إلى أين نحن ذاهبون ؟

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٣/نوفمبر/٢٠١٧ ٠٥:٣٦ ص
إلى أين نحن ذاهبون ؟

علي ناجي الرعوي

قد لا نعرف إلى أين نحن ذاهبون لكن ربما يكون من المفيد لنا أن نعرف على الأقل أين نقف الآن ونحن نرى الأرض التي نمشي عليها قد ثقلت أو تكاد تسقط وتتهاوى نتيجة ما تنوء به من النزاعات والصراعات والحروب التي تنهش في جسد عدد منها بصورة فوضوية يظهر معها المشهد العربي في أسوأ أوضاعه وأصعب أحواله واخطر مراحله.. فهناك دماء تسيل ومقدرات تدمر وشعوب تعاني ودول مهددة بالتقسيم والتصدع والتمزق فيما ينتظر من بقي سالماً حتى الآن دوره خصوصاً والمنطقة كلها من تتهيأ لحرب إقليمية قادمة يجري التحضير لتفجير حمم براكينها بسرعة قياسية عن طريق الملاسنات الإعلامية والتصريحات التي تفيض بقدر عال من التشنج كمقدمة لهذه الحرب العاصفة التي يراد لها أن توفر المبرر للاستمرار في استنزاف ثروات وإمكانيات المنطقة الواقعة أصلا تحت مسار ليس معنياً بإغلاق الملفات وإنما بفتح المزيد من البؤر الجديدة فيها بدليل أن كل الأزمات التي فتحت في هذه المنطقة لم تغلق حتى الآن بما في ذلك الأزمات التي مر عليها عقوداً من الزمن.

