فكر دونالد ترامب

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٧/ديسمبر/٢٠١٧ ٠٥:٣٧ ص

كريس باتن

بعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة للصين فلن يطول الأمر قبل أن تبدأ وسائل الإعلام اليمينية مثل بريتبارت نيوز وفوكس نيوز باقتراح أن يقتدي ترامب بالرئيس الصيني تشي جينبينج على الرغم من الطبيعة اللينينية الطاغية على المحتوى الصيني.

ففي المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني في الشهر الفائت تم تنصيب تشي فعليا كقائد أعلى. إن تضمين ما يطلق عليه فكر تشي جينبينج في ميثاق الحزب الشيوعي الصيني يعني أن أعضاء الحزب قد جعلوا تشي في مكانة اثنين من العمالقة التاريخيين لجمهورية الصين الشعبية وهما ماو تسي تونج ودينج شياو بينج وهما الزعيمان الصينيان الوحيدان اللذين لديهما أيدولوجيات تحمل اسمهما.

إن محتوى مساهمة تشي الفكرية للماركسية –اللينينية تقوي من موقفه ففكر تشي جينبينج لا يركز على الماركسية بينما يركز بشكل اكبر على اللينينية ففكر تشي جينبينج يمزج بين التحكم المركزي والوطنية بحيث يعمل على ترسيخ مكانة تشي كأقوى قائد في بلاده منذ ماو مما يمكنه من «جعل الصين عظيمة مرة أخرى» إذا أردنا إعادة صياغة جملة ترامب الشهيرة.
إن بإمكان ترامب فقط أن يحسد تشي فتغيير ميثاق الحزب الشيوعي الصيني هو أمر سهل تماماً فأي شخص يتجرأ أن لا يوافق بشكل علني على التعديل المقترح بإمكانه أن يتوقع زيارة من شرطة الحزب لمكافحة الفساد بينما تغيير الدستور الأمريكي ليس بهذه البساطة.
لكن لو نظرنا في إمكانية حصول ذلك أي تعديل الدستور الأمريكي كما حصل في 27 مناسبة سابقه من أجل تضمين فكر دونالد ترامب وإلهام الجماهير مرة أخرى على أمل «أمريكا أولا».
إن فكر دونالد ترامب سهل الفهم ولا يتطلب الكثير من المعاناة الفكرية لمعرفته بشكل جيد.
أولاً، كن لطيفاً مع البلدان التي فيها أو يمكن أن يكون فيها برج ترامب أو أي امتياز تجاري للعائلة واظهر الصداقة بشكل خاص للدول التي تستقبل ترامب بسجادة حمراء طويلة أو سجادة ترحيبية مذهبة عندما يتوقف فيها.
لا تقلق إن كان البلد المعني هو بلد ديمقراطي أو ديكتاتوري وفي واقع الأمر فإن بلداً ما يمكن أن يكون صديقاً أفضل لترامب إن لم يكن للولايات المتحدة الأمريكية نفسها لو كان هذا البلد يحكم من قبل «شخص صارم» يسجن المنتقدين والمعارضين وربما يلجأ الى ما هو أسوأ من ذلك معهم. أما الديمقراطيات فتتطلب قادة يجيبون على أسئلة كثيرة ويجتازون الكثير من العقبات ويواجهون مقاومة شديدة.
إن المبدأ الثاني لفكر دونالد ترامب هو أنه يجد طريقة لمكافحة الأخبار المزعجة في الوطن فأي أخبار لا يحبها الزعيم تعتبر أخباراً زائفة والواقعية هي ما يجعله يظهر بشكل جيد في نظر الآخرين.
إن هذا المبدأ يتطلب أن نجعل كل فكرة بسيطة لدرجة أنه يمكن التعبير عنها في أقل من 280 حرفاً على تويتر بحيث تتم التغريدات أثناء الجلوس على الأريكة ومشاهدة فوكس نيوز. إن هذه الأفكار تستجيب للرغبات الكامنة عند الناخبين فرسالتهم التعريفية يجب أن تكون «الدم والأرض».
إن العدائية تجاه الرؤساء الأمريكيين السابقين هي أمر ضروري كذلك فكل تصريحات وأفعال باراك اوباما كانت عبارة عن أخطاء وترامب ليس بحاجة للاعتراف بأن سلفه أنقذ الاقتصاد الأمريكي من براثن الكساد فهو بكل بساطة يمكنه أن ينسب فضل النتائج لنفسه بما في ذلك ارتفاع معدلات التوظيف وارتفاع أسعار الأصول.
