إنقاذ الصومال من الديون

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٣/نوفمبر/٢٠١٧ ٠٥:٣٦ ص
إنقاذ الصومال من الديون

كيفين واتكينز

ذات يوم، طَرَحَ جوليوس نيريري، أول رئيس لتنزانيا، سؤالا فظا على دائني بلاده: «هل يتعين علينا أن نميت أطفالنا جوعا لكي نسدد ديوننا؟» كان ذلك في العام 1986، قبل الحملات الشعبية والمبادرات التي أسقطت قسما كبيرا من أعباء ديون أفريقيا الساحقة غير القابلة للسداد. لكن السؤال الذي طرحه نيريري لا يزال يخيم كسحابة مظلمة على الصومال.

خلال العام الفائت، نجحت جهود إنسانية غير مسبوقة في إبعاد الصومال عن حافة هاوية المجاعة. فقد دَمَّرت أسوأ موجة جفاف في الذاكرة الحية المحاصيل وأهلكت الماشية، وعبأت هيئات المعونة ما يقرب من البليون دولار في هيئة مساعدات طارئة للتغذية، والصحة، وتوفير المياه النظيفة. وأنقذت هذه المساعدات العديد من الأرواح وحالت دون تكرار ما حدث أثناء موجة الجفاف في العام 2011، عندما تسبب تأخر التحرك الدولي في وفاة ما يقرب من 260 ألف إنسان.