لقد عرفت منطقتنا خلال القرن العشرين حروباً عدة وعاش العرب في هذا القرن أزمات طاحنة وزلازل سياسية عنيفة ومروا كذلك بتقلبات وتحولات كانت شديدة التأثير على حياتهم على كافة المستويات لكن ما يعتمل على أرضهم اليوم من صراعات غير مفهومة حروب ملغومة مختلفة كلياً عن كل تلك التحديات والإشكاليات التي أحاقت بهم على مدى ذلك القرن إذ إن ما يشهدونه الآن من أحداث ونزاعات وحروب وصراعات تستمد فورة عنفها من كونها التي تكرس للاصطفافات الطائفية والمذهبية والعرقية التي يصعب التحكم بمجرياتها الكلية لأنها من تحمل عناصر الانفجار في ذاتها وهو ما يفصح عنه الحريق الممتد من جنوب تركيا مروراً بسوريا ولبنان والعراق إلى اليمن والصومال والسودان وصولاً إلى ليبيا في المغرب العربي وهو ما يجسد في حقيقة الأمر أننا أمام خطط غير معلنة تصب في اتجاه استدامة مثل هذا البركان مشتعلاً بل وتوسيعه إلى أن تعم حرائقه الجهات الأربع في الخارطة العربية وهذا لن يتحقق إلا عبر تغليف كل الصراعات والنزاعات في المنطقة بالطابع المذهبي او الطائفي او العرقي او الجهوي مما يعني معه أننا امام تهديدات مركبة لا تنذر بتفكيك العالم العربي الى دويلات وكيانات طائفية وعرقية تتلاشى معها الهوية العربية بين ابناء الجلدة الواحدة وحسب وإنما أمام توجه يهدف إلى تفسيخ ما كان قد اصطنع من وحدة للأرض العربية وإظهار هذه الوحدة كحقيقة سرابية.إذا ما القينا نظرة خاطفة على الخارطة الجغرافية العربية عموما سنجد أن الوضع المضطرب في سوريا ولبنان والعراق واليمن والصومال والسودان وليبيا ليس سوى نماذج ظاهرة لما هو مستتر في غيرها حيث يلاحظ ذلك فيما تشهده معظم الدول العربية من هزات وانعدام للتوازن بل إن بعضها يبدو وكأنه معلق في الفراغ وهو ما يوحي تماما إلى أن لا احد من العرب في مأمن من شرور وشظايا كرة النار التي تتدحرج في منطقتنا وربما لن يتأخر الأمر كثيرا حتى نرى حرائق إضافية تشتعل في ساحات كان ينظر لها على أنها بعيدة عن أدوات الصراع وفي منأى عن حسابات من بأيديهم عود الثقاب والذين يتحركون وفق مخطط استراتيجي مدبر ومدروس سلفا.
نعرف أن العرب وبعد مئات التجارب التي عاشوها أو ماتوا فيها لم يتعلموا أبدا من تلك التجارب.. ونعرف أيضا أن العرب الذين لم يتفقوا بعد – ولن يتفقوا – على قراءة الماضي وهذا الماضي وقائع حدثت فكيف لهم أن يتفقوا على استقراء المستقبل وهذا المستقبل مازال احتمالات متوقعة.. رغم ذلك لابد وان يدرك العرب في اللحظة الراهنة أن ما يختمر ويتفاعل في قلب منطقتهم من أحداث متفجرة وعواصف مدمرة هي أعمق من كل الأزمات والتحديات والتقلبات التى سبق وان مروا بها وان ما هو حاصل الآن أنهم في وضع (مشتبك) ومتشابك يتم شيطنته يوما بعد يوم بفعل تداخل وتقاطع مصالح وإرادات إقليمية ودولية في منطقتنا تبدأ بإسرائيل وتركيا وإيران وتنتهي بواشنطن وموسكو ولندن وبكين وغيرها من العواصم الكبرى التي تسعى كل منها أن يكون لها موطئ قدم في هذه المنطقة فيما العرب مع الأسف منشغلون بصراعاتهم وحروبهم ضد بعضهم البعض وليس في الأفق أي مؤشر يدل على تداركهم لما يمكن تداركه.
يوم الأحد الفائت دخل وزراء الخارجية العرب اجتماعهم الاستثنائي بالقاهرة برؤيتين مختلفتين إن لم يكن بأكثر من ذلك وما تبين من الأدبيات التي خرج بها هذا الاجتماع أن الانقسام العربي حول العديد من الأزمات المشتعلة في المنطقة إنما هو الذي يفتح المجال لتدويل تلك الأزمات ويمنح الأطراف الخارجية الفرصة للتدخل وفرض توجهاتها وقد يكون من المفارقة انه وبدلا من أن يعمل الوزراء العرب على إيجاد المخارج لمثل هذه الأزمات والحروب الملتهبة في أكثر من قطر انصب اهتمامهم على إضافة أزمات جديدة ستكون لها تداعياتها الكبيرة على الاستقرار الإقليمي هذا إن لم تدفع إلى صراع عربي إيراني على أوسع نطاق وما يزيد الصورة قتامة أو يزيد القتامة شمولا أن هذا الاجتماع الوزاري لم يمر دون إحالتنا على حجم العبث الذي يطبع المشهد العربي وكذا الخلل الكبير الذي أصاب الإطار المؤسسي للنظام العربي وهو ما انعكس على دور الجامعة العربية التي تحولت إلى أداة للتفكيك والانقسام وإطلاق (رصاصة الرحمة) على ميثاقها إلى درجة أن هناك من بات يتندر على هذه الجامعة التي أصبحت في حكم الميت فعلا.
الثابت أن ترابط عوامل الكارثة تجعلنا نقول من إننا بصدد أمة تسير نحو الانقراض وذلك قانون كوني فكما يموت الأفراد تموت الأمم والأجناس و الحضارات ولذلك لم يكن حديث مايكل هايدن المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات الأمريكية والذي أشار إلى أن دولا عربية ستختفي قريبا من الخريطة حديثا عابرا ودون دراية بما يجري في منطقتنا من فوضى هدامة وجارفة، ويصبح مثل هذا الأمر أقرب إلى الصحة إذا ما نظرنا إلى النزيف الهائل الذي يشكله فرار غير مسبوق لملايين السوريين والعراقيين واليمنيين والصوماليين من أوطانهم بعد أن أصبحت هذه الأوطان طاردة لأبنائها الذين تعزز الشعور لديهم باستحالة الرهان على أوطان متعثرة تنتقل من كبوة إلى كبوة.