إن فكر دونالد ترامب يستهدف على وجه الخصوص اثنتين من الإنجازات المتميزة لباراك أوباما وهما قانون الرعاية الصحية الأمريكي «اوباماكير» والصفقة النووية مع إيران سنة 2015 ولكن إلغاء اوباماكير كان أصعب بكثير مما توقعه ترامب ولقد كان من الممكن أن يكون الأمر أسهل بكثير لو استطاع ترامب إيجاد شيء يحل مكانه لا يترك الفقراء والمرضى- بما في ذلك بعض ناخبيه- في وضع أسوأ بكثير.
أما بالنسبة للصفقة النووية فترامب تحرك إلى ما هو أبعد من شيطنة إيران علنا إلى سحب الثقة من الاتفاقية على الرغم من أن إيران التزمت بشروط الصفقة فطبقا لفكر دونالد ترامب لا يهم لو عزز هذا القرار من الخلاف السني –الشيعي في الشرق الأوسط كما أن المفكر الترامبي لا يهتم لو كانت اقرب حليفات أمريكا الديمقراطيات – أوروبا في الحالة الإيرانية – لا تتفق معه بل على العكس من ذلك فإن الدعم الأوروبي للاتفاقية مع إيران هو سبب آخر لإلغائها.
إن عقيدة ترامب تتضمن ثلاثة مبادئ رئيسية أخرى وهي أولا، الفائض التجاري مع البلدان الأخرى هو مهم لدرجة أنه لا يهم لو أن الزيادة في الصادرات الأمريكيه المذكورة في البيان الصحفي بعد الزيارات الأجنبية هو حقيقي أم افتراضي فالمهم هنا هو الإعلان عن الصفقات التي تبدو كبيرة وحتى التوقيع عليها وكلما زادت المليارات في الكلام الذي يتبجح فيه كلما كان ذلك افضل (الأسئلة المتعلقة بكيفية تنفيذ هذا المتطلب يمكن توجيهها للصين والتي أصبح لديها تخصص دبلوماسي في كيفية عمل الصفقات الوهمية للأجانب السذج).
ثانيا، إن الأدلة والحقائق لا تعتبر أساساً للسياسات فالمفكر الترامبي يتجاهل بجد واجتهاد كل هذا الهراء عن التغير المناخي فدع الرياح تهب والعواصف تشتد والمطر يهطل بغزارة ومستوى سطح البحر يرتفع والتلوث الهوائي يقتل الناس بينما في الوقت نفسه ينكر أنه من الممكن أن يكون لكل ذلك علاقة بانبعاثات غاز الدفيئة التي يتسبب بها الإنسان ولو عرض العلماء أدلة تثبت العكس فإن المفكر الترامبي سرعان ما يطلق عليها خدعة لإضعاف أمريكا فأمريكا لا تقبل أي تحديد لإنتاج الفحم ويجب حماية مصالح صناعة النفط في جميع الأوقات.

وأخيرا يتوجب عليك تصديق من تريد تصديقه، وحتى لو كان هذا يعني أن تثق بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين رجل المخابرات السوفياتية الكي جي بي السابق أكثر من ثقتك بأجهزة الأمن والمخابرات الأمريكية نفسها وكلما اقترب المستشار الخاص روبرت مولير وفريقه من المحققين من معرفة الحقيقة فيما يتعلق بالتدخل الروسي في انتخابات سنة 2016 كلما زاد إصرارك على أن بوتين يعني ما يقوله والكلام نفسه ينطبق على المملكة المتحدة حيث تتزايد الأدلة بأن المال الروسي ونشاطات ضمن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا في تأمين الفوز لمناصري الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي «بريكست « في يونيو 2016.

في فكر دونالد ترامب فإن بوتين هو نبي وقديس راعي في الوقت نفسه. بوتين مثل ترامب هو محارب من أجل العظمة الوطنية ضد قوى الشر المتمثلة في التعددية والتنوع الثقافي وهو مثل ترامب يعلم من هم أصدقاؤه.

آخر حاكم بريطاني في هونج كونج ومفوض سابق للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية وهو يعمل حالياً كرئيس لجامعة أكسفورد.