا عن ارتياحهم حيال حقيقة خضوع نظام وقف إطلاق النار على وجه العموم للمراقبة”.
الخطة ب
وفي غضون ذلك؛ قال القائد السابق لقوات التحالف بحلف شمال الأطلسي أو ما يُعرف بـ"ناتو"، الأدميرال المتقاعد، جايمس ستافريديس، إن الخطة الاحتياطية أو الخطة B التي لفت إليها وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، في حال فشل اتفاق "وقف الأعمال العدائية" في سوريا قد تتضمن عملا بريا تستثنى روسيا منها. جاء ذلك في مقابلة لستافريديس على CNN حيث قال: "أعتقد أن الخطة B ستكون حملة دون روسيا، واعتقد أنها على الأغلب ستتضمن في مرحلة من المراحل إقامة منطقة حظر للطيران في منطقة آمنة يمكننا فيها بناء معارضة معتدلة."
وتابع الأدميرال قائلا: "على الأغلب ستتضمن هذه الخطة الأردن، وربما قوات برية أردنية، أنا متأكد أن هذا الحديث جرى بين الرئيس الأمريكي وملك الأردن.. ستكون حملة معقدة وفوضوية، ولنأمل أننا يمكنا استقطاب روسيا لجانبنا، ولكن غير واثق من ذلك."
دوليا؛ رحبت الخارجية التشيكية باتفاق وقف إطلاق النار في سوريا الذى دخل حيز التنفيذ أمس الأول مطالبة جميع أطراف النزاع الالتزام به بدون شروط.
وأضافت الخارجية التشيكية - في بيان وزعته سفارتها بالقاهرة أمس الأحد - أن "براغ سوف تستمر في دعوتها للحكومة السورية بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين في المناطق المحاصرة، بالإضافة إلى جميع المناطق في سوريا؛ وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254". وأشارت إلى أن التشيك تعتزم زيادة مساعدتها في سوريا من خلال سفارتها في دمشق وأنها تسعى كأولوية لها إلى تحسين الظروف المعيشية خاصة للنازحين داخليا ومن ثم الحد من تدفق اللاجئين إلى أوروبا.
هدوء لليوم الثاني
وفي العودة إلى الهدنة؛ شهدت المناطق السورية المشمولة باتفاق الهدنة الأمريكي الروسي المدعوم من الأمم المتحدة، هدوءا استثنائيا لليوم الثاني على التوالي مع استمرار التزام قوات النظام والفصائل المعارضة بوقف اطلاق النار أمس الاحد، وفق ما افاد مراسلو وكالة فرانس برس.
وتحدث المرصد السوري لحقوق الانسان أمس الاحد عن ليلة هادئة تخللتها خروقات محدودة، لكنه اشار إلى غارات جوية كثيفة لم تعرف هوية الطائرات التي نفذتها، استهدفت مناطق لم يتضح اذا كانت مشمولة باتفاق الهدنة، ابرزها في ريفي حلب الشمالي والغربي (شمال) وريف حماة الجنوبي (وسط).
ونعم سكان مدينة حلب في شمال سوريا والتي تشهد معارك شبه يومية بين الفصائل المقاتلة والقوات النظامية منذ صيف 2012، بليلة وصباح هادئين بحسب مراسل لفرانس برس في المكان
وافاد بان الهدوء لا يزال يعم المدينة بالكامل بعد مرور اكثر من 36 ساعة على بدء تطبيق وقف اطلاق النار، وغابت اصوات الاشتباكات والقصف طيلة الليل، لافتا إلى حركة طبيعية منذ الصباح لسكان الاحياء الشرقية التي تسيطر عليها الفصائل المقاتلة بخلاف ما كان الوضع عليه قبل تطبيق وقف اطلاق النار.
شعور بالغرابة
وقال ابو عمر (45 عاما) وهو يعمل في أحد الافران في حي المعادي في شرق حلب لفرانس برس "أشعر ببعض الغرابة لأننا اعتدنا النوم والاستيقاظ على أصوات القصف والاشتباكات".
وأضاف "أما الآن فلا وجود لكل تلك الاصوات، انا سعيد بذلك وفي الوقت ذاته حزين على تلك المناطق التي لم تشملها الهدنة وما زال سكانها يعانون".
وشهدت اطراف العاصمة السورية وفق مراسل لفرانس برس هدوءا إلى حد كبير من دون رصد اي خروقات تذكر. وقال ان سكان دمشق ولليوم الثاني على التوالي استيقظوا من دون سماع دوي القصف من مناطق ريف دمشق.
وراى إحسان ضوّا، وهو طالب في كلية طب الاسنان في دمشق لفرانس برس ان "الهدنة اظهرت كمية التعب المتراكم لدى الناس طيلة خمس سنوات، كنا جميعا بحاجة إلى بصيص أمل نتعلّق به، ولذلك رأيت الحماس الشعبي والفرحة الضمنية التي تحولت إلى فرحة معلنة".
وهذه الهدنة التي بدأ تطبيقها منتصف ليل الجمعة السبت هي الاولى بهذا الحجم التي تلتزم بها قوات النظام والفصائل المعارضة منذ بدء النزاع الذي اسفر خلال خمس سنوات عن سقوط اكثر من 270 الف قتيل.
غارات جوية
وبحكم استثناء تنظيم داعش وجبهة النصرة من الاتفاق، فان المناطق المعنية بالهدنة، بحسب مصدر سوري رسمي والمرصد السوري، تقتصر على الجزء الاكبر من ريف دمشق، ومحافظة درعا جنوبا، وريف حمص الشمالي (وسط) وريف حماة الشمالي (وسط)، ومدينة حلب وبعض مناطق ريفها الغربي (شمال).