ولكن حتى على الرغم من هذه الجهود الأخيرة، يظل مصير الصومال معلقا في الميزان. إذ تشير أنظمة الإنذار المبكر إلى مجاعة مرتقبة في العام 2018. وبسبب الأمطار الهزيلة غير المنتظمة، يواجه نحو 2.5 مليون إنسان أزمة غذائية مستمرة؛ ويعاني نحو 400 ألف طفل من سوء التغذية الحاد؛ وتواصل أسعار المواد الغذائية الارتفاع؛ وأصبحت مجتمعات كاملة تعتمد بشكل كامل على المياه الباهظة الثمن المنقولة بالشاحنات بسبب جفاف الآبار.وتظل المساعدات الإنسانية تشكل ضرورة أساسية. فنحو نصف سكان الصومال البالغ عددهم 14 مليون نسمة يحتاجون إلى الدعم، وفقا لوكالات الأمم المتحدة. ولكن المساعدات الإنسانية، وهي متقلبة غالبا وقصيرة الأمد في الأغلب الأعم، لن تكسر الحلقات القاتلة التي تتألف من الجفاف والجوع والفقر. ولكي يتمكن الصومال من تطوير أنظمته الصحية والتعليمية، وبنيته الاقتصادية الأساسية، وبرامج الحماية الاجتماعية اللازمة لبناء مستقبل أكثر قدرة على الصمود، فإنه يحتاج إلى تمويل طويل الأجل ويمكن التنبؤ به لمشاريع التنمية.
ويمثل الدين عائقا يحول دون توفير هذا التمويل. فقد بلغ دين الصومال الخارجي نحو خمسة بلايين دولار. ويتراوح الدائنون من دول غنية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا، إلى حكومات إقليمية ومؤسسات مالية، بما في ذلك صندوق النقد العربي.
غير أن ديون الصومال تشمل أيضا 325 مليون دولار من المتأخرات المستحقة لصندوق النقد الدولي. وهنا يكمن أصل المشكلة: ذلك أن الدول المستحق عليها متأخرات لصندوق النقد الدولي تُصبِح غير مؤهلة للحصول على تمويل طويل الأجل من مصادر أخرى، بما في ذلك مؤسسة التنمية الدولية المتساهلة التابعة للبنك الدولي، والتي تبلغ أصولها 75 بليون دولار.
يرجع تاريخ جزء كبير من ديون الصومال إلى الحرب الباردة، عندما كانت القوى العظمى العالمية تتنافس في منطقة القرن الأفريقي. وتمثل المتأخرات على أموال حصل عليها الصومال في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، قبل أن يولد ثلثي سكان الصومال الحاليين بفترة طويلة، أكثر من 90% من أعباء الديون في الصومال.
كان أغلب الإقراض آنذاك موجها إلى الرئيس سياد بِري كمكافأة له على تخليه عن الاتحاد السوفييتي واحتضان الغرب. وتمثل القروض العسكرية جزءا كبيرا من الديون: فأكثر من نصف الديون المستحقة للولايات المتحدة والتي تبلغ 973 مليون دولار اقترضتها وزارة الدفاع. فقد حصلت الصومال على أسلحة متطورة، بتمويل من القروض. وجرى توجيه صندوق النقد الدولي إلى ضمان السداد من خلال برنامج التكيف الهيكلي. وسداد هذا الدين اليوم سيكلف كل رجل وامرأة وطفل في الصومال 361 دولارا.
لا شيء من هذا كان ليمثل أهمية كبيرة لو تأهل الصومال لخفض الديون. فقد قررت مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون، والتي أنشئت في الاستجابة لحملات تخفيف أعباء الديون الكبيرة في التسعينيات، شطب نحو 77 بليون دولار من الديون المستحقة على 36 دولة. والصومال بلد واحد من ثلاثة فقط لم تتأهل بعد. والسبب هو المتأخرات المستحقة لصندوق النقد الدولي. (لم تتأهل أريتريا والسودان أيضا، لأسباب مماثلة).
وتتلخص وجهة نظر صندوق النقد الدولي في أن الصومال، مثله كمثل الدول التي استفادت من قبله من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون، ينبغي له أن ينشئ سجلا من الإصلاح الاقتصادي. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تأخير شطب الديون بالكامل لفترة قد تصل إلى ثلاث سنوات، وحرمان الصومال من تمويل التنمية الطويل الأجل، وإعادته قسرا إلى الاعتماد على معونات الطوارئ. وقد أيدت جهات أخرى دائنة هذا النهج من خلال الموافقة الصامتة.الواقع أن الصومال يستحق ما هو أفضل من هذا. فقد أظهرت حكومة الرئيس محمد عبد الله محمد التزامها بالإصلاح الاقتصادي، وعملت على تحسين المساءلة والشفافية. فعلى مدار عامين، التزمت ببرنامج صندوق النقد الدولي، فحققت أهدافا في ما يتصل بتحسين الموارد المالية العامة وعمل القطاع المصرفي. والأمر يحتاج إلى المزيد من الخطوات، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتعبئة الموارد المحلية. ولكن هذه أول حكومة صومالية تتيح للمجتمع الدولي الفرصة لدعم التعافي. ويتعين علينا أن نستفيد من هذه الفرصة.
أما الانتظار ثلاث سنوات أخرى حتى يلبي الصومال شروط صندوق النقد الدولي المحاسبية فهو انتصار للرضا عن الذات البيروقراطية على حساب الاحتياجات الإنسانية. وفي غياب الدعم الدولي، تفتقر حكومة الصومال إلى الموارد اللازمة لكسر حلقة الجفاف والجوع والفقر المهلكة.إن أطفال الصومال يحتاجون إلى الاستثمار في الصحة والتغذية والمدارس الآن وليس في مرحلة ما من المستقبل المجهول. والاستثمار في الري وإدارة المياه من شأنه أن يعزز الإنتاجية. تشير التقديرات إلى أن الخسائر المرتبطة بالجفاف في الثروة الحيوانية والمحاصيل بلغت نحو 1.5 بليون دولار، وسوف تساعد برامج السداد النقدي التي تدعمها الحكومة في تعزيز التعافي، والقدرة على الصمود، وبناء الثقة.
تمتد فوائد هذه الاستثمارات إلى الأمن. ذلك أن تزويد الناس بالأمل، الذي يأتي مع التعليم، والرعاية الصحية، وتوقع الحصول على فرصة عمل، سلاح أكثر فعالية من الطائرات بدون طيار لمكافحة التمرد الذي يتغذى على اليأس، والفقر، والبطالة، وغياب الخدمات الأساسية.
وهناك بديل عن الجمود الذي يرعاه صندوق النقد الدولي في التعامل مع مسألة تخفيف أعباء الدين. فبوسع البنك الدولي والدائنين الرئيسيين أن يعقدوا مؤتمر قمة للاتفاق على شروط الشطب العاجل للديون. وبشكل فوري، يستطيع البنك الدولي أن يلتمس موافقة المساهمين فيه على إنشاء آلية خاصة ــ «منحة مقاصة ما قبل المتأخرات» ــ لتمكين الصومال من الحصول على التمويل من المؤسسة الدولية للتمويل. وهناك سابقة لهذا: ففي العام 2005، دعت الولايات المتحدة البنك الدولي إلى تمويل ليبيريا، التي كانت في ذلك الوقت مدينة بمبلغ كبير لصندوق النقد الدولي بعد خروجها من الحرب الأهلية.
ومن الممكن مناقشة الجوانب الفنية وحل التعقيدات. ولكن لا ينبغي لنا أن نتجاهل المخاطر. ولا يجوز لنا الدفاع عن موقف صندوق النقد الدولي، وغيره من الدائنين، الذي يحول دون تمكين الصومال من الحصول على التمويل بسبب دين يعود تاريخه إلى ثلاثة عقود من الزمن ولا يخلو من إقراض متهور بقدر ما ينطوي على اقتراض غير مسؤول.
لم يلعب أطفال الصومال أي دور في إيجاد هذا الدين. ولا يجوز لنا أن نرغمهم على دفع ثمنه من مستقبلهم.

الرئيس التنفيذي لمؤسسة أنقذوا الأطفال في المملكة المتحدة