واشار مدير المرصد رامي عبد الرحمن أمس الاحد إلى "تنفيذ طائرات حربية لم يعرف اذا كانت روسية ام تابعة لقوات النظام غارات عدة على ست بلدات في ريف حلب الشمالي والغربي، تتواجد جبهة النصرة في واحدة منها فقط". وتسببت هذه الغارات بمقتل شخص واصابة اخرين بجروح.
كما افاد بتعرض قرية حربنفسه في ريف حماة الجنوبي والتي تسيطر عليها فصائل مقاتلة لثماني غارات جوية على الاقل صباحا. وشدد عبد الرحمن على ضرورة "توضيح خريطة المناطق المشمولة بوقف اطلاق النار للتأكد من تطبيقه".
واشارت صحيفة الوطن القريبة من دمشق في عددها الاحد إلى ان "الخرائط لا تزال تحظى بصفة السرية"، لافتة إلى "وجود حالات محدودة من الخروقات لم (يعلق) عليها أحد، على اعتبار أن وقف هذه العمليات يحتاج إلى يومين أو ثلاثة أيام لتظهر جديته ومدى الالتزام فيه".
*-*
الاحتلال الإسرائيلي قلق من وقف إطلاق النار في سوريا
القدس المحتلة – ش
أعربت محافل سياسية وعسكرية في تل أبيب عن قلقها البالغ من اتفاق وقف إطلاق النار، الذى توصلت إليه الولايات المتحدة وروسيا في سوريا، وطلبت المحافل الإسرائيلية إيضاحات من حكومة موسكو حول المنطقة السورية التى يبدأ فيها تفعيل الاتفاق، إلا أنها لم تتلق رداً كافياً، ما حدا بها إلى التوجه للولايات المتحدة، التي طالبتها بأن يبدأ وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، وتحديداً في المنطقة المحاذية لهضبة الجولان، لكن واشنطن هي الأخرى لم تمنح تل أبيب الرد المطلوب، إذ إن الإدارة الأمريكية بحسب تقارير نشرها موقع «دبكا» العبري، لا تعلم هي الأخرى نوايا الدب الروسي، رغم الاتفاق معه على وقف إطلاق النار.
وتشير التقارير إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو، أجرى اتصالاً هاتفياً قبل أيام بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وطلب منه الوقوف على استراتيجية وقف إطلاق النار في سوريا، لكن بوتين تجاهل الرد، واكتفى بالتأكيد على أن بلاده ستتفرغ بعد أيام للاحتفال بإحياء الذكرى الـ 25 للعلاقات الروسية - الإسرائيلية؛ وأشار التقرير العبري إلى أن نتانياهو هو الآخر لا يثق فيمن يصفه بـ"الثعلب الروسي الماكر"، لاسيما أن يوتين كان قد وعد إسرائيل بعدم السماح لقوات حزب الله بالمشاركة في الحرب الدائرة في سوريا، لكنه نكص على عقبيه، حينما شاركت فيالق من الحزب القوات النظامية في المعارك الدائرة، خاصة تلك التي دارت منذ فترة ليست بالقصيرة في الجنوب السوري.
وتشير التقارير العبرية إلى أن تراجع بوتين عن وعوده المتعلقة بحزب الله، هو ذاته مبعث القلق الإسرائيلي بعد قرار وقف إطلاق النار في سوريا، إذ لا تستبعد تقديرات تل أبيب اختراق حزب الله وقوات الجيش السوري إلى جانب قوات إيرانية أخرى وقف إطلاق النار، وتتقدم باتجاه خطوط التماس السورية الإسرائيلية عند هضبة الجولان؛ فرغم أن قيادة الجبهة الشمالية في إسرائيل، أجرت تدريبات ومناورات عسكرية غير مسبوقة خلال الآونة الأخيرة، استعداداً لأي حراك عسكري من الجبهة السورية، إلا أنها تتحسب من إمكانية الاشتباك مع الجبهة السورية في ظل القيود التي تفرضها روسيا على ساحة القتال السورية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يكن أول من أجرى اتصالات حثيثة بالروس للوقوف على آليات قرار وقف إطلاق النار في سوريا، وإنما سبق اتصاله بالرئيس بوتين في الرابع والعشرين من فبراير، زيارات واتصالات إسرائيلية مماثلة بموسكو، كان آخرها في الثامن عشر من الشهر ذاته، حينما استقل مدير عام الخارجية الإسرائيلية البروفيسور دوري جولد طائرة من ميناء بن جوريون الجوي إلى موسكو، وكان سبب الزيارة الوحيد هو الالتقاء بالروس، وإقناعهم بالخطر الذى قد يترتب على خرق قرار وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، سواء من خلال قوات الجيش النظامي، أو القوات الداعمة لها من حزب الله أو إيران؛ ورغم إسهاب المسؤول الإسرائيلى في شرح ما وصفه بالمخاطر، إلا أن المسؤولين الروس استمعوا له بأدب وذوق رفيع، بحسب تعبير موقع «دبكا» العبري، لكنهم في الوقت نفسه، لم يعطوه إجابة شافية تثلج قلب تل أبيب، واكتفوا بردود أقرب للردود الدبلوماسية، التي يستحيل الحصول منها على معلومة واضحة.
وخلال الاتصال الهاتفي الذي جرى بين نتنياهو وبوتين، اكتفى الأخير بما وصفه التقرير العبري بـ"طمأنة نتانياهو"، حينما أكد أنه يعتزم عقد لقاء على أعلى مستوى بين موسكو وتل أبيب؛ لكن معدي تقرير الموقع العبري تساءلوا: هل يكفى حديث بوتين عن اللقاء المرتقب لطمأنة إسرائيل، وسط حالة القلق التي يعيشها الجيش الاسرائيلي، ومؤسسات الدولة العبرية السياسية والعسكرية؟.